معجزات الأديان والأجناس (2) | النبي إبراهيم.. معجزة الأديان مجتمعة | مارك أمجد

معجزات الأديان والأجناس (2) | النبي إبراهيم.. معجزة الأديان مجتمعة | مارك أمجد

4 Apr 2020
مارك أمجد دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

مستحيل أن تتفق اليهودية والمسيحية والإسلام حول معجزة بعينها تقر ثلاثتها بشرعيتها معًا؛ كون اعتراف ديانة بظاهرة إعجازية عند الأخرى يعني ببساطة بطلان الديانة الأولى. المعجزة تحققت مع نبي جد محظوظ كونه نال ذات المكانة المقدسة عند الثلاث طوائف، هو النبي إبراهيم أبو الآباء.

اتفقت كل المذاهب حول فكرة أن النبي إبراهيم شخص نحّى جميع الأصوات التي تلهي الإنسان جانبًا، واتجه للصحراء حتى صار على اتصال قوي بالإله الواحد، ربما بشكل أكبر حتى من النبي موسى كليم الله، وذلك قبل أزمنة سحيقة من معرفة الإنسان بالتوحيد بمعناه العقائدي الحالي.

ثبتت نبرة الاحترام للنبي إبراهيم رجل الله عند الجميع؛ فاليهود منسوبون إليه، والمسيحية اعتبرت حياة المسيح امتدادًا له، والمسلمون اعتبروه مسلمًا حتى ولو عاش ومات قبل ظهور الإسلام.


الإيمان والدين.. أيهما الطريق إلى الآخر؟


سبب الخلق

لولاك ما كنت قد خلقت الشمس ومدارها. لولاك ما كنت قد خلقت القمر

هكذا يقول الرب في واحد من المدراش (التفسير اليهودي التقليدي للتوراة). وهناك اعتقاد أن النبي إبراهيم سيجلس عند المدخل المؤدي إلى الجحيم، ويسمح لكل إسرائيلي غير مختتن بالذهاب إلى هناك.

ومنح اليهود الربانيون النبي إبراهيم القداسة، واعتبروه أول يهودي عرفته الخليقة. واعتمدوا في تكريمه لهذه الدرجة على آية من سفر التكوين تقول على لسان الله:

من أجل أن إبراهيم سمع لقولي وحفظ أوامري وفرائضي وشرائعي

تجدر الإشارة هنا إلى أنه رغم زخم التوراة بشخصيات قيادية مُلهمة، اختار اليهود دونها جميعًا النبي إبراهيم كي يكون رمز عزتهم ومجدهم. فإذا نظرنا جيدًا، سنجد أن النبي موسى هو من أنقذهم من عبوديتهم وخرج بهم من مصر للبرية، وهو من شق البحر الأحمر وصعد الجبل وخاطب الله ونزل لهم بلوحيْ الشريعة، إلا أنهم مالوا بالأكثر لاعتبارالنبي  إبراهيم الرجل الذي اختاره الله وكلّفه كي يتمم مشيئته.

وجه يسوع الآخر

بادئ ذي بدء، ترى المسيحية أن المسيح وإبراهيم فَعلا نفس الشيء حينما طُلب منهما من قِبل الله، المسيح أمره الآب بالصلب وإبراهيم أمره آدوناي أن يأخذ ابنه إسحق ويقدمه محرقة له.

وكحركة شبيهة لما فعله اليهود من حيث تقديس النبي إبراهيم، جعله المسيحيون يرمز لله الذي قدم ابنه الوحيد، فداء وكفارة عن خطايا العالم وخطية آدم في الأساس.

ثم نجد بولس الرسول في رسائله يشير لإبراهيم بشكل مبالغ، ففي رسائله الأربعة عشر يذكره تسع عشرة مرة.

ويذهب بولس في تأملاته لاعتبار النبي إبراهيم أكبر مثال لفكرة الإيمان غير المشروط الذي تقوم عليه المسيحية. ولعل ذلك النبي بالذات هو خير تصوير لنداء الله للإنسان غير المتكبر، الذي ليس من الشرط أن يكون خالٍ من أي نقائص كي يحدّثه الرب ويتخذه خليلًا له.

بعض المفكرين المسيحيين الغربيين اعترضوا على كون النبي إبراهيم يهوديًا أصلًا واعتبروه مسيحيًا خالصًا، بل واعتقدوا أن الصوت الذي نادى النبي إبراهيم لم يكن سوى صوت المسيح، وبالتالي المسيحيون هم الذين سيرثون الأرض المقدسة وهم الأُمّة التي وعد الله بها إبراهيم حينما قال له:

وأجعل نسلك كتراب الأرض وأكثره تكثيرًا كنجوم السماء وكالرمل على شاطئ البحر


المسيح خارج الأناجيل: كيف تخيل الروائيون شخص يسوع الإنساني؟ | مارك أمجد

معجزات الأديان والأجناس (1) | جورج طرابيشي: لماذا اختلفت معجزة النبي محمد؟ | مارك أمجد


حنيفًا مسلمًا

إذا رجعنا لقاموس اللغة العربية وبحثنا عن معنى كلمة “حنيف” سنجده كالآتي: من كان على دين إبراهيم أيام الجاهلية في الحج والختان واعتزال الأصنام.

ومن بين الأنبياء الخمسة والعشرين هناك سبعة عشر ينتمون لعائلته. لم يختره الله فقط بل اختبره أيضًا، فقد كان لديه مشكلات مع الملك عابد الأوثان وزوجته.

وفي سورة البقرة يطلب النبي إبراهيم من الله دليلًا على قدرته على إحياء الموتى. يسأله الله: ﴿أولم تؤمن﴾ يرد: ﴿بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ فيطلب الله من إبراهيم أن يأخذ أربعة من الطير ويقطعهم إلى أجزاء ويبعثر تلك الأجزاء فوق الجبال، ثم يطلب من إبراهيم أن يستدعيهم: ﴿يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم.

كذلك يُذكر اسم النبي إبراهيم في خمس وعشرين سورة من سور القرآن المائة وأربع عشرة، ناهيك عن سورة سُميت خصيصًا على اسمه. ونقرأ في سورة الممتحنة:

قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده

لكن: كيف يستأثر الإسلام لنفسه بالحنيفية الإبراهيمية ربما أكثر من المسيحية واليهودية نفسهما؟ بكلمات أخرى كيف نعتبر أبو الآباء مسلمًا في حين أن النبي محمد أتى بعد ألفين وخمسمئة عام من حياة النبي إبراهيم، كما ظهر الإسلام بعد ستة قرون من المسيحية وعلى الأقل بعد ألف سنة من اليهودية؟

الإسلام بمعنى معرفة النبي محمد وتلاوة الشهادتين لم يتحقق قطعًا في حالة النبي إبراهيم، لكن المقصود من الإسلام هنا التسليم والخضوع؛ إذ سلم النبي إبراهيم حياته كلها لله وخضع له تمام الخضوع، والإسلام في أصله ما هو إلا حركة إصلاح في سبيل التوحيد، وإبراهيم منذ كان طفلًا صغيرًا في بابل كان حنيفًا.


* المقال مستوحى من كتاب “الخليل إبراهيم” تأليف بروس فيلر، وترجمة نشأت باخوم ومراجعة وتقديم أحمد هويدي، صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 2016 عن المركز القومي للترجمة في 238 صفحة.


في ذكرى معروف الرصافي.. هل حان الوقت لمراجعة قرار منع كتابه الشخصية المحمدية؟ | مارك أمجد

الفتنة الطائفية.. أطروحة فيلون عن تحدى الدولة حلت الإشكالية قبل ألفي عام | مينا منير


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك