عيد الميلاد يضع بيت لحم الصغيرة في الضفة الغربية في صدارة الاهتمام العالمي: بيت لحم تعج بالحجاج المسيحيين إلى المدينة التي تقول بعض مصادر الكتاب المقدس إن يسوع ولد فيها قبل أكثر من ألفي عام.
لكن هل ميلاد يسوع في بيت لحم حقيقة متفق عليها؟ حتى أناجيل العهد الجديد لا تتفق حول تفاصيل ولادة يسوع في بيت لحم. بعضها لا يذكر بيت لحم ولا ولادة يسوع على الإطلاق.
سبب الاختلاف – بحسب باحثين في النصوص المسيحية – يعود إلى تفاصيل أقدم.. إلى محاولة ربط المسيح بنبوءات قديمة ليصل إلى سلاسلة الملك داوود.
س/ج في دقائق
ماذا تقول أناجيل العهد الجديد عن ميلاد يسوع في بيت لحم؟
لا تتفق الأناجيل الأربعة حول تفاصيل ميلاد يسوع.. خصوصًا مكان ولادته. إنجيل متى اتفق مع إنجيل لوقا في بعض التفاصيل، خصوصًا أن يسوع ولد في بيت لحم. لكن يكاد يكون من المستحيل التوفيق بين بقية الاختلافات بينهما.
بالمقابل، يكشف إنجيلا مرقس ويوحنا أنهما واجها مشكلة في ربط يسوع بمدينة بيت لحم، أو أن مدوني الإنجيلين لم يعرفا مكان ولادته، أو لم يكونا معنيين بهذه المدينة.
بولس الرسول، الذي كتب أقدم وثائق العهد الجديد، يقول إن يسوع من نسل داود. لكنه لا يربطه ببيت لحم. يؤكد سفر الرؤيا أيضًا أن يسوع كان من نسل داود لكنه لا يذكر بيت لحم.
إنجيل متى:
بحسب إنجيل متى، أول الأناجيل الأربعة في العهد الجديد، كان يوسف ومريم في بيت لحم عندما ولد يسوع.
القصة تبدأ مع حكماء المجوس الذي يفدون إلى القدس بعد رؤية نجمة فسروها كإشارة إلى ولادة ملك جديد.
يقابلون الملك اليهودي هيرودس للاستفسار عن مكان ولاية يسوع. يخبرون أن طفلًا ولد ليكون ملك اليهود. ثم يتتبعون النجمة التي تقودهم إلى منزل “وليس مزود” ولد فيه يسوع ليوسف ومريم.
وهناك يقدمون للوليد هدايا ثمينة من الذهب، وخصوصًا من اللبان والمر، وهي عطور باهظة الثمن لها استخدامات طبية.
بعد زيارة حكماء المجوس، يضع هيرودس خطة لقتل جميع الأطفال لإزالة التهديد عن عرشه. يرى يوسف رؤيًا تحذره من محاولة الملك هيرودس قتل الطفل يسوع. فيهرب مع مريم والطفل إلى مصر.
يموت هيرودس بسبب المرض، لكن مريم ويوسف لن يعودا إلى بيت لحم رفقة يسوع. بل يسافران شمالاً إلى الناصرة في الجليل.
نجمة عيد الميلاد أمام كنيسة المهد ، التي يعتقد أنها مسقط رأس يسوع في بيت لحم
إنجيل لوقا:
يروي إنجيل لوقا رواية مختلفة عن ولادة يسوع. يبدأ مع يوسف ومريم الحبلى في الجليل، اللذين يرحلان إلى بيت لحم بعد طلب الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر إحصاء لجميع اليهود.
ولأن يوسف من نسل الملك داود، كان مسقط رأسه في بيت لحم. ولذلك طلب منه التسجيل هناك.
لا يتضمن إنجيل لوقا أي رحلة إلى مصر، ولا الملك هيرودس المصاب بجنون العظمة، ولا قتل الأطفال، ولا حكماء المجوس الذين يزورون الطفل يسوع.
وُلِد يسوع – بحسب إنجيل لوقا – في “مذود” لأن جميع المسافرين اكتظوا بغرف الضيوف.
بعد الولادة، زاره رعاة أبلغتهم الملائكة بموقع ميلاد يسوع في بيت لحم. فرحوا أيضًا بميلاده، لكنهم وصلوا بلا نجم إرشادي، ولم يقدموا هدايا ثمينة للطفل.
وبعد ثمانية أيام من الولادة، يغادر يوسف ومريم بيت لحم إلى أورشليم ثم الناصرة.
مشهد من مغارة الميلاد يُظهر ميلاد يسوع في مذود
إنجيل مرقس:
إنجيل مرقس – الرواية الأولى لحياة يسوع المكتوبة في 60 ميلاديًا تقريبًا – لا يذكر تفاصيل عن ولادة يسوع أو علاقته ببيت لحم.
في عدة مناسبات، يقول إنجيل مرقس أن يسوع من “ناصرة الجليل” دون أي تطرق إلى بيت لحم.
يصف متسول أعمى في إنجيل مرقس يسوع بأنه من الناصرة وابن داود، ثاني ملوك إسرائيل ويهوذا خلال الفترة 1010-970 قبل الميلاد. الملك داود لم يولد في الناصرة ولم يرتبط بالمدينة أبدًا. كان من بيت لحم. لكن إنجيل مرقس لا يُعرِّف يسوع بمدينة بيت لحم.
إنجيل يوحنا:
إنجيل يوحنا – المكتوب بعد حوالي 15 – 20 عامًا من إنجيل مرقس – لا يربط أيضًا بين يسوع ومدينة بيت لحم. يقول إن الجليل هي مسقط رأس يسوع حيث وجد تلاميذه الأوائل، وقام بالعديد من المعجزات، وله إخوة في الجليل.
هذا لا يعني أن إنجيل يوحنا لم يكن على علم بأهمية بيت لحم. يذكر جدلًا أشار فيه بعض اليهود إلى النبوءة التي ادعت أن المسيح سيكون من نسل داود ويأتي من بيت لحم. لكن يسوع بحسب إنجيل يوحنا لا يرتبط أبدًا ببيت لحم، بل بالجليل، وبشكل أكثر تحديدًا الناصرة.
لماذا الاختلاف بين الأناجيل حول ميلاد يسوع في بيت لحم ؟
رايموند براون، باحث في الأناجيل، يقول إن “الروايات ليست مختلفة فقط، بل متعارضة في العديد من التفاصيل”.
رودولفو جالفان استرادا، أستاذ مساعد العهد الجديد في كلية فولر اللاهوتية يجادل بأن الأناجيل تقدم نظرة ثاقبة مهمة في وجهات النظر اليونانية الرومانية للهوية العرقية، بما في ذلك الأنساب.
حيث استخدمت قصص الولادة وادعاءات الأنساب في العصر اليوناني الروماني لتأسيس حقوق للحكم وربط الأفراد بعظمة الأجداد المزعومة.
جون ماير، الباحث في موضوع يسوع التاريخي، يقول أن “ولادة يسوع في بيت لحم يجب ألا تؤخذ على أنها حقيقة تاريخية” ولكن كـ “تأكيد لاهوتي يوضع في شكل سرد تاريخي على ما يبدو”. بعبارة أخرى، أدى الاعتقاد بأن يسوع كان من نسل الملك داود إلى تطور قصة ولادة يسوع في بيت لحم.
ما علاقة الهوية العرقية بالاختلاف حول ميلاد يسوع في بيت لحم؟
خلال فترة حياة يسوع، كانت هناك وجهات نظر متعددة حول المسيا.
في أحد اتجاهات الفكر اليهودي، كان متوقعًا أن يكون المسيا حاكمًا أبديًا من سلالة داود. النصوص اليهودية الأخرى، مثل سفر عزرا 4، الذي كتب في نفس القرن مع الأناجيل، ونصوص قمران من الأدب اليهودي الذي كتب قبل قرنين من الزمان ، تردد هذا الاعتقاد أيضًا.
في الكتاب المقدس العبري، هناك كتاب نبوي يُدعى ميخا، يُعتقد أنه كُتب حوالي 722 قبل الميلاد، تنبأ بأن المسيح سيأتي من مسقط رأس داود في بيت لحم. النص مكرر في إنجيل متى. و يذكر إنجيل لوقا أن يسوع ليس مرتبطًا نسبيًا بالملك داود فحسب، بل ولد أيضًا في مدينة داود في بيت لحم.
رودولفو جالفان استرادا يقول إن ادعاءات الأنساب خُقلت للمؤسسين القدامي والسياسيين البارزين.
مثلًا، اعتبر إيون، مؤسس المستعمرات اليونانية في آسيا، من سلالة أبولو،
وزعم الإسكندر الأكبر أنه ابن هرقل، و
وأعلن إعلان أغسطس قيصر أنه سلسال أبولو،
واعتبرت تدوينات فيلون السكندري، وهو كاتب يهودي عاش في القرن الأول، أن النبي إبراهيم والكاهن والأنبياء اليهود أبناء الله.
يقول استرادا إنه بغض النظر عما إذا كانت ادعاءات السلالة العرقية مقبولة في العصور القديمة، فإنها كانت تشكل هوية الشخص ووضعه السياسي. وكما يوضح المؤرخ اليوناني بوليبيوس، فإن الأعمال المشهورة للأسلاف “جزء من تراث الأجيال القادمة”.
يضيف أن متى ولوقا أدرجا بيت لحم للتأكيد على قولهما بأن يسوع هو المسيا من سلالة داود؛ لأنهما أدركا أن القراء حينها كانوا على دراية بعلاقة نسب يسوع بالملك داود مع ذكر هذه المدينة، لتؤكد رواية ميلاد يسوع في بيت لحم الادعاء بأنه كان من النسل الشرعي للملك داود.