وصل جو بايدن إلى البيت الأبيض بينما أزمة آبي أحمد تتعقد في إثيوبيا. وضع إنساني كارثي في تيجراي. اشتباكات على الحدود مع السودان. وقرار “لا يقبل التنازل” بإطلاق المرحلة الثانية من ملء سد النهضة أحاديًا، فيما تقول الخرطوم إنه تهديد حقيقي لحياة 20 مليون شخص وقطع الكهرباء والمياه على ملايين آخرين.
أبي أحمد أعلن انتهاء الأزمة في تيجراي في نوفمبر. انتهت من وجهة نظره. تقرير أممي لوح باقتراف القوات الإثيوبية جرائم حرب في تيغراي. الخارجية الأمريكية أكدت على أن “الإدارة تملك عددًا متزايدًا من التقارير الموثوقة عن الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات في تيجراي المحاصرة”.
أمام كل ذلك، وعلى الرغم منه، لم تتجاوز إدارة بايدن لغة “الحث” و”الدعوة” و”المطالبة” في التعامل مع إثيوبيا. رغم أن الإدارة نفسها هي التي تقول إن “حقوق الإنسان” ستحدد بوصلة علاقاتها الخارجية. فلماذا؟
أحد الأسباب أن الديمقراط، وبايدن شخصيا، تبنوا آبي أحمد كرمز للقيادات الشابة. ستجد هنا تغريدة بايدن تهنئة لآبي أحمد على فوزه بنوبل للسلام. وثانيها محورية إثيوبيا في استراتيجية الديمقراط الاحتفاظ بمراكز نفوذ بمعزل عن حلفائهم التقليديين في الشرق الأوسط. والثالث تعاظم دور اللوبيات في التأثير على فرص الديمقراط السياسية.
مزيد من التفاصيل
س/ج في دقائق
أين وصلت أزمة تيجراي؟
تسببت حرب تيجراي في فرار أكثر من 60.000 لاجئ إلى السودان ونزوح مليونين آخرين داخليًا، بينما منعت المساعدات الأساسية عن “أعداد لا تُحصى” بوصف تقارير دولية. في هذه الأثناء تستمر خكومة أبي أحمد في ما تسميه”عملية القانون والنظام”.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ، فشلت إثيوبيبا إلى حد كبير في احترام اتفاق ديسمبر لتوفير وصول غير مقيد للمساعدات إلى تيحراي.
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قال إن “سكان تيجراي في أمس الحاجة للمساعدة لكن إمكانية الوصول للمنطقة المتضررة محدود”. وأضاف أنه تلقى “تقارير متسقة عن أعمال عنف عرقية الدوافع، وعمليات قتل، ونهب جماعي، واغتصاب، وعودة قسرية للاجئين، وجرائم حرب محتملة”.
ومنذ بداية 2020، ظهرت أدلة على قصف مستشفيات تيجراي التي تعالج المدنيين الجرحى، وحرق مخيمات النازحين داخليًا، ونهب إمدادات الإغاثة المخصصة لإطعام المحتاجين، مع منع وصول أغلبيتها إلى المتضررين في تيجراي.
وتقول واشنطن بوست إن تقارير جديدة مقلقة ظهرت عن مذابح ارتكبتها قوات من إريتريا المجاورة لمئات المدنيين وتطهير عرقي من قبل الميليشيات، بينما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن تقريرًا داخليًا للحكومة الأمريكية قال إن ميليشيات الأمهرة في غرب تيجراي كانت تطرد السكان بشكل منهجي وأن “قرى بأكملها تضررت بشدة أو محيت من الخريطة تمامًا.
نظريًا، أعلن آبي أحمد حسم أزمة تيجراي بالاستيلاء على عاصمة الإقليم، بنهاية نوفمبر 2020.
لكن الأزمة، كما تصفها “ذا أمريكان كونسيرفاتيف” أعقد من مجرد صراع عسكري أو سياسي، بل في التشكيك المتصاعد في الاتحاد الفيدرالي نفسه، فبينما يفضل أبي أحمد دولة أكثر مركزية، تجد مطالب الحكم الذاتي الإقليمي أرضيات أوسع.
مات برايدن، مدير مؤسسة ساهان البحثية التي تركز على القرن الأفريقي، يقول إن جبهة تحرير تيجراي عانت من خسائر فادحة خلال الصراع، لكنها أضافت لمكاسبها مزايا استراتيجية رئيسية، بما في ذلك دعم الكثير – إن لم يكن معظم – سكان المنطقة، وقوة كبيرة ومنضبطة جيدًا.
يقول برايدن: أتوقع تمامًا أن يتطور الوضع إلى تمرد طويل وطاحن مع إمكانية الانتشار ليس فقط إلى أجزاء أخرى من إثيوبيا، ولكن أيضًا إلى إريتريا، التي تورطت بالفعل في الأزمة.
تتصاعد التوترات بين السودان وإثيوبيا بشأن الأراضي الزراعية المتنازع عليها بالقرب من حدودهما المشتركة.
الاشتباكات المسلحة على طول الحدود بين السودان وإثيوبيا أحدث تطورا في تاريخ من التنافس المستمر منذ عقود بين البلدين، لكن التطور النادر كان أن يقاتل الجيشان الإثيوبي والسوداني بعضهما البعض مباشرة للسيطرة على الأراضي.
ويدور النزاع بينهما حاليا حول منطقة الفشقة حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف في السودان.
إدارة ترامب أبرمت اتفاقًا بين أطرافه لكن إثيوبيا رفضت التوقيع، فربطت الإدارة المساعدات الأمريكية إليها “272 مليون دولار” بحلحلة الملف، لكن بايدن أنهى الارتباط، ونقله إلى حدوث “حلحلة” في أزمة تيجراي.
بعد وصول بايدن، أعلنت إثيوبيا إنها لن تتنازل عن بدء المرحلة الثانية من ملء السد (بطاقة 13.5 مليار متر مكعب) في يوليو 2021، بشكل أحادي، في ما تقول مصر والسودان إنه تهديد مباشر لأمنهما القومي.
السودان تحذر من أنها تهدد سلامة سد الروصيرص “على بعد 40 كم من سد النهضة” بما يعرض حياة 20 مليون سوداني يعيشون في محيطه للخطر، ويقطع إمدادات مياه الشرب وتوليد الكهرباء عن السودان عمومًا.
وتقول مصر – التي تعتمد بنحو 90% على النيل في سد احتياجاتها من المياه العذبة – إن الجلسات الأخيرة لمفاوضات سد النهضة فشلت مجددًا بسبب الخلافات حول كيفية استئناف المحادثات والجوانب الإجرائية المتعلقة بإدارة عملية التفاوض.
بينما يحذر وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي من أن كفاءة سد إثيوبيا الإنشائية لا تتجاوز 30%.
أمام ما تصفه “وورلد بوليتكس ريفو” بـ “خيانة شريك أمريكي موثوق”، اكتفت إدارة بايدن بـ “حث” إثيوبيا على إنهاء الأعمال العدائية. ودعا وزير الخارجية أنطوني بلينكين رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إلى سحب القوات الأجنبية من تيجراي، وإنهاء العنف على الفور.
لكن آبي أحمد رفض الاستماع، بوصف واشنطن بوست.
تقول “ناشونال إنترست” إن التطورات خطيرة بدرجة تستدعي تقديم آبي أحمد إلى محكمة العدل الدولية.
ويقول كاميرون هدسون، الزميل البارز في المجلس الأطلسي، إن الأزمة “اختبار مبكر لقدرة إدارة بايدن على موازنة دفاعها العالمي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون مع مصالحها الإستراتيجية في منطقة حيوية لكنها غير مستقرة”.
لكن، حتى ميديا المينستريم المؤيدة للديمقراط، وبينها واشنطن بوست ونيويورك تايمز، تقر أن إدارة بايدن لم تحرك ساكنًا حتى الآن.
جو بايدن تبنى نموذج آبي أحمد في أكتوبر 2019 بعد فوزه بجائزة نوبل. قال إنه “قدم إصلاحات سياسية واقتصادية وديمقراطية هادفة مهدت الطريق لتحسين حياة ملايين الإثيوبيين”، وأن “على الولايات المتحدة مساعدة الأصدقاء في إثيوبيا.
Congratulations to Ethiopian Prime Minister Abiy Ahmed on being honored with this year’s Nobel Peace Prize in…
آبي أحمد مقرب أيضا من لوبيات داعمة بشكل أساسي للديمقراط.
لوبيات يديرها أمريكيون من أصل إفريقي قدمت خلافه مع مصر على أنه مسألة مرتبطة بكفاح الأفارقة السود.
لوبيات العثمانيين الجدد، وهي تشكيلة من إسلاميين ونشطاء يساريين مرتبطين بإسطنبول، تنظر إلى آبي أحمد على أنه عنصر مفيد في شغل النظام المصري بقضايا استراتيجية، وفي تكوين حلفاء يمكن من خلالهم التسلل إلى مناطق نفوذ في شرق إفريقيا.