في كتابه "عامر وبرلنتي" يحكي المؤرخ عبد الله إمام، أن عبد المنعم أبو زيد كان رجل المشير المخلص بدرجة لم تكتف بعلاقتهما العملية، فكان يرعى شؤون منزله وكل أموره الخاصة.
قبل يوليو 1952، كان عبدالمنعم صولًا في سلاح المدفعية، وكان محل إعجاب زملائه بسبب كفاءته في عمله وإلمامه ببعض الأمور السياسية.
بعد نجاح حركة الضباط، طلبه جمال سالم وعبد الحكيم عامر للعمل معهما، فاختار عامر.
ومن وقتها التصق به، وكان لا يفارقه تقريبًا طيلة اليوم، حتى أطلقوا عليه في الجيش لقب "ظل المشير".
يقول الصحفي حافظ عثمان في كتابه "في بعث الأمة المصرية": كان على رأس مكتب المشير عامر ضابط "تحت السلاح"، يحمل رتبة مقدم وهو عبد المنعم أبو زيد.
ويُقصد هنا بمصطلح "ضابط تحت السلاح"، الضباط الذين لم يتخرجوا من الكلية الحربية، وإنما تطوعوا في الجيش وحملوا رتبة متواضعة "شاويش" لفترات طويلة، لا تتغيّر إلا بقرارات استثنائية.
استطاع أبو زيد أن يصل إلى قلب ورغبات عامر، حتى نال ترقيات متتالية أوصلته إلى أكبر مكانة ممكنة لشاويش متطوع أن يحصل عليها وهي رتبة نقيب.
لم يكتفِ عامر بذلك لدعم ذراعه الأيمن، فأمر بإحالته للمعاش ثم عيّنه في وزارة الإنتاج الحربي بدرجة مدير عام، على أن ينتدبه إلى مكتب المشير بعد ذلك.
في 1965، تعرف أبو زيد لأول مرة على الممثلة سهير فخري.
أُعجب بها رغم أنها كانت حينها متزوّجة من المخرج محمد كامل حسن. حاول عبد المنعم الضغط عليه لتطليق زوجته فرفض.
بعدها أُلقي القبض على حسن، ووُضِع في مستشفى الأمراض العقلية لاعتبارات "عدم السلامة النفسية"، حيث ظل حبيس جدرانها حتى 1969م.
هذا الغياب المرضي مكّن الممثلة سهير فخري من رفع قضية طلاق ضده، تزوّجت بعدها من أبي زيد، واعتزلت الفن لعامين، لم تعد بعدها للأضواء إلا بعد النكسة.
ألهمت هذه القصة الكاتب محمد جلال عبدالقوي، فأدرجها ضمن أحداث مسلسل "سوق العصر"، بعد تغيير اسم البطلة إلى "شوق"، والتي أدّت دورها الفنانة غادة عبد الرازق.
لعب أبو زيد دورًا كبيرًا في زواج عامر من برلنتي عبد الحميد.
هو الذي اختار بنفسه الفيلا التي سيقيمان فيها، وأشرف على تأثيثها، ووقّع عقد إيجارها بِاسم مزيف.
رغم ذلك، تمسكت برلنتي في مذكراتها "المشير وأنا"، بالتقليل من شأن أبي زيد كلما أتت على مواقف شملت سيرته.
وأكدت في أكثر من موضع أنه "مجرد صول" كان يحرس بوابة منزلها خلال وجود المشير.
وهو ما عادت وناقضته بعدها في إطار هجومها المستمر على أبي زيد، معتبرة أن أبا زيد استغل قُربه من زوجها وتربّح من خلاله الكثير من الأموال. وهي خطوة لا يجرؤ على القيام بها مجرد حارس بوابة بكل تأكيد.
يُمكن فهم سبب نقمة برلنتي على أبي زيد، من واقع ما نعرفه من التوتر الذي جمع بينهما لفترة طويلة، بعدما راقب أبو زيد، برلنتي، خلال فترة تعرّفها بعامر، واكتشف أنها تستعين بالسحرة لكسب قلب المشير بـ"أحجبة".
كشف أبو زيد هذا الأمر للمشير إلا أنه لم يقتنع، وهو ما لم تنسه له برلنتي!
نمتلك روايتين لأسباب غضب عامر المفاجئ على ذراعه الأيمن، وأمره بحسبه.
الأولى: اكتشف عامر سرقة صورة تجمعه بزوجته برلنتي عبدالحميد، وهو ما قد يُهدّد سرية زواجها التي جاهَد عبد الحكيم كثيرًا للحفاظ عليه.
اتّهم عامر أبا زيد بتنفيذ هذه السرقة بمساعدة زوجته سهير فخري، التي كانت تجمعها علاقة تنافسية مع برلنتي على لقب سيدة مصر السرية الأولى!
الثانية: أن شمس بدران وزير الحربية أراد التخلص من النفوذ المتصاعد لعلي شفيق، سكرتير عامر، ولرجله القوي أبي زيد، فكشف عن قضية عُرفت بِاسم "انحراف مكتب المشير عامر".
كان أبو زيد من ضمن 9 مهتمين آخرين في قضية فساد مالي، جميعهم من من كبار رجال المشير، والعاملين في قسم الشؤون العامة بمكتبه، اتُّهموا جميعًا باختلاس 30 ألف جنيه من أموال الجيش.
أمر عامر بتشكيل مجلس عسكري للتحقيق في هذا الأمر وسجنهم في السجن الحربي تحت مسؤولية شمس بدران، حيث يُدَّعى أنهم تعرضوا لتعذيبٍ ثم السجن بعدها.
في النهاية، كانت تلك الخطوة ضربة ناجحة لبدران، الذي تمكن من الانفراد تمامًا بالجيش عقب إزاحة أقوى منافسيه على عقل عامر.
حين وقعت النكسة، انهارت جماعة المشير في غمضة عين، وقرّر جمال عبد الناصر الإطاحة بهم وعقابهم جميعًا.
يحكي الفريق محمد فوزي، الذي تولّى قيادة الجيش بعد المشير مباشرةً، أن عامر أمر بالإفراج عن أبي زيد قبل خروجه من الوزارة، ليكون آخر قرار وقّعه عامر بصفته قائدًا للجيش.
لم يرق هذا القرار لعبد الناصر، فاتصل بفوزي وأخبره بضرورة إعادة أبي زيد إلى السجن الحربي مرة أخرى، والإسراع في محاكمته.
وفي عهد ما بعد النكسة، تجدّد النظر في قضية "الانحراف"، وعُوقب بسببها بالسجن، وكانت نهاية الحديث عنه بعدها.
في بعث الأمة المصرية، حافظ عثمان (كتاب)
حرب الثلاث سنوات، محمد فوزي (كتاب)
مذكرات شمس بدران، حمادة حسين (كتاب)
فيلم مصري طويل، ياسر ثابت (كتاب)
المشير وأنا، برلنتي عبدالحميد (كتاب)
عامر وبرلنتي، عبدالله إمام (كتاب)