بين الفستان والبوركيني | الحجاب الطوطمي على مذهب قناة اقرأ | هاني عمارة

بين الفستان والبوركيني | الحجاب الطوطمي على مذهب قناة اقرأ | هاني عمارة

28 Jun 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

الدين مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في التعاطي مع ظاهرة الإسلاموية نميل عادة لتقسيم التيارات إلى: إخوان – سلفيين – وسطيين. بينما يغيب عن التقسيم تيار كبير وقوي ومستقل لا يأتمر بالتيارات الثلاثة، وينتشر بشدة ليس فقط محليًا أو إقليميًا، بل عالميًا.

اتجاه لا أجد له عنوانًا مناسبًا إلا  “قناة اقرأ“.

الخروج عن “الباكيدج”

حين انتشر الحجاب مع بدايات الصحوة الإسلامية، ظهر في سياق مفهوم عام عند الإسلاميين له مرجعيته التراثية، وهو التستر والحشمة.

التستر يعني أن المرأة تغطي كل جسمها ما عدا الضروي لمباشرة الأعمال والتواصل: “الوجه والكفين”. أما الحشمة فمفهوم عام يتعلق بالسلوكيات المكملة للتستر مثل الوقار والتحفظ في الكلام والمعاملة وخلافه.

ما يعني أن الحجاب إسلاميًا ليس مقدسًا لذاته، لكن مجرد عملية تكميلية للمزيد من الحشمة والتستر لمن تريد الزيادة في التحفظ الديني.

بالتالي، كان طبيعيًا أن تنعزل المحجبة وتميل لعدم الاختلاط، مفضلة المكوث بالبيت إلا لضرورة. وفي الحياة العامة، لا تفضل الذهاب إلى أماكن الترفيه المخلة بمفهوم الحشمة، وبينها المصايف، أو تذهب إليها لكن لا تنزل البحر.

الحجاب هنا ليس مستقلًا، بل جزء مكمل لـ “باكيدج” متكامل لا جدوى منه ولا يصح بدونه. وهو ما يعبر عنه أصوليًا بشروط الحجاب الستة أو السبعة: منها ألا يصف (مجسم) وألا يشف (شفاف) وألا يكون زينة في ذاته (يحتوي على عناصر مثيرة وملفتة).. وهكذا.

لكنه خلق أزمة

كان طبيعيًا حينها أن من تتحجب ممن تمارسن عملًا عامًا يتنافى مع تلك الشروط، كالتمثيل أو الغناء مثلًا، أن تجلس في بيتها، أو تغير عملها إلى عمل آخر  لا يتعارض مع الحجاب.

لو سار الأمر بهذا النحو لربما حلت أكثر المشكلات:

1 – كان الإسلاميون والمتدينون سيصبحون أكثر اتساقًا مع مرجعيتهم التراثية بالمنظومة التشريعية القديمة.

2 – كانت الدولة ستسير وفق آلية حديثة، وفي نفس الوقت لا تبدو وكأنها تصادر الحريات الدينية مع حالة المزايدات المتعلقة باضطهاد المحجبات اللائي يحاولن فرض أنفسهن في أماكن وأعمال لا تتسق مع منشأ الحجاب وفلسفته الدينية.

3 – كان سيقل الاحتكاك والتشاحن الديني بين المحجبة وغير المحجبة في الحياة العامة.

هذا حدث فعلًا في مجتمعات غير مسلمة ذات أديان وعقائد ينتج عنها مجموعات دينية تفضل أن تعيش وفق نمط حياة قديم ديني أو اجتماعي مختلف.

من التحرش إلى قضايا ازدراء الأديان .. التطرف لا يفنى ولا يستحدث من عدم | خالد البري

لكن ما الذي حدث فعليًا؟

أواخر التسعينيات شهدت 3 ظواهر فارقة في الظاهرة الإسلاموية التي بدأت بالصحوة:

الأولى: الفضائيات والإنترنت وما ترتب عليهما من زيادة التواصل والانفتاح.

الثانية: الدعاة الجدد الذين كسروا منظومة الخطاب الديني التقليدية الرسمية ومزجوا بين الخطاب الديني والتنمية البشرية.

الثالثة: ظاهرة الإسلام الأوروبي الذي تمثل في أبناء المهاجرين والمسلمين الجدد، بالتزامن مع تنامي وتضخم ظاهرة المؤسسات والجاليات الإسلامية في الغرب، وما ترتب عليهما من مظاهر متناقضة تجمع بين قيم الشرق والغرب.

الظواهر الثلاث تمثلت مجتمعة في قناة اقرأ:

1 – أول قناة فضائية إسلامية كانت تتبع مجموعة ART.

2 – أول من قدمت الدعاة الجدد بمظهرهم الغريب التلفيقي، وجمهورهم المزيج بين محجبات وأنصاف محجبات وغير محجبات، مختلطات بشباب بمظهر عصري ومقدمات موسيقية.

3 –  كانت منبرًا مهمًا للتواصل مع المسلمين في الغرب من أبناء الجاليات والمسلمين الجدد، وقدمت الكثير من دعاتهم وما كانوا يحملونه من التبشير بنموذج الإسلام الأوروبي.

رمز ديني مستقل

السمة البارزة الوحيدة التي جمعت كل تلك الظواهر وكرستها قناة اقرأ هو الحجاب “غطاء الرأس فقط” وما عدا ذلك من باقي “الباكيدج” تحطم؛ بعدما كرست القناة فكرة طبقتها عمليًا وروجها الدعاة الجدد أن الحجاب رمز ديني لا يمنع الفتاة من عيش مفردات الحياة العصرية على النمط الأوروبي “حتى لو تناقضت مع باكيدج وفلسفة تأسيس الحجاب”.

قناة اقرأ قدمت الآتي عبر سنوات:

1- الداعيات المحجبات على النمط الحديث للدعاة الجدد.

2-  الأعمال الدرامية التي التي لا تظهر فيها ممثلة إلا بالحجاب، بالتزامن مع ظاهرة عودة بعض الفنانات المعتزلات للتمثيل بالحجاب.

3- المذيعة المحجبة ذات الماكياج الكامل والملابس العصرية.

4- المحجبات صاحبات المواهب من غناء وموسيقى والفاشونيست وخبيرة التجميل المحجبة.

4- خبيرة العلاقات الجنسية المحجبة.

من هنا، دشنت قناة اقرأ ومن خلفها الدعاة الجدد لفكرة الحجاب وكفى، فتحول من مجرد رداء تكميلي لمن تريد الاحتشام الديني الكامل، إلى أيقونة أو طوطم مقدس كعلامة على القبيلة عند علماء الأنثروبولوجي، حيث ترسخ أن الحجاب رمز إسلامي قائم بذاته، فيما يشبه عمامة السيخ وطاقية اليهود.

وكنتيجة لتقديس الحجاب لذاته، توسعت الظاهرة فشاهدنا الموديل المحجبة التي ترقص في الكليبات، وملكة جمال الحجاب، وراقصة الباليه المحجبة ولاعبة الجمباز المحجبة، والرياضية المحجبة. وكلها ظواهر في ذاتها تتناقض بشكل حاد مع منشأ ظاهرة الحجاب.

قبول الأنا .. البكيني يكشف نفسية الإسلامجية والبوركيني لا يغطيها | خالد البري

راقصة باليه محجبة

الحجاب الطوطمي

دعم هذه الظاهرة كذلك جماعات الإسلام السياسي؛ حيث سهلت لها خطتها لاختراق المجتمعات وفرض الأسلمة والحجاب من مظاهرها (حتى لو كان حجابًا أيقونيًا غير محتشم).

وكان من نتيجة ذلك خلل مفهوم الاحتشام. يتجلى هذا في النظرية السلبية والحساسية ضد غير المحجبة، حتى لو كانت ملابسها محتشمة، خصوصًا لو كانت ترتدي فستانًا، في مقابل تقبل ظاهر المحجبة بملابسها وماكياجها المتناقض مع فلسفة الحجاب.

ومع الربيع العربي وفشل مشروع الإسلام السياسي، وافتضاح وانزواء الدعاة الجدد، ذهبت  قناة اقرأ مخلفة تلك الظاهرة التي دشنتها: “الحجاب الطوطمي“.

تحولت مرتديات الحجاب الطوطمي إلى طائفة دينية تبحث عن وجودها وحقوقها الفئوية في أمور تناقض مفهوم الحجاب أساسًا، وتمارس خطابًا مزدوجًا بين الشرق والغرب: في الشرق مدعوم دينيًا، وفي الغرب مدعوم حقوقيًا وصوابيًا.

يتجلى هذا داخليًا في خطاب المظلومية المتكرر من منع مرتديات البوركيني من نزول حمامات السباحة في بعض النوادي، ومن شكوى بعض البنات المحجبات من منعهن من دخول صالات الديسكو.

شابة مسلمة منعت من حانة بسبب الحجاب

أما في الإسلام الأوروبي فأصبح الأمر أكثر فداحة، حيث تقاطعت الظاهرة مع تيار الصوابية السياسية، فظهرت المثليات المحجبات التي تتعارض مثليتها مع تمسكها بحجابها، وكوتة المحجبات في التمثيل السياسي.

محجبة مثلية

السلطة من أسفل .. الزوجة الثانية في مواجهة الإسلام السياسي | خالد البري | رواية صحفية في دقائق


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك