عصمة الكتاب المقدس | هل الإنجيل مرجع علمي؟ ولماذا يحمل أخطاءً تناقض العلوم؟| مارك أمجد

عصمة الكتاب المقدس | هل الإنجيل مرجع علمي؟ ولماذا يحمل أخطاءً تناقض العلوم؟| مارك أمجد

7 Dec 2020
مارك أمجد دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

معارك تستعر من حين لآخر داخل أروقة الكنيسة الشرقية حول وجود أخطاء عِلمية في الكتاب المقدس. المطبخ الكنسي ينقسم أمام إشكالية كهذه لفريقين:

الاتجاه الدوجمائي: ويُطلِق على نفسه عدة تسميات، منها “حُماة الإيمان” أو “أرثوذكسي مستقيم” وغيرها. يرى أن نظرية كهذه تُهمة تنتقص من عصمة الإنجيل، وأن كل من يتبنّاها مُهرطق تنبغي محاسبته من قِبل المجمع المقدس أيًا كانت رُتبته الكهنوتية.

أما الجانب الآخر المرِن، فيحاول التخلّي عن الفِهم الحَرفيّ للناموس، والاتجاه أكثر ناحية استيعاب النص وعدم عبادته، فيرى أنه حتى لو وُجدت أخطاء علمية، فهذا لا يُقلّل من شأن الأناجيل روحانيًا في شيء، إذ لم يكن الهدف أساسًا من كتابتها أن تُستخدم كمراجع فلكية أو هندسية.

تدوين الأناجيل

من المعروف أن أول إنجيل دُوِّن كان في عام 70 ميلاديًا، وهو إنجيل مرقص. ومن تاريخ تدوينه نلحظ فارقًا زمنيًا بينه وبين ممات المسيح بنحو أربعين سنة. وكانت الحاجة للتسجيل وقتها قد ظهرت حتى لا تُغفل مسيرة مؤسس الديانة، خاصة وأن كثيرين من أفراد جيله بدؤوا يموتون أو يتنقّلون.

وتحتمت آلية التدوين من كون يسوع نفسه لم يُسجِّل بيده أي مخطوطات، فكل عظاته التي ألقاها على الأنهار وفوق الجبال وأثناء قيامه بالمعجزات، جرى تناقلها شفهيًا من فريق لآخر داخل دائرة حوارييه والأجيال التابعة لهم، لتولد من هذه المعضلة الأناجيل الأربعة (متى، مرقص، لوقا، يوحنا) واحدًا تلو الآخر وجميعها كُتبت باليونانية القديمة، لُغة الثقافة وقتها.

لكنْ عددًا من الباحثين في “العهد الجديد” غربلوا النسخ الإنجيلية وأخرجوا بعض الاختلافات التي تعكس تضاربًا لبعض المعلومات. وتتفاوت تلك الهنات التحريرية بين النصوص الأربعة، فنجدها حاضرة في أعداد وأسماء وطبيعة بعض الوقائع الحسّاسة. نرفق بعضها كما ذكرها الباحث الميثولوجي فراس السواح في كتابه “ألغاز الإنجيل”:

1-حجر قبر المسيح الذي يكون قد دُحرج عند وصول المريمات أو لم يُدحرج بعد.

2-إذا كان الرجل الذي وجدنه المريمات عند القبر ملاكًا حقًا أم مجرد شاب.

3-أحيانًا تتعرف المجدلية على يسوع وأحيانًا لا تُميّزه وتظنه البستاني.

4-عدد وهوية النسوة اللواتي زرن قبر المسيح.

5-عدد ظهورات يسوع بعد قيامته.

6-مسألة صعود المسيح للسماء.

الإنجيل كمرجع عِلمي

فطرة المؤمنين تُملي عليهم أن ينظروا إلى الكتاب المقدس كمرجع شموليّ، كل ما ورد فيه يُسلّم به حتى لو كان خارج نطاق الإيمانيات، هذا يُفسر لهاثهم حول إثبات تلك الواقعة الإنجيلية يوم أمر “يشوع” الشمس أن تثبت في السماء “فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل”.

وكدأب الإسلاميين على إثبات واقعة انشقاق القمر، حاول مسيحيو العصر الحديث الاستشهاد على صحة واقعة “شمس يشوع” من مخطوطات سجّلها المصريون القدماء ومخطوطات أخرى تخصّ الصينيين في عصر الإمبراطور “يو”، حسب زعمهم.

ناهيك عن أن الواقعة أصلًا تشي بمعلومات كاتب السفر القاصرة عن دوران الشمس حول الأرض، والتي دحضها “كوبرنيكوس” بعد ذلك وهوجمت أفكاره من قِبل الكنيسة.

لذلك، يُنادي التيار التجديدي بأهمية عدم إقحام الكتاب المقدس في أية مناورات عِلمية. ويبرهنون على نظريتهم بأدلة أخرجوها من سفر ملوك الأول حيث نقرأ

“وَعَمِلَ الْبَحْرَ مَسْبُوكًا. عَشَرَ أَذْرُعٍ مِنْ شَفَتِهِ إِلَى شَفَتِهِ، وَكَانَ مُدَوَّرًا مُسْتَدِيرًا. ارْتِفَاعُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَخَيْطٌ ثَلاَثُونَ ذِرَاعًا يُحِيطُ بِهِ بِدَائِرِهِ”.

ووفقًا لهذه المعادلة نجد أن الإنجيل أقرّ “الثابت” الرياضي باي هنا بقيمة 3 ، لكن في عام 1988 بدأت “جوجل” الاحتفال بالثابت “باي” حيث تم حسابه بدقة 3.1415926 واستمر الاحتفال بشكل سنوي من وقتها وتحدد له يوم 14 مارس.

أيضًا، في إنجيل متى الإصحاح 13، نقرأ أن حبّة الخردل هي أصغر جميع البذور، وحسب اتجاه المؤمنين المُجددين فهُم يرون أن العلم اختار بذرة الأوركيد كأصغر بذرة.   

والحقيقة أن الاتجاه التنويري لا يهدف للتنقيب عن ثغرات إنجيلية، وإنما يريد وضع الكتاب المقدس في مكانته ووظيفته الصحيحتين، إذ غير معقول أن نصًا كُتب لِما بعد الحياة، أن يُحاسب بالعِلم وما توصل إليه كل يوم من تحديثات في الأرقام والمفاهيم. 

وللغرابة أن الاتجاه التحرري المغضوب عليه هدفه دحض ادعاءات الإلحاديين والإسلاميين الذين ينتهزون الأخطاء العلمية لنسف النص الإنجيلي برمته، لكن يبدو أن محاولاتهم أُخِذت على منحى مؤامراتي.

في ذكرى معروف الرصافي.. هل حان الوقت لمراجعة قرار منع كتابه الشخصية المحمدية؟ | مارك أمجد

وقائع خارقة

أول قاعدة مُضمَرة بين الإنجيل وقُرائه هي أهمية الاستغناء عن العقل المادي الذي يحسب الأمور وفقًا لما يراه وما عرفه بالبديهة أو درسه من علوم “طوبى للذين آمنوا ولم يروا”.

فإذا شرّحنا الكتاب المقدس سنجد أنه ينقسم لعهد قديم وعهد جديد، والأول من افتتاحيته يرسم لك عالمًا يصفه “جاري جرينبرج” في كتابه “101 أسطورة توراتية” بأنه أقرب ما يكون لحواديت فلكلورية، إذ نجد جنّةً أشبه بحديقة وحيّة تتكلم قادرة على الإقناع وإلهًا يتجسّد في صورة عمود من نار، وغيرها من وقائع لو سُردت علينا خارج نطاق الإنجيل لاعتبرناها قصصًا هوليوودية. 

وفي هذا الصدد ينبغي التنويه أن نظرية “رمزية سفر التكوين” بدأ يتبنّاها بعض القامات داخل الكنيسة الأرثوذكسية مثل الأنبا أنجيلوس أسقف شبرا الشمالية وتصريحاته المُماثلة التي أحدثت ضجة في 2018.

أما العهد الجديد فيبدأ بقصة لا تقلّ غرائبية: امرأة تلد طفلًا دون أن تعرف رجلًا! فهل يمكننا بعد بداية كهذه أن نضع الإنجيل تحت عدسة العقل ونقيس كل شيء وفق قوانين المادة والطبيعة، كأن يمشي يسوع على المياه ويحوّل الماء لخمر ويقوم من قبره بعد موته ويصعد للسماء كشخصية أدبية في رواية ماركيزية؟

خلفية المُدوّنين

بالنسبة لأي مسيحي محافظ، تتعارض قُدسية النص عنده مع وجود انطباعات شخصية لكَتَبة الأناجيل، فهُم في رأيه مسوقون بروح الله، مُنزّهون عن أي تأثرات وآراء شخصية، لا يُحرّكهم سوى الوحي، حتى لو كانوا بشرًا لهم مشاعرهم وخلفياتهم الشخصية، بل الأيديولوجية التي قد تصل بهم حد التأثير على ما يحفرونه في أساسات الدين الجديد. 

ولعل أعظم مثال على هذه الحالة هو بولس الرسول، المؤسس الثاني للمسيحية بعد يسوع. بولس في بدايته كان يهوديًا مُتشددًا طارد المسيحيين في المراحل الأولى للكنيسة واصطادهم كما اصطاد النازيون اليهود في القرن العشرين، ثم لأسباب غير عقلانية يترك بولس اليهودية ويعتنق المسيحية ويصبح عمودًا من أعمدتها وينتقل للجانب الجديد بنفس عصبيته، وتصير رسائله التي كتبها في “ظروف معينة” جزءًا لا يتجزأ من تكوين اللوائح الإنجيلية المستديمة.

لكنْ إذا محّصنا هذه الرسائل “البولسية” سنجدها لا تزال مُشبّعة بنبرة وروح التوراة، الأمر الذي أجبر المسيحية، بسبب حمية عرقية لشخص ما في زمن ما، أن تتحول لامتداد يهودي بدلًا من أن تصير منهجية مُنطلِقة خاصة بذاتها مُخلِصة لعهدها الجديد.

نقرأ مثلًا في رسالته الأولى إلى تيموثاوس أنه يرفض أي مكانة قيادية أو وعظية للمرأة. نسأله عن منطقه ربما يكون أمرًا ربّانيًا أو فسيولوجيًا، فنجد السبب من وِجهة نظره أن آدم حسب الرواية التوراتية خُلق أولًا، وأن من تسبب في الغواية وسقوط البشرية بأسرها، هو حواء.

المسألة إذًا مجرد ثأر قديم، والضريبة نصّ تُقدّسه البشرية.

بين مسيحية تأمل التحرر من الناموس ومسيحية مُقيدة بالحروف، ينقسم المجتمع الكنسي اليوم ليمين ويسار وحُماة ومهرطقين، ويتخبّط الإنجيل غير مُستقرّ في خانة تعريفية إن كان كتابًا حياتيًا أم علميًا أم رمزيًا، والمفارقة أنه في زمن آخر كان هناك شخصٌ يُدعى يسوع قام مذهبه على ثورة فكرية كبيرة ضد اليهود وضد منهج “الحرفيّة” في تطبيق الشريعة، ومن بعده صار كل ثائر داخل الكنيسة، مصيره الصلْب.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك