نظرية التطور.. مفهومها وآراء عنها وموقف المجتمع العلمي منها

نظرية التطور.. مفهومها وآراء عنها وموقف المجتمع العلمي منها

15 Dec 2021
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

نالت نظرية التطور شهرة واسعة بالغرب خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بعد أن حاولت فهم النظام السببي المتبع في عالم البيولوجيا، ويعد العالم الإنجليزي “تشارلز داروين” صاحب أبرز اسهام في تلك النظرية بعد تأليفه كتاب “أصل الأنواع” المنشور عام 1859، مما جعل اسمه مرتبط باسم تلك النظرية، ولكن على الرغم من شهرتها الواسعة، إلا أن الكثيرين يجهلون مفهومها، فما المقصود بنظرية التطور؟

مفهوم نظرية التطور

تنص نظرية التطور على أن كافة الكائنات الحية الموجودة في الأرض لها أصل مشترك من خلية حية واحدة حدثت نشأتها قبل حوالي أربعة مليار عام، وظلت تلك الخلية تنقسم وتتكاثر باستمرار ثم تتخصص لكي تتحول من كائن ذو خلية واحدة إلى عدة كائنات أخرى متعددة الخلايا وأكثر تعقيدًا.

ظلت تلك الخلية في تطور مستمر عبر مئات الملايين من السنين، وأعادت إنتاج نفسها وتمكنت من إنتاج أنواع عديدة من الكائنات الحية ذات الصفات والمظاهر المختلفة، واستمرت عملية التكاثر مع الزمن، وأصبح كل جيل يرث الصفات الوراثية من الأجيال السابقة، بينما ظهرت بعض الطفرات الجينية التي كانت سببًا في إنتاج صفات جديدة سواء سلبية أو إيجابية.

وقد كان اسهام داروين في النظرية هو شرحه لما يسمى بـ “آلية الانتقاء الطبيعي” وهي التي تتحكم في الإبقاء على الصفات الإيجابية التي انتجتها الطفرات وتصفية الصفات السلبية، فالكائن الذي تم انتاجه بصفات ايجابية يصبح أكثر قدرة على النجاة من الافتراس واستكمال حياته والقيام بالتكاثر، أما الكائن الذي نال صفات سلبية لا ينجو من الافتراس وينقرض.

نماذج على آلية التطور الطبيعي

الزرافات طويلة الرقبة وقصيرة الرقبة

نالت الزرافات طويلة الرقبة فرصة أفضل للحصول على طعامها نظرًا لأنها تكون قادرة على الوصول للأشجار العالية، أما الزرافات قصيرة الرقبة فقد واجهت صعوبة في ذلك مما جعلها عرضة أكثر للموت، ولهذا أصبحت الزرافات طويلة الرقبة هي القادرة على العيش، وانقرضت الأخرى.

وهناك تفسيرات أخرى ترجّح اختفاء الزرافات قصيرة الرقبة لعدم قدرتها على الانتصار ضد الزرافات طويلة الرقبة في المعارك التي يكون غرضها التكاثر مع الإناث، حيث كانت تعتمد المعارك على لف الرقاب على بعضها البعض.

التماسيح والديناصورات

تواجدت التماسيح في الطبيعة قبل 240 عام أي أنها كانت معاصرة لأبناء عمومتها الديناصورات لوقت طويل قبل أن يتعرضوا للانقراض، ولكن استطاع التمساح أن ينجو بحياته في صراع البقاء، واستمر حتى وقتنا الحالي وخرج بأقل الخسائر، ولم يطرأ عليه الكثير من التغييرات بالمقارنة بسلف التمساح الذي عاش قبل 55 مليون عام.

وقد استطاع التمساح النجاة بفضل ما يتمتع به من حجم متوسط ظل لـ 200 مليون عام، وسيقان قصيرة، وهذا مكّنه من الاختباء من أي خطر محدق، كذلك طبيعته البرمائية جعلته ينتقل بين الماء والبر بسهولة ويهرب من المخاطر، كما يستطيع التمساح تناول أي شئ وبذلك كان يسهُل عليه النجاة في أصعب الظروف.

الطاووس صاحب الذيل متعدد الألوان والذيل الاعتيادي

لم يكن ذكر الطاووس ذو الذيل متعدد الألوان هو الشكل الوحيد الذي كان عليه الطاووس من قبل، بل كانت توجد ذكور أخرى تمتلك ذيولاً غير لافته الألوان، إلا أن هذه الذكور اختفت بالتدريج بعد أن أصبحت إناث الطاووس تفضل عليها ذكور الطاووس ذات الذيول متعددة الألوان إما لحملهم صفات أفضل أو لمجرد جاذبيتهم، وبذلك صارت فرصتهم في التزاوج والإنجاب أعلى، وأصبح نظائرهم من الذكور ذوي الألوان الاعتيادية نادرين.

موقف المجتمعات العلمية من نظرية التطور

تعد نظرية التطور من النظريات التي نالت قبول في الوسط العلمي، فهي بمثابة النموذج التفسيري الوحيد للعديد من الظواهر الطبيعية، وتوجد العديد من الأسباب التي تجعل المجتمع العلمي يؤيدها والتي من أهمها ما يلي:

1- تُظهر المقارنات التي تمت بين تشريح العديد من المخلوقات وجود جانب كبير من الشبه في التشريح بين تلك الأنواع، وذلك بالرغم من أنها تمتلك مظهر خارجي مختلف، بالإضافة إلى ان أسلوب استخدامها للأعضاء المتشابهة مختلف أيضًا.

2- أوضحت نظرية التطور أن الكائنات الحية قديمًا قبل بلايين السنين كانت وحيدة الخلايا، ثم صارت أعقد من ذلك، وبمقتضى هذا الأمر فإننا كلما وصلنا لطبقات أقدم من الأرض، فإننا سنعثر على حفريات لكائنات بسيطة وغير معقدة، وهذا ما حدث بالفعل بعد أن تم العثور على حيوانات معقدة بالطبقات الحديثة من الأرض، وأخرى غير معقدة بالطبقات الأكثر قدمًا وعمقًا.

3- استطاعت النظرية أن تتبأ بصفات الكائنات التي كان من المتوقع أن تتواجد خلال أزمنة محددة وتتسم بصفات تميزها عن الأخرى، وقد تحقق هذا الأمر بشكل يتوافق مع الشجرة التطورية للحيوانات.

4- قدّمت نظرية التطور تفسيرًا يوضح الأسباب التي أدت إلى تواجد أنواع معينة من الحيوانات في بعض القارات، واختفاءها من القارات الأخرى، وهو أن التنوع الذي يرتبط بالتوزيع الجغرافي يعني أن تلك الأنواع حدث لها تطور بعد أن انفصال قارات الأرض، مما جعل بعض الكائنات تتطور بشكل مستقل تمامًا عن سواها.

5- فسّرت النظرية الأسباب التي أدت إلى تواجد بعض الأجزاء في أجساد الكائنات الحية على شكلها الحالي، حيث أوضحت أنها عبارة عن تراكمات من التغيرات التي طرأت على الصورة الأولية وظلّت آثارها حتى صارت بالشكل الحالي.

آراء معارضة لنظرية التطور

بالرغم من وجود آراء مؤيدة لنظرية التطور، إلا أنه يوجد كذلك معارضين للنظرية، فمثلاً البعض في الولايات المتحدة أدّعوا أنها مجرد نظرية غير مثبتة ولا يمكن تدريسها، بينما على النطاق الديني اعترض عليها بعض العلماء المسلمين مثل الدكتور “مصطفى أبو سمك” ونفوا صحتها قائلين أن الإنسان لم يكن وجوده نتيجه للانتقاء الطبيعي، بل إن الله تعالى قد خلقه بشكل مستقل بنوعه وجنسه.

كذلك هناك بعض الآراء العلمية التي شككت في صحة النظرية، فمثلاً أدّعت عالمة الأحياء “لين مارغوليس” أن الطفرات التي من المفترض أنها تحدث تبعًا للنظرية من أجل حدوث التطور، هي بدلاً من ذلك تتسبب في إنتاج كائنات مصابة بعيوب خلقية، كما يرى عالم الأحياء “بروس ألبيرتس” أن الكيمياء الحيوية لا تدعم تلك النظرية نظرًا لتعقيد عمل خلايا جسم الإنسان، فليس من الممكن أن يسير هذا النظام المعقد بعمليات عشوائية غير موجهة.

وهناك رأى آخر يرى أنه لا توجد أحافير توضح لنا المرحلة الوسطى من التطور للكائنات الحية، وأن أغلب الأحافير الموجودة حاليًا تكشف لنا عن أنواع جديدة قد تطورت بصورة مفاجئة ولا يوجد بينها وبين أسلافها اتصال من خلال أحافير توضح تلك المرحلة الانتقالية بين النوعين.

هل نظرية التطور غير قابلة للتغيير؟

بالطبع لا يمكن أن نقول أن نظرية التطور هي شئ غير قابل للنقد أو التغيير؛ لأن هذا شئ يناقض مفهوم العلم نفسه القائم على الشك والتجدد المستمر، ولهذا لا تخلو النظرية من بعض القصور، ويجتهد العلماء في مواجهة التحديات التي تطرأ عليهم باستمرار، ولكن إذا ظهرت نظرية أخرى تقدّم تفسيرًا مؤيدًا بأدلة أقوى وأكثر قبولاً، فإنها سوف تحل محل النظرية التي تسبقها.

وفي النهاية يجب إدراك أنه لا توجد يقينيات في العلم المادي، فهو قائم على الدلائل التجريبية، وقابل دائمًا للتغيير في ضوء الاكتشافات الحديثة التي تحدث بشكل دائم، والنظريات ما هي إلا اجتهاد بشري لتفسير الحقائق في العالم من حولنا، مستخدمين في ذلك أدلة علمية تثقل صحتها، وذلك كله في محاولة للارتقاء بالبشرية وتحقيق الأفضل لها.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك