لا يعتبر ابن عربي فيلسوفًا رغم تأثيره على الفلسفسة الإسلامية؛ فبينما تعني الفلسفة اكتساب الحكمة من خلال البحث العقلاني، فإن "الشيخ الأكبر" يؤكد في أكثر من مناسبة على محدودية العقل الشديدة بما يعجزه عن استيعاب حقائق تتجاوز قدراته، مثل حقيقة الله نفسها، لذلك يحاول الاستعاضة عنه من خلال نظرية المعرفة الصوفية التي تسمح له باختبار وحدة الله.
يرى ابن عربي أن الأسماء الإلهية بلا حصر، تتجاوز بكثير الأسماء الـ 99 الأكثر شهرة بين المسلمين، لكنه يعتبر أن "الله هو الاسم الشامل الذي يتضمنها جميعًا، والوحيد الذي يشير إلى حقيقة الإله الكلية واللا نهائية واللا محدودة، فهو الجوهر الإلهي، والمصدر الأصلي لأي حقيقة أخرى.
الوحيد الذي يعرف الله عند ابن عربي هو الله نفسه، بينما العقل البشري لا يستطيع معرفة الجوهر الإلهي، لذا يستعيض عنها ببحث علاقة الله مع الكون، ومنها نعرف بعض صفاته، التي يقول إنها وحدة واحدة مع الجوهر الإلهي، لكنها جزئية نعرفها عبر التأثير الإلهي في الكون. مثلًا: لأن الله خلق الكون، نعرفه باسم الخالق، وهكذا.
ركز ابن عربي على التناقض بين أسماء الله: فهو "الرحيم" وهو "المنتقم" في نفس الوقت، ولهذا، كثيرًا ما يشير ابن عربي إلى أن الله هو الموحِّد الأعظم للأضداد.
لكنه مع ذلك لا يرى أي تناقض بين تلك الأسماء والصفات؛ فكلها صفات كامنة للجوهر الإلهي، تتمايز وفق علاقة الإله بالكون؛ كالضوء غير المرئي في ذاته، لكنه ينعكس على الأسطح فتظهر العديد من الألوان.
يؤمن ابن عربي أن معرفة الله أو تعريفه مستحيلة. لا يمكن الإجابة عن سؤال "ما هو الله؟"، باعتبار أن الله ليس شيئًا ولا محدودًا، بل هو "الوجود الخالص غير المحدود وغير النهائي".
وهنا، لا يمكن تقديم أي ادعاءات معرفية إيجابية عن الله، ففي جوهره، لا يمكن معرفة الله بأي طريقة. وبنفس المعنى، يرى ابن عربي استحالة تحقق"الشرك بالله"، باعتبار أن الوجود واحد، ويستحيل وجود وجودين، والله كذلك.
يركز ابن عربي على العلاقة الغامضة بين الله وخلقه، انطلاقًا من حديث قدسي يقول فيه الله لنبيه داوود: "كنت كنزا مخفيّا، فأردت أن أُعْرَف، فخلقت الخلق، فبه عرفوني"، وينطلق منه لفهم الخلق باعتبارهم تحقيقا لهدف تعريف الله بنفسه؛ إذ يمثلون أنماط العدم، أو نقيض الوجود الذي يمثله الإله كما قلنا.
كل ما سبق لا يعني أن ابن عربي مؤمن بوحدة الوجود؛ لأنه لا يعتقد أن الكون مطابق لله، بل فقط تجسيد أو انعكاس لصفاته.
من هذه الفكرة يتضح أن الله والخلق عند ابن عربي ليسا متطابقين، لكنهما ليسا منفصلين. ولذلك عندما يفسر ابن عربي آية "فأينما تولوا فثم وجه الله" بأن كل ما يظهر في الكون هو الله، فهو يعني أن كل ما في الكون يدل على صفات الله، وليس الجوهر الإلهي نفسه.
ابن عربي: بين الوجود والعدم (thecollector)
ابن عربي في علاقة الله بالخلق (thecollector)