منذ سنوات، أدركت السعودية أن اعتمادها الاقتصادي الكامل على النفط لن يحميها لفترة طويلة. بدأت جهود خفض الإنفاق وتنويع مصادر الدخل، وإن كان بعضها أكثر فعالية من الأخر.
الملك عبد الله، الذي توفي في عام 2015، عمل على كبح تجاوزات العائلة المالكة، واستدعى الأمراء الذين سيطروا على طوابق كاملة من فنادق أوروبا. لكن التوجه كان أكثر وضوحًا في عهد الملك سلمان، حيث اتخذ ولي العهد محمد بن سلمان خطوات أكثر وضوحًا لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عما سماه "إدمان النفط".
مشروع مدينة نيوم، الذي أعلنه محمد بن سلمان في 24 أكتوبر 2017، كان درة تاج التحول. "بدا الأمر وكأنه منتج خيال علمي.. مدينة في وسط الصحراء لا تحتاج لطرق لأن السيارات ستطير في أرجاء المدينة لنقل قاطني نيوم إلى أعمالهم"، تقول التايمز،
نيوم تغطي مساحة بحجم بلجيكا، ومضاءة ليلاً بواسطة قمر صناعي عملاق، وستكون موطنًا لمليون شخص يعملون في "محاور الابتكار" التي أنشأها عمالقة وادي السليكون.
مثلت هذه المدينة رؤية الحكومة السعودية للمستقبل، كمشروع رائد ضمن رؤية السعودية 2030 التي أطلقها ولي العهد.
سميت المدينة باسم نيوم، وهي كلمة من جزأين: الأول يشمل حروف (NEO) التي تعني باليونانية كلمة "جديد"، والثاني حرف (M) منفصلًا، ويشير بالعربية إلى كلمة "مستقبل"؛ أي أن (NEOM) كاملة تعني المستقبل الجديد.
النظرة الجديدة انتقلت إلى المواطنين السعوديين.. بات واضحًا أن الثروة غير المحدودة تقترب من نهايتها.
تنقل التايمز عن مصمم مجوهرات شاب من الطبقة المتوسطة قابلته في الرياض عام 2018: "نعلم أن الأمر سيكون مختلفًا. ليس لدينا نفس توقعات آبائنا. نعلم أن علينا العمل بجد".
اليوم، تعمل النساء السعوديات في مراكز التسوق في الرياض وجدة. بينما لم يعد الرجال يجدون أزمة في العمل ضمن شركات كأوبر.
لكن التغيير ليس مكتملًا بعد. غالبية القوى العاملة المحلية في السعودية لا تزال تعمل في القطاع العام، حيث متوسط الأجور أعلى بـ 58% مما هو عليه في القطاع الخاص. حوالي خمس النساء عاطلات عن العمل؛ الرقم أعلى بين الخريجات، حيث يتجاوز 33%، والوظائف التي ينظر إليها باعتبارها أدنى في المستوى توكل للمهاجرين. ولا يزال الاقتصاد يعتمد بشدة على النفط
على هذا الحال وصل كورونا إلى السعودية، مصحوبًا بانخفاض حاد في أسعار النفط الذي تعتمد عليه الدولة بشدة في توفير نفقاتها. لتواجه الحكومة ما تصفه التايمز بأكبر التحديات الاقتصادية منذ تأسيس المملكة، وتضطر لاعتماد إجراءات تقشف بلا سابقة في تاريخ السعودية.
تباطأ بناء نيوم، وخفض المقاولون العاملون في المدينة ساعات عمل بعض الموظفين إلى النصف. صور الأقمار الصناعية تظهر بعض القصور ومهابط طائرات الهليكوبتر بنيت.
ويقول عضو في مجلس نيوم الاستشاري علي الشهابي:"كل هذه المشروعات ستتأخر.. لم تتوقف. تستمر لكن بشكل أبطأ".
تباطؤ نيوم مثال على تغييرات عميقة تجتاح السعودية. رفعت الحكومة ضريبة القيمة المضافة، التي أدخلتها في 2018 ، من 5٪ إلى 15٪. وخفضت الإعانة الشهرية لموظفي الدولة.
يقول الصحفي السعودي علي الأحمد: "سيشعر أرباب الأسر بالأمر في كل مرة يشترون فيها كيس أرز"، فيما يقول إنه ربما يكون هذا أكبر تحد اقتصادي واجه السعودية منذ تأسيسها".
يقول محللون إن المزيد من تخفيضات الإنفاق أمر لا مفر منه، لكن روبرت موغيلنيكي، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، يؤكد أن المسؤولين السعوديين يبذلون كل ما في وسعهم لتجنب الإجراءات غير ذات الشعبية مثل قطع فاتورة أجور القطاع العام
يضيف: "أعتقد أنه كان من المتوقع أن يكون هناك عدد من الإجراءات. قال : "لم تكن هناك طريقة لتجنب الاستجابة السياسية الجذرية للغاية بالنظر إلى طبيعة الصدمات الحادة وغير المسبوقة من بعض النواحي".
لا يزال السعوديون يتمتعون بشبكة ضمان اجتماعي سخية، والتي يمكن أن تقلل من تأثير تدابير التقشف. المدارس والرعاية الصحية مجانية، والإعانات الحكومية وبدلات المرافق تخفف العبء على الأسر الفقيرة.
وتقول التايمز إن وجود الدولة كصاحب عمل رئيسي يوفر شبكة أمان أخرى من تقلبات السوق.
عضو في مجلس نيوم الاستشاري علي الشهابي يقول: "السعودية لم تعان بطالة هائلة مثل ملايين الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم. لديهنا بالفعل دعم طبيعي لأن الكثير من الناس يعملون في القطاع العام".
لكن إجراءات التقشف تتصاعد. يضيف الشهابي:حتى الأثرياء ليسوا سعداء بزيادة التكاليف. ولكن بشكل عام فإن شبكة الأمان الاجتماعي فعالة للغاية".
وبينما تطبق السعودية إجرءات التقشف، تقول ستراتفور إن البلاد مستمرة في خطتها لصالح الاتجاه الوطني الناشئ، والسيطرة على الاقتصاد، وتعزيز الأمن للسيطرة على أية محاولة ارتداد عن خطتها مع الضغوط التي قد تقلص الرفاهية الاقتصادية.
يضيف الموقع: "لحسن الحظ أن خطة التحول الجديدة لتحديد الهوية لن تتأثر بالاقتصاد، حيث بدأت المملكة في التحول للهوية الوطنية بعبارات أميل للتقاليد الغربية من القبلية العربية، وتغيير مناهج التعليم بعيدًا عن الهوية الإسلامية البحتة، مع التركيز على الترفيه الدنيوي".
ترجح ستراتفور أن يتبنى السعوديون خصوصًا الشباب بشكل كبير جهود الحكومة لتعزيز الوطنية لتعويض الغضب عن المشكلات الاقتصادية. حيث بدأ الشباب السعوديون بالميل لهويتهم الوطنية بعيدًا عن هوياتهم المحلية أو الطائفية، حيث يحتضن الشبان في المدن الكبرى مثل الرياض ومكة والمدينة الخدمة الوطنية والتعليم العالماني بشكل متزايد.
عصر السعودية الذهبي يتلاشى مع انخفاض أسعار النفط وسط جائحة كورونا (التايمز)
مع تقويض الاقتصاد للعقد الاجتماعي السعودي.. الرياض تجد طرقًا أخرى للحفاظ على النظام (ستراتفور)
هل تقترب صناعة النفط العالمية من الانهيار إلى الأبد؟ | س/ج في دقائق
هل كان الإصلاح الاقتصادي في السعودية ضروريا؟ | إنفوجرافيك في دقائق
إصلاحات السعودية .. خطوات صغيرة تقطع شوطا كبيرا| إنفوجرافيك في دقائق
كورونا يعطل موسم العمرة في السعودية.. ما علاقة إيران؟ وهل يمتد التعطيل للحج؟ | س/ج في دقائق
قصة مدينتين: التنافس بين دبي ونيوم “قوي لكن إيجابي” على الإمارات والسعودية| س/ج في دقائق