باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
ورد في التاريخ اليهودي أن النبي موسى ترك بني إسرائيل في البرية بعد عبورهم البحر بثلاثة أشهر، قرب جبل الطور، حيث صعده استجابة لمواعدة ربه، بعدما استخلف أخاه هارون.
قضى النبي موسى فوق الجبل أربعين ليلة. وفي الليلة الأخيرة، منحه الرب الألواح، وفيها الوصايا الإلهية لبني إسرائيل، فنزل من الجبل عائدًا لقومه.
حتى هذه النقطة، تتفق الروايتان الإسلامية واليهودية حول تفاصيل القصة، باستثناء اختلافات طفيفة.
ألغاز تراثية.. كيف أثرت الثقافات المختلفة على تحديد تاريخ ميلاد الرسول
ألغاز تراثية (2): أثر الصراع العباسي العلوي في صياغة فقه المواريث
تذكر كتب المدارش وشروح التلمود (جمعها الحاخام لويس غينزبرغ في القرن الـ 19 في موسوعة Legands of the Jews) تفصيلة إضافية عن صعود موسى في عامود من السحاب إلى السماء السابعة، حيث لاقى الرب بعد رحلة طويلة عجيبة تتشابه في كثير من تفاصيلها مع رحلة الإسراء والمعراج التي صعد فيها النبي محمد إلى السماء في الرواية الإسلامية، بحسب الحديث الوارد في صحيح البخاري.
عرج النبي موسى في رحلته بين السموات، ولاقى في كل سماء ملكًا من كبار الملائكة، كما اطلع على الجنة والنار.
وفي الليلة الأربعين، أهدى الرب النبي موسى التوراة، وسط مراسيم احتفالية، ينزل بعدها لقومه فيجدهم ضلوا بعبادة العجل الذهبي.
بحسب التاريخ اليهودي، أُنزلت التوراة على النبي موسى في اليوم السادس من شهر سيوان (الشهر التاسع العبري). واتخذ اليهود هذا اليوم عيدًا يسمى عيد شفوعوت.
تاريخ معراج النبي محمد ليس يقينيًا رغم استقرار المسلمين على الاحتفال بذكراه ليلة 27 رجب؛ إذ يختلف المؤرخون المسلمون بشأن تحديد تاريخ المعراج.
يذهب مؤرخون إلى أن المعراج حدث في رمضان قبل الهجرة بـ 18 شهرًا. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى:
أخبرنا محمد بن عمر، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وغيره من رجاله، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرًا، أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله. فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج.
وذكر ابن الجوزي الإسراء والمعراج في حوادث سنة اثنتي عشرة من النبوة:
قال الواقدي: كان المسرى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثانية عشرة من النبوة، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا
روى البيهقي في دلائل النبوة من طريق موسى بن عقبة، عن الزهري أنه قال:
أُسَرِي بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عروة بن الزبير. وَعَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ يَكُونُ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ
وقال أبو إسحاق الحربي: فلما كانت ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى همام عن قتادة قال: كانوا يصلون إلى بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا. وهكذا قال في الإسراء: إنه كان قبل الهجرة بسنة. وهو قول موسى بن عقبة. قال أبو عمر – أي ابن عبد البر -: هكذا قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة.
وقال القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: وذهب الأكثرون إلى أنه كان في ربيع الأول قبل الهجرة بسنة.. وقال ابن الجوزي: فمن قال: لِسَنة. فيكون ذلك في ربيع الأول.
أقوال أخرى ذهبت بتاريخ المعراج إلى شوال وذي القعدة وذي الحجة، وأضعف الأقوال من حيث السند هو رجب؛ حيث تأتي الرواية متأخرة.
أما الرواية الأقدم فكانت رواية رمضان، التي ذكرها الواقدي (ت 207 هجرية)، ونقلها تلميذه ابن سعد (ت 230 هجرية) في طبقاته.
نقطة ضعف رواية الواقدي شأن أغلب مرويات ما قبل الهجرة هو عدم اعتبار شهور النسيء، غير أن الثابت من روايته أن المعراج حدث قبل الهجرة بـ 18 شهرًا.
التضاربات الثمانية.. متى ولد النبي محمد؟
ابن لهيعة.. مفصل الخلاف في صحة “خير أجناد الأرض” | هاني عمارة | دقائق.نت
في مقالنا السابق عن لغز يوم عاشوراء، حققنا أنه كان في 10 محرم قبل إلغاء النسيء؛ حيث كان يوافق 10 تشري (الشهر الأول في التقويم اليهودي)، قبل افتراق التقويمين بإلغاء شهر النسيء.
تايم لاين في دقائق: اليهود وبنو هاشم.. المحاكاة التاريخية من كيبور إلى عاشوراء
عاشوراء السني.. ولغز انتصار موسى على فرعون
ومن هنا، لو أخذنا رواية الواقدي بالعد التنازلي للـ 18 شهرًا،
وحيث أن التقويم الميلادي لتاريخ الهجرة هو 24 سبتمبر 622م، يكون التاريخ المتوقع للإسراء والمعراج بحدود 24 مارس 621م.
وبملاحظة حركة القمر على موقع منازل القمر، نجد أن بداية تكوين الهلال في هذا التاريخ كانت في ليلة الثلاثاء 30 مارس (يمكنك مراجعته من هنا)، بما يعني أن يوم تمام الشهر العربي كان الاثنين 29 مارس.
وبالعودة لرواية الواقدي، التي قال فيها إن المعراج حدث يوم سبت، نجد أن ليلة السبت وافقت 27 مارس 621م، وكذلك ليلة 27 من شهر رجب العربي، بفرض أن التمام كان يوم 29 رجب.
هل تأثر النبي بالمسيحية النسطورية؟
نعود للتاريخ اليهودي، حيث ذكرنا أن نزول التوراة في الليلة الأربعين وافق يوم 6 سيوان (الشهر التاسع العبري)، وهو ما يقابل شهر رمضان في التقويم الهجري.
المدهش هنا أن الرواية الإسلامية تؤكد هذا التاريخ. تقول روايات الطبري ومسند أحمد ومصنف ابن أبي شيبة إن نزول التوراة كان في اليوم السادس من رمضان، وهي نهاية اليوم الأربعين.
وإذا كان 6 رمضان هو اليوم الأربعين لرحلة النبي موسى، يكون معراجه إلى السماء قد بدأ قبلها بأربعين يومًا، وهو نفسه تاريخ 27 رجب.
تشابه التاريخين حسابيًا يثير الكثير من الأسئلة، لكن الثابت منها أن اختيار يوم 27 رجب لم يكن عشوائيًا، وأن حساباته الدقيقة استعانت بالتاريخ والمؤرخين اليهود.
في ذكرى معروف الرصافي.. هل حان الوقت لمراجعة قرار منع كتابه الشخصية المحمدية؟ | مارك أمجد