في 26 آذار/مارس 1979، وقع الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن أول معاهدة سلام بين دولة ناطقة بالعربية وإسرائيل، بإشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، منهية ثلاثة عقود من النزاع بين الدولتين.
“ربحنا أخيرًا الخطوة الأولى للسلام، وهي خطوة أولى على طريق طويل وصعب. علينا عدم التقليل من شأن العقبات التي لا تزال تقف أمامنا”، يقول كارتر، الذي وصف السادات بـ ” الرجل الذي صنع المعجزة”.
عارضت القوى الإسلامية واليسارية والناصرية فكرة توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل منذ اللحظة الأولى.
وسجل حزب العمل الاشتراكي “أكبر أحزاب المعارضة رسميًا في حينه” عشرة تحفظات على معاهدة السلام، لكنه صوت بتمريرها في مجلس الشعب، قبل أن يسحب التأييد في الذكرى الثانية لتوقيع المعاهدة.
وقاد حزب التجمع الرفض البرلماني للمعاهدة، فصوت نوابه برفضها، قبل أن تمرر بأغلبية 328 صوتًا وامتناع عضو واحد عن التصويت ومعارضة 15 عضوًا.
ثم كان موقف التيارات الإسلامية هو الأعنف، عندما أقدمت عناصر من تنظيم الجهاد على اغتيال السادات في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981.
ورفضت جماعة الإخوان المعاهدة التي وصفتها بالاستسلام، بعدما سحبت مصر من الصراع.
وانضم حزب الوفد الجديد لقائمة المعارضين، ما وضع زعيمه فؤاد سراج الدين بين قائمة طويلة من الشخصيات البارزة ضمن حملة اعتقالات سبتمبر/ أيلول 1981.
الأزمات طالت دائرة الحكم نفسها، باستقالة وزير الخارجية إسماعيل فهمي، ووزير الدولة للشؤون الخارجية محمود رياض، إثر إعلان السادات نيته زيارة القدس عام 1977، ثم استقالة الوزير محمد إبراهيم كامل، خلال المفاوضات بين السادات وبيجن وكارتر عام 1979.
وخلال مفاوضات كامب ديفيد، اتخذ الفريق المصري المفاوض موقفًا جماعيًا بمقاطعة حفل التوقيع في البيت الأبيض.
لا تزال الخلافات تفصل الموقعين على هذه المعاهدة عن بعضهم البعض وكذلك عن بعض جيرانهم الذين يخشون ما فعلوه للتو – كارتر
تصدرت الجزائر وسوريا وليبيا حملة ضد زيارة السادات، فقطعت علاقات مصر الدبلوماسية مع هذه الدول. وجاء عنوان التايمز البريطانية “وداعًا للتضامن العربي”.
وقررت الدول العربية مقاطعة مصر في مؤتمر بغداد 1978، الذي أعلن رفض اتفاقيتي كامب ديفيد، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة، وتعليق عضوية مصر “لحين عودتها لحظيرة العمل العربي المشترك”، قبل أن تؤكد قمة تونس 1979 قرارات مؤتمر بغداد
عارضت معظم الدول العربية الاتصالات بين مصر وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد لسببين:
اعتبر العرب أن قرار السادات بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل خيانة للقضية العربية؛ لأنه يشير إلى أن مصر لم تعد مستعدة لخوض حرب ضد إسرائيل لمساعدة سوريا والأردن والفلسطينيين.
اعتبر العرب اتفاقية الحكم الذاتي للفلسطينيين غير كافية؛ لأنها لم تضمن قيام دولة فلسطينية.
كنتيجة لهذه المعارضة، قوبل توقيع معاهدة السلام بانتقادات من جميع أنحاء المنطقة العربية.
وفي واشنطن، تظاهر نحو ألف شخص من جنسيات عربية مختلفة في حديقة لافاييت، على بعد مئات الأمتار من مقر حفل التوقيع، مرددين هتافات مناهضة للرئيس السادات.
ومع ذلك، فقد كانت القيادات هي التي حفزت في النهاية عملية السلام المصرية – الإسرائيلية، حيث تعاون الزعيمان السادات وبيجن طواعية وبدون انقطاع مع الوسطاء الأمريكيين، كما فاق دعم المصالح الوطنية كل الاعتبارات الأخرى. لقد أراد السادات عودة سيناء إلى السيادة المصرية، في حين سعى بيغن إلى إقصاء مصر عن الدائرة العسكرية العربية التي تواجه إسرائيل، مرة وإلى الأبد – معهد واشنطن
تضمن نص معاهدة السلام تأكيدًا على أن إطارها يهدف إلى توفير أساس للسلام يتجاوز مصر وإسرائيل إلى كل الجيران العرب الآخرين المستعدين للتفاوض من أجل السلام على هذا الأساس.
وأضافت المعاهدة أن منبعها كان الرغبة في إنهاء حالة الحرب وإقامة سلام يمكن لكل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمان، باعتبارها خطوة مهمة في البحث عن سلام شامل في المنطقة، وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي من جميع جوانبه.
ودعت مصر وإسرائيل الأطراف العربية الأخرى في النزاع إلى الانضمام إلى عملية السلام مع إسرائيل، مسترشدة بمبادئ الإطار المذكور أعلاه وعلى أساسها، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الدولية في أوقات السلم.
وفي خطاب توقيع معاهدة السلام، تحدث السادات عن الظلم الكبير الذي تعرض له الفلسطينيون، وناشد كارترَ دعمَهم، وطمأنتهم بأنهم سيكونون قادرين على اتخاذ الخطوة الأولى على طريق تقرير المصير وإعلان الدولة المستقلة.
وبجانب المعاهدة، وقع السادات وبيجن رسالة تقضي بإطلاق جدول زمني لمفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني بعد شهر واحد من التصديق على المعاهدة، لتستمر عامًا واحدًا.
دخلت مصر وبقية دول المنطقة العربية في حالة عداء مع إسرائيل منذ تأسيسها في 1948.
وخاض البلدان حروبًا متتالية في 1948، 1956، 1967، وأخيرًا في 1973، والتي انتهت بإجبار الولايات المتحدة إسرائيل على الانسحاب الجزئي من شبة جزيرة سيناء المصرية، التي احتلتها في 1967.
وبعد الحرب، بات السادات أول رئيس لدولة ناطقة بالعربية يزور إسرائيل، في نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، قبل أن يتوصل الطرفان إلى معاهدة كامب ديفيد بوساطة أمريكية في سبتمبر/ أيلول 1978، وبين نصوصها التوصل إلى معاهدة السلام خلال ثلاثة أشهر.
انقضت المهلة في 17 ديسمبر/ كانون الأول، دون أن يتوصل الطرفان للاتفاقية المرتقبة، لكن كارتر زار البلدين أملًا في إنقاذ الموقف، ليوقع السادات وبيجن المعاهدة بعد ثلاثة أشهر إضافية، وسط معارضة محلية وإقليمية واسعة.
وسبق توقيع المعاهدة شهورًا قاسية من المفاوضات، التي اختتمت فقط في وقت مبكر من صباح يوم التوقيع، بالتوصل إلى حل وسط بشأن القضية الأخيرة المتبقية، وهي الجدول الزمني لانسحاب إسرائيل من العريش وحقول سيناء النفطية.
وفق نصها الرسمي المودع لدى الأمم المتحدة، تتضمن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تسع مواد، وملحقا عسكريا، وآخر يتناول العلاقات بين الطرفين، ومحاضر متفقا عليها تفسر المواد الرئيسية للمعاهدة.
بمقتضى المعاهدة، استعادت مصر شبه جزيرة سيناء في 1982، بعد تفكيك المستوطنات وانسحاب الجيش والمدنيين الإسرائيليين إلى خط الحدود الدولية، وسمحت للسفن الإسرائيلية بالعبور الحر في قناة السويس.
ونصت المعاهدة على تبادل الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز التمييزية، والامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو اللجوء إليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم السماح باستخدام أراضي كل أقليم لتهديد الإقليم الآخر، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرين دوليين.
بحسب ديفيد ماكوفسكي، مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حققت مصر مكاسب واسعة حققتها مصر من المعاهدة على مدار العقود الماضية، بينها: