نور القمر | هكذا سلم نجيب محفوظ السلطة فى الأدب والدراما (1-2) | عمرو عبد الرازق

نور القمر | هكذا سلم نجيب محفوظ السلطة فى الأدب والدراما (1-2) | عمرو عبد الرازق

17 Sep 2020
عمرو عبد الرازق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

 فى شهر رحيله، نضع أيدينا على قصة قصيرة ضمن مجموعة “الحب فوق هضبة الهرم” للأديب نجيب محفوظ الصادرة في 1979، وهي أقصوصة نور القمر. ينساب خلالها محفوظ في استعراض سيرة ذاتية مكثفة للغاية، لشخص على هامش الحياة الاجتماعية في مصر، تقابله امرأة حسناء، فتنقلب حياته رأسًا، ويخوض مغامرة يتقلب معها بين طبقات لا ينتمي إليها وينتهي به الحال بالعمل بالمجال السياسي!

نستغرق معه في حياة تلك السيدة الغامضة صاحبة الروايات المتعددة حول أصلها ونشأتها، وتقلب حالها وقسوة حياتها، وهؤلاء المتحكمين في حياتها المقيدين لحريتها.

الاختيار بين مصر الوطن ومصر الولاية .. الدراما المصرية و الإرشاد | محمد زكي الشيمي

لا سبيل إلى نور القمر

في نور القمر يرسم نجيب محفوظ شخصية أنور عزمي، ضابط جيش متقاعد، خمسيني، أعزب، يعيش بمفرده، لم يكن حين التحق بالمدرسة الحربية على يقين من مستقبله، غير أنه اكتسب الروح العسكرية من خلال الدراسة ثم العمل، كما اكتسب الروح الوطنية من خلال مشاركته بثورة 1919 وإصابته بأحداثها، حتى كاد يفقد مستقبله المهني ويُرفد من المدرسة الحربية..

يؤنس وحدته بالقراءة وتنمية المعارف والثقافة ومراقبة النساء.

حتى قادته قدماه ذات ليلة إلى كازينو “الواق الواق” بروض الفرج، ليحضر عرضًا للمغنية الغامضة الحسناء نور القمر فيتعلق قلبه بها.

هذه المغنية، التي عشقها على كبر سنه ونضجه العقلي والفكري، بعد أن سلبت لبه بطلّتها، تظهر في ليالي الصيف ثم تختفي بانتهاء الموسم، عبر قوى عليا متحكمة تخفيها عن الأنظار فلا يعرف لها أحد طريقًا!

تختفي نور القمر بعد انتهاء وصلتها الغنائية، فلا سبيل للوصول إليها مثلما يحدث مع راقصات الملهى، ولا تقابل معجبيها ولا يبلغها راغب، ويمنع على الجميع التواصل معها.

يستولي الحب على كيان أنور عزمي، وتبدأ أولى المحاولات التي لا تليق بسنه ولا مقامه فى الاقتراب من نور القمر. غير أن المنع الصارم كان حظه من إدارة الكازينو وفتوة الصالة “سنجة الترام” المنوط به وضع سياج المنع حولها..

يخبره الجرسون: يعشقها الجميع لكن لا سبيل للوصل إليها!

معركة الشحاذ.. ماذا خسرنا بتنحية الفن انتصارًا لأبناء شكري مصطفى؟ | عمرو عبد الرازق

رمزية الوطن المستلب

تبدأ ملامح رمزية تظهر شيئًا فشيئًا، نحو كيان أكبر من كونه امرأة، وأقرب إلى فكرة الوطن المستلب! يستحوذ الحب على أنور تمامًا، ويبدأ في التقرب من جرسون الكازينو، الذي يخبره أن الوصول لملكة مصر أيسر من الوصول إلى نور القمر. ولا يستطيع أن يعرف منه أهي في حيازة مدير الكازينو “موسى القبلي” أم صاحب الكازينو “حفني داود”.. الأسماء لا يمكن تجاهل رمزياتها، نور في حيازة مرابين ومقامرين وعابثين بين موسى وداود.

يبدأ أنور في التودد للفتوة “سنجة الترام” والتردد عليه بغرزته الخاصة؛ أملًا في الاقتراب من نور القمر. يدخل أوساط المتعاطين والمساطيل، ويبتعد عن أصدقاء المقهى وعن القراءة.

وعن طريقه عرف طريق منزل مدير الكازينو “موسى القبلي” الذي يدير منزله فى أعمال البغاء. تخيل أنور أن نور القمر ربما تعمل تحت إمرته.. انتقل الضابط من مصاحبة بلطجي إلى منزل قواد سعيًا لإرضاء عاطفته المتوثبة، وهناك علم أن نور القمر في منزلة أعلى، فهي في حوزة “حفني داود” صاحب الكازينو، ولا علاقة لها بمنزل القواد!

يصفها “أنور” لموسى قائلا: “إنها تفرض ذاتها على وجداني، أقوى وأعز من الحياة نفسها، لا غنى عنها كما أنه لا غنى للحياة عن أشعة الشمس”.

تضبطه شرطة الآداب بمنزل موسى القواد، ويمر بفترة عصيبة لا تنهاه عن الاستمرار في بحثه عن نور القمر. ويبدأ في التقرب من صاحب الكازينو، ويتقدم لشغل وظيفة مدير الكازينو خلفًا لموسى القبلى المحبوس. ويتحول ضابط المعاش لمدير كازينو مغمور، لعل وعسى ينال مسعاه!

ظل أنور بموقع عمله الجديد يحوم حول محبوبته دون أن يراها أو يتواصل معها. لا يمكن أن تنال أنفاسها إلا بمراقبة حفني داود، لم يدرك أنور طبيعة العلاقة التي تجمع نور القمر بحفني؛ فهي ليست زوجته، وليست ابنته، وليست عشيقته، وهو مجرد عجوز قبيح ثري شديد الغموض والتحكم!

يوضع أنور في اختبار جديد يهوى به درجة في سلم وقاره. يخيره “حفني داود” بين أن ينتهي عمله كمدير للكازينو، أو أن ينقل له شحنات مخدارت أسبوعيًا، وتزداد مأساة أنور في سعيه نحو هدفه!

تنتهي مغامرة أنور بمرض “حفني” مرض الموت وهروب نور القمر من منزله استغلالًا لهزاله، ويخبره حفنى قبل وفاته بعلاقته بنور القمر، كونها ابنة زوجته الراحلة، يكاد يكون ورثها منها، وأنه شعر تجاهها بعاطفة خاصة أثمرت عن هذا الامتلاك والسيطرة، وصارت في حوزته حتى تاريخه، لا تنال حريتها ولا يقترب منها أحد!

الوجودية المسيحية بين بولس ونجيب محفوظ: قراءة في رواية “الطريق” | مينا منير

رمزية أكثر صراحة في الدراما

في 2002، يلتقط السيناريست بسيوني عثمان قصة نور القمر من نجيب محفوظ ويحولها لعمل تليفزيوني مع المخرج سامي محمد علي. بطولة عزت العلايلي، وأحمد خليل، وسميحة توفيق، وزيزي البداروي، وفتحي عبد الوهاب، وسيد عبد الكريم، وسعد أردش، ويسري مصطفى، ونهال عنبر، والوجه الجديد  حينها “فرح” في دور نور القمر. وأضاف بعض الشخصيات لاستكمال المشهد الدرامي، وصناعة أحداث تلائم فترة الأربعينيات سياسيًا واجتماعيًا.

شخصية نور القمر – محل الحيرة والبحث – تظهر كرمز لمصر وحالها، في إطار من النضال السياسي ضد الإنجليز. ويمد السيناريست خط الرمزية ويبالغ فيه، ويظهر شخصية نور القمر في بدء المسلسل تحت اسم “أمل” التي تعرض نفسها للخطر لإنقاذ “أنور” من تهمة سياسية، فيقتلها أبوها على أثرها في جريمة شرف.

بعدها يقابلها “أنور” في الكازينو تحت اسم نور القمر ويبدأ رحلة الاستعلام عنها، فتارة يُحكي عنها أنها “بهية” الريفية التي قُتل أبوها على يد أحد باشوات القرية، فأخذت بثأر أبيها وهربت، أو “حميدة” ابنة الحارة صاحبة الطموح، ورواية أخرى بشأن “حورية” الفتاة السكندرية التي ابتلع البحر حبيبها وفقدت معه عقلها. لتوجد منها نسخة من كل إقليم مصري.

في الرواية ينتهي الأمر بأنور بالزواج من امرأة مطلقة، بحثًا عن استقرار النفس، ويلجأ لممارسة السياسة عبر حزب الوفد، ورسخ أقدامه بها وتصعد في العمل السياسي، حتى قابل نور القمر مصادفة في رحلة بلبنان، وقد اشتهر أمرها كمطربة صاعدة بعد اختفائها لفترة.

وفي الدراما قابلها في موقف مشابه، بعد أن دعته وزارة الإرشاد القومي بعد قيام ثورة يوليو،  لحفل تحييه المطربة نور القمر. وهناك قابل ضابطًا شابًا زامله بالجيش سابقًا، وقد صار ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة الوليدة، وعرفه خلال الحفل بخطبته للمطربة نور القمر في إشارة لثورة يوليو 52 واستقرار مصر تحت حماية وإدارة الجيش، لينتهي العمل بإشارة سلام من أنور وتحية من الضابط لأنور، أن تم تسليم الأمانة إلى عهد جديد.

مسلسل نور القمر نجيب محفوظ

الفارق بالطبع بين رمزية نجيب محفوظ المختفية في ثنايا روايته، والتي تحتاج لجهد خاص لاستخلاصها، وبين رمزية بسيوني الأكثر صراحة في السيناريو كبير، لكن العملين موجهان لجمهور مختلف، والعمل التليفزيوني كان محاولة معقولة للغاية بمقاييس وقتها لإدخال قصة نجيب محفوظ إلى داخل البيت المصري.

مراسلات السلام | ساسون سوميخ.. الإسرائيلي الذي صنع عالمية نجيب محفوظ | مينا منير

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك