في مايو 2017 كُلف المحقق الخاص روبرت مولر بتولي التحقيق في ما إذا كانت روسيا تدخلت للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أوصلت الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض. التحقيق شمل الخطوات التي قال الديمقراط إن روسيا اتخذتها للتأثير في الانتخابات، والتواطؤ المحتمل مع أمريكيين أو أعضاء في حملة دونالد ترامب، أبرزهم أول مستشاريه للأمن القومي مايكل فلين.
استمر تحقيق مولر، والتحقيقات المترتبة على تحقيق مولر، والتحقيقات المتفرعة من تحقيق مولر، والتحقيقات في أسباب التحقيق الذي فتحه مولر بطول رئاسة ترامب تقريبًا.
رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراط آدم شيف كان من أكثر المتحمسين لهذه التحقيقات، ولتسريب مستنداتها للإعلام، لكنه امتنع فجأة عن نشر أحد التقارير التي رفعت عنها السرية.
هدد البيت الأبيض بنشر التقرير إذا لم تنشره اللجنة فاضطر شيف للنشر.. التقرير ببساطة كان يبرئ فلين من التواطؤ مع روسيا.
نُشرت التقارير.. وبدأت القصة
في التقرير، ظهرت مذكرة مكتوبة بخط يد أحد مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تكشف عن محاولات توريط مايكل فلين ودفعه إلى الكذب حتى يتمكن مسؤولو المكتب من ملاحقته.
ليصف ترامب التحقيق ككل بـ "مؤامرة من الدولة العميقة" لتخريب إدارته، ليتبعها بهجوم على المسؤولين الديمقراط السابقين والحاليين في إدارته ووكالات إنفاذ القانون، والذين يمثلون تلك الدولة.
الحديث عن الدولة العميقة ليس جديدًا على السياسة الأمريكية. أثيرت القضية في عهد ترامب نفسه على صفحات "نيويورك تايمز" في 2018، حين كتب من قال إنه مسؤول من دائرة الرئيس إن العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب يعملون على تعطيل جوانب أجندته، بدعوى افتقاده للمسؤولية الأخلاقية.
وهو ما يعتبر أول اعتراف بوجود ما يسمى بـ"الدولة العميقة" ويبدأ ترامب الحرب عليها الآن..
بيتر نافرو المتشار التجاري لترامب، يقول إن عمليات الإقالة تأتي في إطار إجراءات ترامب ضد من وصفهم بـ "عناصر الدولة العميقة".
النظرية السائدة تقول إن شبكة من موظفي الخدمة المدنية تحاول إحباط أجندة ترامب، والذين يسببون للرئيس وإدارته مشكلات هائلة، بحسب نافرو، الذي قال إن ترامب يعمل على طرد الأشخاص الذي يمثلون البيروقراطية، ويستبدل بهم مسؤولين لا يوالونه بالضرورة، لكنهم لا يعطلون جدول أعماله
حملة الإقالات بدأت قبل نشر التقرير بفترة، انطلقت في فبراير الماضي، بطرد مسؤول شهد ضده في محاكمة عزله أمام الكونجرس، وهو الضابط ألكسندر فيندمان، الخبير في الشأن الأوكراني. والذي طرد وفقًا لمحاميه بسبب شهادته ضد ترامب خلال محاكمة عزله في الكونجرس.
أقيل أيضًا كريستي جريم، المفتش العام في وزارة الصحة، والذي نشر نقريرًا عن النقص الحاد في اختبارات كشف فيروس كورونا المستجد ومعدات الحماية. وجاء في حيثيات الإقالة أن التقرير الذي نشره كان مزيفًا.
وفي 7 أبريل، أقيل جلين فايل، الذي عينه أوباما في وزارة الدفاع، والمشرف على خطة الإنقاذ الاقتصادي في أزمة كورونا، وأيضًا ميخائيل أتكينسون، المسؤول الاستخباراتي الذي شهد أمام الكونجرس بأن ترامب أساء استخدام سلطته للضغط على أوكرانيا لكي تجري تحقيقًا مع مرشح الرئاسة الديمقراط جو بايدن وابنه.
آخر القائمة كان ستيف لينك، المفتش العام في وزارة الخارجية. والذي نشر تقريرًا، الصيف الماضي، زعم فيه أن كبار المسؤولين في وزارة الخارجية يتعرضون لمضايقات بتهمة عدم الولاء لترامب. وحل محله ستيفن أكارد الذي عمل في السلك الخارجي، والذي كان مساعدًا سابقًا لمايك بنس.
حجم الإقالات تعتبر "غير مسبوق" على حد تعبير السيناتور الجمهوري ميت رومني، الذي صوت لإقالة ترامب في محاكمته أمام مجلس الشيوخ في يناير الماضي، لكن مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين دافع عن حق ترامب في اختيار إرادة يثق بها وتلتزم بتنفيذ سياساته، مضيفًا: لسنا في جمهورية موز، حيث يقرر عقيد أو ملازم ما هي السياسة".
"سي ان ان" التي تزعمت المعارضة ضد ترامب بمجرد توليه السلطة، كان لها نصيب من هجوم ترامب في هذه المسألة تحديدًا: "لا يريدون التحدث عن اضطهادهم لـ"الجنرال مايكل فلين"، عليها وآخرين أن يدفعوا ثمنًا باهظًا لما فعلوه عن قصد بهذا الرجل وعائلته".
صحيفة "واشنطن بوست" هي الأخرى حاولت إلصاق التهمة بمايك بومبيو، وقالت إنه هو الذي حث ترامب على إبعاد لينيك، مستندة على مصدرين مجهلين لم تسمهما الصحيفة، بدعوى فتح تحقيق في مخالفات ارتكبها بومبيو بنفسه.
صحيفة "نيويورك بوست" وصفت الوثائق المنشورة حديثًا بضربة أخرى لمصداقية وسائل الإعلام، التي داومت على استضافة مسؤولين ديمقراط، وعلى التأكيد بوجود تواطؤ بين روسيا وحملة ترامب، واستمروا في ذلك حتى بعد ظهور الأدلة على أن قضية التواطؤ خاطئة.
وول ستريت جورنال، وصفت القضية بـ "أسوأ القصص المفبركة في التاريخ السياسي الأمريكي"، وهاجمت بدورها إعلام الديمقراط، متساءلة: متى سيتوقف "الأصدقاء" في وسائل الإعلام عن لعب دور الأحمق عبر استضافة آدم شيف على الهواء؟
وقالت إنه رغم تمتع شيف بشخصية قوية وبإمكانية الوصول إلى الأسرار التي لا يمتلكها الآخرون، إلا أنه ضلل البلاد مرارًا في قضية استهلكت السياسة الأمريكية.
صحيفة "فايننشيال ريفيو" وصفت الحرب التي يشنها ترامب ضد "الدولة العميقة" بـ "مرحلة جديدة أكثر تقلبًا" حيث يسعى ترامب إلى تأكيد السيطرة على الحكومة التي يعتقد أنها ليست مخلصة بما فيه الكفاية، مشيرة إلى أن تبرئته في قضية العزل أعطته مزيدًا من الثقة، وبناءً عليها أظهر استعدادًا متجددًا للتصرف حتى لو طالته شكاوى تتعلق بانتهاك المعايير التقليدية.
لكن الديمقراط يقولون إنه نمط متصاعد ضد من يعتبرهم تهديدا لرئاسته، وفقًا لصحيفة "التيليجراف".