تعتبر الفطريات من أوائل أشكال الحياة المعقدة على الأرض.
ساهمت أولًا في تحويل الصخور ببطء إلى ما سيصبح تربة.
ثم في العصر الأوردوفيشي المتأخر، شكلت علاقة تكافلية مع النباتات الكبدية، أقدم النباتات. ليحدث ما تصفه كاتي فيلد، أستاذة تفاعلات التربة والنباتات بجامعة ليدز، بمساعدة النباتات في التحول من كائنات صغيرة هامشية تنبت على حافة الماء إلى غابات كبيرة تستضيف أنظمة بيئية متكاملة.
اعتمدت هذه النباتات المبكرة، التي تفتقر إلى الجذور، على شركائها الفطريات التي نمت داخلها ثم انتشرت إلى التربة المعدنية البدائية. في عملية تُعرف باسم التجوية البيولوجية؛ إذ تفرز الخيوط الفطرية الأحماض العضوية لإذابة الصخور واستخراج العناصر الغذائية الموجودة بداخلها، مقابل نقل النباتات للعناصر الغذائية المنتجة من خلال التمثيل الضوئي إلى الفطريات.
هذا التبادل عزز نمو وتطور وتنوع النباتات، ليتحول الكوكب إلى اللون الأخضر، مما أدى إلى تغيير تكوين الغلاف الجوي؛ إذ طورت النباتات آليات أكثر كفاءة لعملية التمثيل الضوئي.
قبل 360 مليون سنة، في العصر الديفوني، لم تكن هناك أشجار بعد، وكانت الحيوانات الوحيدة التي تعيش على الأرض هي اللافقاريات.
في هذا الوقت، كانت فطريات بروتوتاكسيتس الضخمة حاضرة بارتفاع يمكن أن يصل إلى ثمانية أمتار لتحتفظ بلقب أكبر المخلوقات حينها، بالدرجة التي حيرت العلماء لأكثر من 100 عام بعد اكتشاف حفائر بروتوتاكسيتس، إذ تجادلوا حول ما إذا كانت فطريات أو أشجار أو نباتات.
ووفقًا لبحث أجراه الدكتور فرانسيس هوبر من مؤسسة سميثسونيان، فإن بروتوتاكسيتس قد واجهت نهايتها على أيدي الحشرات المتطورة، التي بدأت في استخدامها كمصدر للغذاء.
منذ ما يقرب من 65 مليون سنة، كان من شأن ضربة كويكب أن تقضي على 70% من الحياة على الأرض، لكن هذا لم يحدث دفعة واحدة.
أدى غياب ضوء الشمس الذي أعقب تأثير الكويكب إلى أن الحياة النباتية التي لم تمت عند الاصطدام. بل بدأت في الاضمحلال، مما خلق الظروف الملائمة لانتشار الفطريات بسرعة.
عندما حدث ذلك، كانت للثدييات ميزة رئيسية واحدة على الزواحف ذوات الدم البارد، ثم بقية أشكال الحياة المهيمنة على الكوكب.
أرتورو كاساديفال، أستاذ الصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز، يوضح أن الزواحف معرضة تمامًا للأمراض الفطرية، لكن الثدييات النموذجية، التي تحافظ على درجة حرارة في منتصف الثلاثينيات أو نحو ذلك، تخلق منطقة حرارية إقصائية للفطريات.
هذه الثدييات التي تبقت أصبحت الأسلاف التطورية لكل حيوان ثديي على هذا الكوكب اليوم، من قط الزباد إلى جاموس الماء.
يقول روب دن، الأستاذ في جامعة ولاية كارولينا الشمالية: إن ذبول الدم الحار للثدييات، بما في ذلك نحن البشر، تطور جزئيًا كرد فعل للضغط من الفطريات.
بدون دور الفطريات في التحلل، كانت كل أشكال الحياة في الغابة ستدفن تحت جبل من المواد النباتية الميتة.
الفطريات هي عوامل التخلص من القمامة في العالم الطبيعي، وفقًا لأستاذة العلوم الحيوية بجامعة كارديف لين بودي، فهي تحلل المواد العضوية الميتة وتطلق العناصر الغذائية للنباتات لمواصلة النمو، وهي الطريقة التي يولد بها كل شيء من جديد، لتتواصل شبكة الحياة من خلال الفطريات.
باختصار، الفطريات تأكل الموت، وبذلك تخلق حياة جديدة.
تشكل خيوط الفطريات التي تربط الأشجار والنباتات طريقا سريعا تحت الأرض - يسمى شبكة الخشب الواسعة - تنقل العناصر الغذائية وترسل إشارات الخطر.
مومياء أوتزي، أو رجل الثلج، التي عثر عليها العلماء مجمدة في جبال الألب التيرولية، كان يحمل معه فطريات معلقة بشكل مزخرف عندما توفي، يعتقد العلماء أن استخدام هذه الفطريات كان روحيًا أو طبيًا.
تقول أورسولا بنتنر من جامعة إنسبروك: نحن نعلم الآن أن الفطريات تعزز جهاز المناعة وتساعد ضد السرطان والالتهابات ومضادات الفيروسات والبكتيريا، إذ تمتلك مجموعة كبيرة من الخصائص الطبية.
منذ آلاف السنين، كان البشر يخمرون البيرة ليس للاحتفال، ولكن لأن الخميرة - فطر وحيد الخلية - يجعل المياه الملوثة آمنة للشرب عن طريق قتل البكتيريا.
يقول روب دن: في تلك التجمعات المبكرة للبشر، كان الناس يتغوطون على كل شيء، وكان خطر الإصابة بالعدوى والمرض مرتفعًا للغاية، وكان مرتفعًا بشكل خاص من السوائل التي قد يشربونها . وبالتالي في هذا السياق، قد تكون المشروبات المخمرة قد زادت من قدرتنا على البقاء على قيد الحياة.
قبل مائة عام فقط اكتشف ألكسندر فليمنج البنسلين بالصدفة - من فطر يسمى البنسليوم - واستخدمناه لمكافحة الأوبئة البكتيرية التي استمرت في اجتياح الكوكب، ومنذ ذلك الحين، تضاعف عدد سكان العالم ثلاث مرات.
التعايش المتبادل الذي حدث بين الإنسان والفطريات يخرج الآن عن التوازن، حيث تنتشر الفطريات خارج المناطق المناخية التي عاشت فيها لفترة طويلة، وتتكيف مع البيئات التي كانت ذات يوم معادية، وتتعلم سلوكيات جديدة تسمح لها بالقفز بين الأنواع بطرق جديدة.
أثناء تنفيذ تلك المناورات، فإنها تصبح عوامل ممرضة أقوى، وتهدد صحة الإنسان بطرق - وأعداد - لم تكن قادرة على تحقيقها من قبل.
الفطريات مسؤولة عن الحياة على الأرض كما نعرفها (سي بي سي)
الفطريات القاتلة هي أحدث تهديد للميكروبات الناشئة في جميع أنحاء العالم (ساينتفك أمريكان)