في 1666م، أقام العلوي الشريف بن علي أول أساس للمملكة المغربية العلوية القائمة حتى الآن.
يدّعي أصحاب هذه المملكة أنهم مُنحدرون من نسل الحسن بن علي بن أبي طالب، حفيد الرسول.
بعد وفاته، تعاقب أحفاد الشريف على وراثة حُكم مملكته القائمة حتى اليوم في المغرب، ويحكمها الملك محمد السادس بن الحسن.
سعى إسماعيل بن الشريف ((1672-1727))، السُلطان السابع للدولة العلوية المغربية لبناء دولة أكثر تطورًا من التي ورثها من أسلافه.
بنى قصرًا منيفًا في العاصمة مكناس، ثم أحاطها بسورٍ كبير مثلما جرت عليه العادة في مُدن الشرق الكبرى كالقاهرة وبغداد ودمشق، كما طمح في إقامة جيش عسكري محترف.
رفض السُلطان إسماعيل تجنيد العرب بسبب قناعته بصعوبة ضمان ولائهم لأنهم "أهل ثورة"، بحسب تعبيره"
فاختار أن يُشكل قوة خاصة على يديه، لا يدين جنودها لأحدٍ بالفضل إلا للسُلطان وحده، على غرار جيش الإنكشارية العثمانية.
فلجأ إلى تجنيد العبيد من الدول الإفريقية، وأهالي الواحات الجنوبية، وتُعرف بِاسم "الحراطين"، والذين عُرفوا بلون بشرتهم الأسمر.
اقتصرت المرحلة الأولى على تجميع العبيد، لكن سريعًا ما تطوّر الأمر إلى إلزام أي شخص أسود البشر بالانضمام للجيش، حتى لو كان حرًّا مُسلمًا.
يقول أحمد الناصري في كتابه "الاستقصا لأخبار دولة المغرب الأقصى: بعث السُلطان إلى قبائل المغرب، وأمرهم بجمع العبيد الذين بها، فمن لا متلك لأحد عليه يأخذه مجانًا، ومن كان مملوكًا لأحدٍ فليُعطَ صاحبه ثمنه".
ويُضيف: لم يترك (يقصد السُلطان) في القبائل كلها أسود، سواء كان مملوكًا أو حرًّا، إلا وجنّده.
استُعملت كافة وسائل الترغيب والترهيب في عمليات التجنيد تلك، ومن لم يوفق خضع لعمليات تعذيب واسعة حتى أذعن لأمر السُلطان.
وفي النهاية، خضع جميع المُجنّدين إلى تدريبات عسكرية قاسية على الرماية والفروسية.
لم يقتصر الأمر على هذا وحسب، وإنما خطّط السُلطان لنظام عسكري مُتجدد، فأمر أيضًا بأسر الفتيات السود ليزوجهن من العبيد، ومن ثم يكون أولادهم لاحقًا ذخيرة بشرية مستقبلية للجيش الأسود.
بهذا القرار، سار السُلطان العلوي على ذات الدرب الذي اختاره عدد من ملوك دولة المرابطين، الذين جنّدوا أعدادًا كبيرة من "العبيد السود" في جيوشهم، وأبرزهم الأمير يوسف بن تاشفين الذي عبر بجيوشه إلى الأندلس، ووحّدها تحت حُكم دولته.
يقول المؤرخ المغربي ابن غذاري: شكّل الأمير يوسف فيلقًا كاملاً من العبيد السود، في القوة التي عبر بها إلى الأندلس، ولعبوا دورًا حاسمًا في معركة الزلاقة، التي انتصر يها على الملك القشتالي ألفونسو السادس.
اعتبر الملوك المرابطون، أن الحرس السود لا ينتمون لأي تنظيم قبلي، ما يجعل الحاكم يضمن ولاءهم التام له.
استمرّت عمليات التجنيد حتى جمعت قرابة 14 ألف رجلٍ أسود، شكّلوا أول جيش نظامي امتلكته المملكة العلوية في تاريخها.
في لقاء السُلطان الأول بقادتها قال لهم "أنا وأنتم عبيد لسُنة رسول الله وشرعه المجموع في هذا الكتاب".
فعاهد قادة الجيش البخاري على ذلك، ثم أمرهم بأن يحملوا معه نسخة الكتاب معهم في كافة معاركهم ويُقدموها في حروبهم مثلما يفعل اليهود ما تابوت بني إسرائيل، ومثلما فعل المسيحيون بصليب الصلبوت في حملاتهم الصليبية على مصر والشام.
لاحقًا، حقّقت القوة السوداء نجاحًا كبيرًا في فرض إرادة ملك المغرب على القبائل المُحيطة به، فازداد في عمليات التجنيد وحين مات بلغ قوامها 150 ألف مقاتل.
شاع استخدام تلك القوة السوداء في جباية الضراب، وتسيير دوريات حماية الثغور، ومحاربة أي قبيلة تعلن التمرد على حُكم السُلطان.
ولمدة 50 عامًا، مكّنت السُلطان إسماعيل من ترسيخ عرشه، والنجاة من كافة الاضطرابات التي كادت تعصف بدولته.
تجلّت قوة جيش البخاري عقب وفاة السُلطان إسماعيل، وظهورهم السياسي الأول بعد اختيارهم ولده أحمد دونًا عن بقية إخوته.
أيقن السُلطان أحمد أن عليه التودد للقوة العسكرية الأكبر في المغرب، فأجزل لهم العطاء من بيت المال.
بعدها حافظ "جيش البخاري" على وجوده في المغرب، على الرغم من الإهمال الذي أبداه السلاطين المغاربة اللاحقين لتلك القوة؛ فعزفوا عن مدها بالمزيد من الجنود، أو التقرّب لها بالأموال.
وفي القرن الـ19 جرى حل تلك الوحدة العسكرية نهائيًا، ولم يبقَ منها إلا عدد قليل من الأفراد شكّلوا فرقة خاصة لحراسة الملك، ظلّت تخدمه كـ"ملكية خاصة"، حتى أعلن المغرب إلغاء العبودية.
حتى هذه اللحظة، يعيش بعض أحفاد العبيد السود وضعًا صعبًا في المغرب.
فبسبب بشرتهم الداكنة يُعانون من نظرية دونية من بعض الفئات المغاربية التي لا تعتبرهم "مواطنين أصليين" وإنما وافدون على بلادهم لذا يدعونهم بـ"أحفاد العبيد".
وحتى الآن لا يزال "أحفاد العبيد" هؤلاء يُواجهون صعوبات في التوظيف والزواج والتعليم، بسبب رفض البعض من "أصحاب البشرة البيضاء" الارتباط بهم.
“أحفاد العبيد” لقب يرافق أصحاب البشرة السمراء في المغرب (اندبندنت عربية)
المغرب الزنجي: يعتبر المرابطون أول ملكية بالمغرب توظف العبيد السود كجنود (مغرس)
إدماج الحرّاطين ضمن عبيد البخاري، عبدالعزيز غوردو (بحث)
تشكيل جيش الحراطين ومسألة الحرّاطين، محمد المهناوي (بحث)
ذوو البشرة السوداء في المغرب.. نجاح رغم التمييز الاجتماعي (دويتشه فيله)
عبيد البخاري: التنظيم العسكري المغربي (بريتانيكا)
التاريخ المرعب للمغرب الأسود (تيلكويل)