بعد ثورة إخناتون الدينية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وما تبعها من اضطرابات الحرب الأهلية المصرية، تراجع النفوذ المصري في آسيا، ليستغل الحيثيون، حكام الأناضول حينها، هذه الاضطرابات لقيادة تحالف ضد المصريين القدماء.
بدأ الملوك المصريون في ترتيب صفوهم استعدادًا لمواجهة الحيثيين، فأعاد حور محب ترتيب الشؤون الداخلية، قبل أن تنتهي حقبة الأسرة الثامنة عشر، ويبدأ حكم الأسرة التاسعة عشر برمسيس الأول، ثم سيتي الأول، الذب أطلق حملاته العسكرية ضد الحيثيين حتى وصل قادش علي الضفة الغربية لنهر العاصي في سورية، وعقد صلحًا معهم.
ثم جاء ابنه رمسيس الثاني فأطلق حملة كبرى لاستعادة النفوذ المصري على الشام.
رواية رمسيس الثاني للأحداث تقول إن الحيثيين حاولوا خداعه بأخبار مضللة وتصوروا أنهم قادرون على تطويق جيشه ونجحوا في ذلك في البداية، لكنه عاود تطويقهم سريعًا، وأجبرهم على الفرار تاركين متاعهم وعرباتهم الحربية بعد أن وصلت إليه إمدادت جديدة لجيشه.
وفي اليوم الثاني تحول المشهد إلى معركة بعيدة عن الحسم، فتمخضت عن توقيع أول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ.
قضى الإسكندر الأكبر على الأسرة الحادية والثلاثين من حكام مصر القديمة، لينتهي الحكم الوطني في مصر وتدخل في سلسلة ممتدة من الحكام الأجانب علىى مدار أكثر من الفي سنة. حكمت مصر من القسطنطينية (إسطنبول الحالية) مرتين خلال هذه الفترة. الأولى استمرت ثلاثمئة عام وكانت فيها تابعة للإمبراطورية البيزنطية.
العصر البيزنطى سنة 323 ميلادية عندما تولى قسطنطين الحكم وأصبح إمبراطورًا، فشيد على أطلال مدنية بيزنطة القديمة مدينة جديدة أسماها القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) وأصبحت عاصمة الامبراطورية الرومانية الشرقية؟
أدت هذه العوامل مجتمعة إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وفساد مالى وإدارى واقتصادى وضرائبي ومنازعات دينية وإلى أثارة الفوضى والنزاعات الانفصالية أحيانًا.
تخلل تلك الفترة عشر سنوات نجح فيها الفرس في إسقاط الإسكندرية وحكم مصر بدءا من سنة ٦١٨، قبل أن ينتصر هرقل عليهم سنة ٦٢٧. لتعود مصر تحت سيطرة القسطنطينية.
دخل المسلمون مصر في عام 641 ميلادية، وتوالى على حكم مصر حكام أجانب تابعون للدول الإسلامية المتعاقبة: الأمويين فالعباسيين حتى المماليك.
استمرت دولة المماليك في حكم مصر لقرابة خمسة قرون. ومع وصول السلطان العثماني سليم الأول للعرش، "بدأ التمهيد لغزو مصر معتمدًا على "العناصر المحلية الداعمة.
كانت العناصر المحلية الداعمة للغزو العثماني في مصر والشام شخصيات سياسية ودينية، كتبت لحاكم اسطنبول عريضة تدعوه إلى التخلص من حكام مصر والشام ويعدونه بالمساعدة في السيطرة عليها.
غزا العثمانيون الشام في الطريق إلى احتلال مصر، والتي أصبحت أسهل بعد هزيمة السلطان قنصوة الغوري في مرج دابق سنة 1516م، قبل أن يهزم طومان باي في الريدانية، فيتحل العثمانيون القاهرة سنة 1517م.
عادت مصر ولاية تابعة تحكم من أسطنبول، واستمر الاحتلال العثماني لمدة ثلاثة قرون. تواكبت القرون الثلاثة التي حكمت فيها إسطنبول مصر مع قرون النهضة الأوروبية. في حين انشغل العثمانيون بالحروب المستمرة دون نهضة فكرية توازيها. فغرقت مصر تحت حكمهم في ظلام مطلق ونسبي.
كان من الصعب دائمًا على العثمانيين السيطرة على مصر؛ على الرغم من إدارتها من قبل حاكم معين من إسطنبول ودفع الضرائب للسلاطين، إلا أن الدولة الواقعة على طول وادي النيل أظهرت دائما ميولا انفصالية
تحركت مصر إلى مزيد من الاستقلال قيادة محمد علي باشا، حاكم مصر، وشهدت بداية حركة نهضة مصرية. محمد علي باشا و ابنه إبراهيم باشا قائد الجيش، أقدما على غزو فلسطين وسوريا وألحق الجيش المصري الهزيمة بالجيش العثماني في معركة قونية، وهددتد بالإطاحة بالسلطان العثماني.
توغل إبراهيم باشا في عمق الأناضول، ووصل إلى مدينة كوتاهيا، على بعد 200 ميل من إسطنبول، ولولا تدخل المملكة المتحدة وفرنسا لسقط عرش السلطان.
تم احتواء التهديد المصري وإعلان أن مصر أصبحت مملكة لذرية محمد علي، وحصلت بذلك على شبه استقلال من الدولة العثمانية، وانفصلت عنها نهائيًا بعد سقوط الخلافة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، اتجهت الجمهورية التركية غربًا إلى أوروبا وبحر إيجه، تاركة مصر ودول الخليج والعالم العربي في طريق آخر، وهكذا ذهب البلدان في طريقهما المنفصل.
أدت الإطاحة بالنظام الملكي المصري في عام 1953 إلى مزيد من التوتر في العلاقات التركية المصرية، وأثارت الإطاحة بالملك فاروق والنخبة ذات الأصول العثمانية التركية غضب أنقرة.
وعندما بدأت الدعوة لإنشاء حلف غربي يضم دولًا عربية في الشرق الأوسط بقيادة بريطانيا لمواجهة المد الشيوعي، انضمت تركيا إليه. فكان حلف بغداد الذي تم الإعلان عنه عام 1955، والذي يضم أيضا بريطانيا والعراق وإيران وباكستان.
أعلنت مصر موقفها بوضوح في مواجهة الحلف، وسعت إلى انسحاب العراق منه، وهو ما حدث عام ١٩٥٨.
وقتها أعلن الرئيس التركي جلال بايار خلال زيارته لواشنطن أن الوضع في منطقة الشرق الأوسط يدعو إلى القلق، وأن الجناح الشرقى لتركيا يعتبر ثغرة فى الدفاع عن العالم الحر، فموقف عبدالناصر في الحرب الباردة، لم يؤد إلا إلى تعميق الهوة بين أنقرة والقاهرة.
مع التحركات التي شهدتها المنطقة في 2011 ظهر بوضوح دور تركيا في مشروع الإسلام السياسي، وفي 2013 اشتد الخلاف بين مصر وتركيا مع سقوط حكم جماعة الإخوان، فأدان أردوغان إزاحة الإخوان بعد 30 يونيو واعتبرها انقلابًا يفتقد إلى الشرعية، وأعقب ذلك تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
سقوط الإخوان كان مؤلمًا لأنقرة. من جهة لأن دعم أنقرة للإخوان المسلمين خلال الربيع العربي كان هدفًا محوريًا مدفوعًا أيديولوجيًا إلى حد كبير لإبراز نفوذها من خلال تعزيز قوة الإسلام السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومن جهة لأن الجماعة التي نشأت لإعادة الخلافة العثمانية بعد سقوطها تمنح إردوغان جيشًا من العناصر المحلية الداعمة، التي تروج لمصالح تركيا في المنطقة، وتخلق رأيًا عامًا يناسب توجهات أنقرة.
منحت تركيا لعناصرها المحلية الداعمة موطئا إعلاميا منطلقا من إسطنبول. حيث قدمت هذه القنوات وجهة النظر التركية باللغة العربية، ودافعت عن المصالح التركية في شرق المتوسط على حساب المصلحة المصرية.
لعبة تركيا ومصر الكبرى في الشرق الأوسط (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)