مخدر الكبتاجون هو الاسم التجاري لعقار وصل الأسواق عام 1961.
كان يصفه الأطباء كعلاج لاضطرابات نقص الانتباه وفرط الحركة والاكتئاب، لكن استعماله توقف طبيًا منذ بداية الثمانينيات بسبب أضراره الصحية وقابليته للإدمان.
لم يمنع قرار التوقف هذا استمرار الإقبال عليه، كأحد أشكال المخدرات الرخيصة بسبب قُدرته على زيادة كفاءة الجسم، عبر تحسين الوعي وتنشيط الطاقة وتخفيف الآلام وقمع الشهية.
والآن، تصنع نسخة غير تقليدية منه في مختبرات صغيرة في لبنان وتركيا، وخصوصًا سوريا، يقول العميل الخاص بوكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) جوزيف موسى إنه يترك تأثيرًا مخدرًا مبهجًا، ويستخدم كذلك لتأثيره الشبيه بالفياجرا على الرغبة الجنسية.
ووفقًا لجوستين توماس، الأستاذ المساعد في علم النفس في جامعة زايد إنه يستخدم كمنبه للطلاب أثناء الاختبارات، كما تستخدمه النساء لفقدان الوزن.
بالنظر لمفعوله ورخص ثمنه، بات الكبتاجون خيارًا مثاليًّا لمقاتلي التنظيمات الجهادية الذين يخوضون نزاعات حربية مطولة في سوريا؛ إذ تكفل لهم حبة الكبتاجون الواحدة أن يدخلوا المعارك بـ"شجاعة كيميائية" يتحولون بموجبها إلى جنود خارقين لا يعرفون الخوف ولا يتوقفون عن القتال.
بعض وسائل الإعلام الفرنسية أكدت كذلك أن المتورطين في هجمات باريس تعاطوا حبوب الكبتاجون قبل تنفيذ عمليتهم. لهذا درجت وسائل الإعلام الأجنبية على وصف الكبتاجون بأنه "عقار الجهاديين".
لكن استخدام مخدر الكبتاجون لم يتوقف على المقاتلين وحسب، بل تحول إلى سلعة تستهدف السوق الخليجي خصوصًا، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى مصر، لتصبح السعودية المستهلك الأول للعقار، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، التي تضع مخدر الكبتاجون على رأس قائمة المخدرات المستخدمة في المملكة، قبل الحشيش والهيروين والكوكايين، ليحصد اسمه العربي "أبو هلالين".
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ، فإن السعودية وحدها ضبطت ثلث جميع مضبوطات مخدر الكبتاجون العالمية.
وليد البخاري، سفير السعودية في لبنان، كشف عن وجود محاولات لتهريب أكثر من 600 مليون حبة من لبنان خلال السنوات الست الماضية.
في الأول من يوليو 2020، ضبط مسؤولو ميناء ساليرنو الإيطالي شحنة ضخمة من مخدر الكبتاجون تجاوز وزنها الـ14 طنًّا. قُدِّرت قيمتها بـ 1.1 مليار دولار، فيما اعتبرت واحدة من أكبر عمليات ضبط المخدرات في التاريخ.
استدعت الشحنة إلى الأذهان وقائع قديمة مثل ضبط ملايين الحبوب المخدرة في ميناء بيرايوس اليوناني مرتين متتاليتين العام السابق، وضبط السُلطات السعودية لـ 4 ملايين حبة كابتجون قبل دخولها إلى أراضيها، وضبط 17.8 مليون حبة مخبأة في أخشاب مضغوطة في طريقها لميناء إماراتي.
العامل المشترك الوحيد بين كافة هذه الحوادث، أن جميعها خرجت من سوريا، التي باتت مصنفة حاليًا كأكبر مركز دولي لإنتاج مخدر الكبتاجون.
حكاية مخدر الكبتاجون مع حزب الله بدأت أوائل عقد الألفيّات، عندما أقرت دول جنوب شرق أوروبا، وعلى رأسها بلغاريا، قوانين صارمة لمكافحة انتشار المخدرات.
ونتيجة للضربات المتلاحقة التي تلقتها صناعة المخدرات في أوروبا، آثرت الانتقال تدريجيًّا إلى عددٍ من دول الشرق الأوسط الهشة، التي تضم مناطق بعينها خارجة جزئيًا عن سيطرة الحكومة المركزية.
لبنان كان المرشح الأول لهذا الانتقال لأن القاعدة منطبقة عليه تمامًا، خصوصًا فيما يتعلق بالجنوب. هو كذلك أضعف دول الشرق الأوسط من حيث الرقابة المحلية، وحلقة وصل مهمة بين أوروبا وأسواق رئيسية في الخليج.
تقارير دولية عديدة قالت إن حزب الله عرف طريق تصنيع مخدر الكبتاجون بعد صراعه مع إسرائيل في 2006، والتي تركت التنظيم أمام حاجة ملحة إلى تمويل عاجل، ليقرر الاستعانة بخبرات إيرانية لإنتاج حبوب الكبتاجون على أوسع نطاق.
لكن الإشارة الأولى إلى مصداقية التقارير كانت في 2007، عندما اكتشفت السلطات اللبنانية لأول مرة معملًا لتصنيع مخدر الكبتاجون في جنوب لبنان.. تحديدًا في المناطق التي تخضع لسيطرة حزب الله مثل محافظة البقاع وعلى الحدود السورية. لكنه لم يكن المصنع الوحيد، ولم تتوقف حركة التصنيع.
وسريعًا سحبت لبنان البساط من أوروبا الشرقية، ليتحول جنوب لبنان إلى قاعدة مهمة لإنتاج الحبوب المخدرة.
فور اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، تكبدت قوات الأسد خسائر متلاحقة على جميع الجبهات، وبحلول 2013، خرجت أجزاء كبيرة من الأراضي عن سيطرة الحكومة، وتدفق عليها الجهاديون الأجانب من كافة أنحاء العالم. ووسط هذه الفوضى، ازدهرت كافة أشكال الاقتصاد غير المشروع، وعلى رأسها مخدر الكبتاجون.
حزب الله أيضًا دخل سوريا، ومعه مصنعو الكبتاجون بنزوح تدريجي من لبنان، حيث وفرت سوريا ظروفًا أفضل: فوضى عارمة - قاعدة صناعية ضخمة قادرة على إنتاج كميات أكبر في وقت أقل - أقرب لأسواق الخليج.
وحتى بعد استعادة الحكومة السيطرة على الأراضي، أعيد تشكيل اقتصاد مخدر الكبتاجون على نحوٍ تستفيد منه الحكومة.
وخلال 2018، ازدهرت صناعة الكبتاجون بشكل كبير، وسجلت قيمة الشحنات المُصدَّرة إلى الدول المجاورة أرقامًا قياسية.
ووفقًا لبحث "الاقتصاد السوري في حالة حرب: الكبتاغون والحشيش ودولة المخدرات السورية"، تشرف الحكومة السورية بشكلٍ كامل على كافة مراحل التصنيع، بدءًا من السماح باستيراد المواد الكيميائية للتصنيع من الهند وروسيا وأمريكا اللاتينية إلى مناطق تُسيطر عليها الحكومة السورية، حيث تجري عمليات تصنيعها وإعادة تصديرها عبر منافذ تسيطر عليها الدولة عبر معبر نصيب مع الأردن أو ميناءي اللاذقية وطرطوس.
وفق البحث، تجري عمليات تصنيع وتصدير مخدر الكبتاجون على محورين: شبكة حزب الله ومجموعات أخرى من الميليشيات المدعومة من طهران، والتي يُعتقد أنها لعبت دورًا مركزيًا في بناء هذا الكم الكبير من معامل التصنيع في كافة أنحاء سوريا،
وشبكة أخرى تدار تحت حماية فصائل قتالية متنوعة، بعضها تابع للدولة السورية بشكل مباشر، مثل: قوات الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية وبعض أجنحة المخابرات العسكرية، بالإضافة إلى بعض الميليشيات المحلية المحسوبة على الدولة، مثل: كتائب البعث، وصقور الصحراء، وسرايا العرين.
وتتكون القيادة العُليا لـ"شبكة الحبوب" تلك من مجموعة كبيرة من أبرز كوادر نظام الأسد العسكرية والاقتصادية، وجميعهم ينحدرون من عائلة الرئيس السوري كماهر الأسد ووسيم بديعة الأسد ومحمد شاليش وسامر الأسد، كما تداولت بعض التقارير الإعلامية المحلية اسم شخص آخر ينتمي لعائلة الأسد هو جمال كفاح الأسد، الذي قُتل بشكلٍ مُباغت في اللاذقية، بدعوى تورطه في نزاعات مع أباطرة تجار المخدرات.
لكن حزب الله لم يعد يكتفي بالتصنيع في سوريا، وفق مصدر اعتمدت عليه "إندبندنت فارسي" لكنها لم تكشف اسمه.
بحكم سلطته على كل من نقاط التفتيش الحدودية "الشرعية وغير الشرعية" بين سوريا ولبنان، فقد باتت سيطرته غير مقيدة على جميع العمليات المتعلقة بالمخدرات بين البلدين.
وفقًا لفيلم وثائقي بثته بي بي سي ، يتعمق حزب الله وحلفاؤه في سوريا مؤخرًا في تجارة المخدرات كمصدر رئيسي للتمويل. وبحسب بعض التقديرات، بلغت قيمة صادرات الكبتاجون من سوريا عام 2020 قرابة 3.4 مليار دولار أمريكي.
أمين عام حزب الله حسن نصر الله نفى اتهامات تصنيع مخدر الكبتاجون رسميًا. قال إن تصنيعها وبيعها وشراءها وتهريبها واستهلاكها حرام في الشريعة التي تقضي بإعدام المتورطين فيها.
تصريحات نصر الله تتفق مع فتوى مرجعية حزب الله الأعلى على خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، الذي يحرم استخدام الحشيش وتجارته إلا بغرض التداوي.
لكن تقريرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي نشر في نوفمبر ٢٠٠٨ قال إن الحزب يستند في تجارة المخدرات إلى تصريح خاص تحصل عليه من زعيم روحي لم يحدده، مفادها “أن تجارة المخدرات مقبولة أخلاقيًا في حالة بيعها للزنادقة والغربيين كجزء من الحرب ضد أعداء الإسلام”.
وأصدرت الوكالة الأوروبية لإنقاذ القانون تقريرًا في 2020 حذرت فيه من نشاط حزب الله في أوروبا كقاعدة لتجارة المخدرات والماس وغسيل الأموال.
وفي 2018، صنفت الخارجية الأمريكية حزب الله ضمن أقوى خمس منظمات إجرامية عالمية. وتشير التقارير إلى أن العمليات الإجرامية لحزب الله زادت مؤخرًا استجابة لتوجيهات إيرانية.
والعام الماضي ، قالت الخارجية الأمريكية ومجتمع المخابرات إنهما يملكان أدلة كافية على ربط حزب الله بالأنشطة الإجرامية ، بما في ذلك تهريب المخدرات في أمريكا الجنوبية وأوروبا.
ما هو الكبتاجون بالضبط ولماذا حظره؟ (Drugs)
داعش ليست وراء تجارة الأمفيتامين في سوريا (فورين بوليسي)
هل يخرج المخدر الجهادي من سوريا؟ (فورين بوليسي)
الكبتاجون: أدلة على استخدام مهاجمي باريس لـ “عقار الجهاديين” (إيه بي سي نيوز أستراليا)
سوريا: مأساة دولة محورية (بحث)
كيف بنى حزب الله إمبراطورية المخدرات؟ (عرب نيوز)
نظام الأسد متورط في منظومة ضخمة من الكابتاجون (OCCRP)
الاقتصاد السوري في حالة حرب: الكبتاجون والحشيش ودولة المخدرات السورية (COAR)
الكبتاغون: “بريكنغ باد” في السعودية (فويس أف أمريكا)
الكبتاغون: الأمفيتامين الذي يغذي الحرب الأهلية في سوريا (الجارديان)