حدود أرمينيا وأذربيجان.. بؤرة جديدة للفوضى التركية بمرتزقة سوريين؟ | محمد شهاب الإدريسي

حدود أرمينيا وأذربيجان.. بؤرة جديدة للفوضى التركية بمرتزقة سوريين؟ | محمد شهاب الإدريسي

19 Jul 2020
محمد شهاب الإدريسي

محمد شهاب الإدريسي

المدير التنفيذي لمعهد الدراسات المستقبلية

تركيا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بينما العالم مشغول بالتطورات الآتية في غرب ليبيا، وشمال غرب سوريا، وتحركات أثيوبيا لعرقلة مجرى نهر النيل، وحديث إعلامي خافت حول قضية آيا صوفيا، تندلع اشتباكات مفاجئة بين الجارتين اللدودتين، جمهوريتي الاتحاد السوفيتي السابق، الواقعتين في جنوب القوقاز، أرمينيا وأذربيجان ، اللتين أصبحتا فجأة على شفير حرب.

ماذا يحدث على حدود أرمينيا وأذربيجان؟

اشتباكات حدودية اندلعت بين البلدين، وسط تبادل الطرفين الاتهامات بشأن البادئ فيها. استخدمت في الاشتباكات أسلحة خفيفة ومتوسطة، ولوحظ استعمال واسع للمدفعية والطائرات بدون طيار، الأرمنية المحلّية من جهة، والأذرية إسرائيلية الصنع من جهة أخرى. واعترف الجانبان بسقوط قتلى.

وبينما دعا المسؤولون الروس إلى إخماد المواجهة والرهان على المسار السلمي، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتهديدات مباشرة إلى أرمينيا.

ما أصل الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان؟

حين تأسس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، عمد المؤسسون أن تحتوي الجمهوريات على تنوع عرقي وتتمتع بتواصل جغرافي، في إطار وحدة الشعوب السوفيتية، وهكذا مثلًا ضمت شبه جزيرة القرم الروسية إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية، وضم إقليم ناغورني كاراباخ – ذو الأغلبية الأرمنية – إلى أذربيجان كإقليم يتمتع بالحكم الذاتي.

بعد تفكك الاتحاد، نظم سكان الإقليم الأرمني استفتاء لتقرير المصير، صوتت فيه الغالبية الساحقة لصالح الاستقلال عن أذربيجان، وأعلن قيام جمهورية من طرف واحد، وهو ما فجّر حربًا طويلة بين باكو والإقليم الذي دعمته جمهورية أرمينيا، انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار في 1994، مكرسًا أرجحية واضحة للإقليم الأرمني الذي سيطر على أراض واسعة من جمهورية أذربيجان، ليؤمن اتصال الإقليم بالجارة أرمينيا.

منذ ذلك الحين، لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام مأمول بين باكو والإقليم، حاولت رعايته واشنطن وموسكو وباريس، ومن وقت لآخر كان تتفجر اشتباكات بين الطرفين، موقعة عددًا من الضحايا، وسرعان ما كانت الوساطات تنهيها خلال أيام.

لماذا انفجرت الشرارة الآن؟ وما الفرق بينها وبين الاشتباكات السابقة؟

الاشتباكات السابقة بين أرمينيا وأذربيجان كانت تحصل على خط وقف إطلاق النار بين القوات الأذرية وقوات ناغورني كاراباخ. لكنها هذه المرة كانت على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، بما يعني أن الأمر يتعلق بتصعيد غير مسبوق.

وبقراءة مشهد الوضع في القوقاز، يظهر أن أرمينيا ليست لديها مصلحة في إشعال حرب؛ لأنها بداية ليست لديها مطالب سيادة في منطقة Tovuz توفوز، حيث بدأت الاشتباكات، ومن جهة أخرى، فإن حلفاءها في إقليم كاراباخ يتمتعون منذ 1994 بتفوق على الأرض.

أما أذربيجان فتعاني من أزمات سياسية واقتصادية، خاصة مع تفشي وباء كورونا فيها، وليس من مصلحتها إشعال توتر في هذا التوقيت. والدليل على ذلك إقالة وزير الخارجية، الذي اتهمه الرئيس الأذري حيدر علييف بأنه لا يؤيد مواجهة أرمينيا، كما بدأت قوات الأمن الأذرية حملة اعتقالات بحق نشطاء أذريين حذروا من مغامرة غير محسوبة، واتهمتهم السلطات بأنهم طابور أرمني خامس.

يظهر من هذا أن الطرفين لا مصلحة لهما في توتر خطير من درجة فتح جبهة على حدود الدولتين. لهذا يجب البحث في دوافع الجهة التي تحرض وراء الحدود: تركيا.

تركيا لم تكتف بالتحريض فقط، بل أعلن رئيس صناعاتها الدفاعية أن الطائرات بدون طيار والمدافع التركية رهن تصرف الجيش الأذري، وانتشرت أنباء من الأراضي السورية التي تحتلها تركيا، عن إقدام الأخيرة على فتح مكاتب لتجنيد المرتزقة السوريين، وبالتحديد في عفرين وجنديرس وراجو، مقابل رواتب بين 2,000 و2,500 دولار، في استعادة حرفية لركني الاستراتيجية التركية في ليبيا: التكنولوجيا الإسرائيلية والمرتزقة الإرهابيون.

ما هدف تركيا من خلق بؤرة جديدة للتوتر؟

في غرب ليبيا، وفي شمال غرب سوريا، وفي شمال العراق، وفي شمال قبرص، وفي جنوب ووسط الصومال، وفي قطر، تجد تركيا موجودة عسكريا بشكل مباشر، محاولة تعديل حدود معاهدة لوزان صراحة أو مواربة. فضلا عن محاولاتها رسم حدود “الوطن الأزرق” في البحار المحيطة، بالافتئات على حقوق الدولة المشاطئة.

وفي الوقت الذي ترتفع فيه ألوية الحرب بالموازاة مع أشرعة الجهود الدبلوماسية، تختار أنقرة إشعال بؤرة جديدة للتوتر بين أرمينيا وأذربيجان ، تضيفها إلى قائمة الابتزازات والمراهنات، لانتزاع أكبر قدر من المكاسب، في وقت تحقق فيه أعلى تقارب مع واشنطن، وتعمل فيه على إغراء الأخيرة بلعبها دور الصّاد للنفوذ الروسي في المنطقة. خطوة تحويل “آيا صوفيا” كانت في صدد التجييش على روسيا وكنيستها الأرثوذكسية.

هل تنجح أنقرة في ابتزاز الجيران من خلال هذه البؤرة؟

في اعتبار أردوغان، فإن إشعال بؤرة جنوب القوقاز  بين أرمينيا وأذربيجان خطوة غير مكلفة، يثير بها مشاعر القومية التركية، علمًا بأن الأذريين ينتمون جينيا إلى الفرس وتم تتريكهم في وقت متأخر نسبيًا، كما أثار مشاعر الإسلام السياسي بخطوة آيا صوفيا. كما أنه يمكن أن يجد في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، حليفًا مثل أوكرانيا، ونصف حليف مثل جورجيا، بما يمكّنه بالمحصّلة من تكبير أوراق قوته على مساحة واسعة من القوقاز إلى شمال أفريقيا.

بيد أن حسابات الواقع، تقول إن ضم الأوراق لا تفيد بالضرورة، لأن لها حسابات منفصلة. لا مصر ولا دول أفريقيا العربية ستقبل بتمدد تركي في جوارها، ولا سوريا ستقبل باستمرار الاحتلال التركي لإدلب، ولا اليونان ولا قبرص ستقبلان المساس بحقوقهما البحرية، تؤيدهما في ذلك أوروبا، ولا أرمينيا ستقبل المساس بسيادتها وإعادة سيرة الإبادة الأرمنية، وفي الصومال بدأ الفاعلون السياسيون يتساءلون عن ثمن الوجود التركي والقطري في بلادهم. تبدو قطر وحدها ساحة مسالمة للوجود التركي.

أما روسيا، المرتبطة بأرمينيا، باتفاقية دفاع مشترك، فلن تقبل تهديد أمنها القومي في جوارها اللصيق. واجتياح قواتها لجورجيا في 2008 خير دليل.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك