إن أردت أن تسرق من مال نفسك، لن يلومك أحد.
حين نتحدث عن “الأمانة” نقصد الأمانة مع الآخرين.
حين نتحدث عن “الشفقة” على إطلاقها، نقصد الشفقة على الآخرين. “الرحمة”، بالآخرين. كن مهذبًا. في تعاملك مع الآخرين.. وهكذا.
إن أردنا أن نخصص نقول:
كن أمينًا مع نفسك. أو أشفق على نفسك، ارحم نفسك. تقبل نفسك كما هي. تسامح مع نفسك.
في العصر الحديث ظهرت صفات مركبة، أتينا بها من عالم آخر تقدم اجتماعيًا. وبعض معانيها ضاعت في الترجمة، أو ضاعت تحت وطأة تأثير ثقافي بالغ في تجريدها من معناها.
أهم هذه الصفات “قبول الآخر”.
لاحظ أنها لم تكتف بالعرف العام أن أي سلوك أخلاقي المقصود به سلوكك نحو الآخر. بل إنها أضافت لفظة الآخر إلى الصفة، لكي لا يكون هناك لبس.
ورغم ذلك – سبحانه يا مؤمن – الإسلاميون وغيرهم حوروا هذه الصفة لكي يكون معناها “قبول الأنا”. أي جعلوها تؤدي الوظيفة العكسية تماما.
طالب الآخرين دائمًا بـ “قبول الآخر”. أيها المرتديات “البكيني” اقبلوا من ترتدي البوركين. ولا تطالب نفسك أبدًا. فتكون النتيجة هي قبولك أنت على طول الخط.
الإسلاميون في الحقيقة يريدون عالمًا مفعمًا بالفضائل، بشرط أن يقترف الآخرون وحدهم هذه الفضائل.
يريدون عالمًا يقترف فيه الآخرون فضيلة احترام “الحرية الشخصية“. أما الإسلاميون فيستثنون أنفسهم. ليسوا ملزمين أن يقبلوا أن ترتدي أخريات الملابس اللاتي يردن. إذ لا احترام للحرية الشخصية إن استفزت ذكورتهم، كما يقول العَلَم الجديد، المرتدي عمامة الأزهر، والمبشر بقدومه، والحامل الآن لواءه بين الشباب. والذي لا تحاسبه الميديا الجديدة على “كراهية النساء” ولا “التحريض على كراهية الأقليات”، بل تكرمه.
ولو مددت البصر على هذا الخط ستكتشف أن تلك فلسفة حياة. لا تتوقف عند صفات حديثة مثل قبول الآخر واحترام الحرية الشخصية التي لا يرفعها الإسلاميون إلا ليطالبوا الآخرين بها.
تكتشف أن الموضوع قديم.
الإسلاميون يصرون على احترام الآخرين مقدساتهم، بينما يهللون لاستلاب مقدسات الآخرين.
الإسلاميون يصرون على احترام الآخرين حقوق الإنسان معهم، بينما لا يعترفون في أي من أدبياتهم بموضوع حقوق الإنسان. السرقة والقتل وانتهاك الحرمات والاغتصاب، وقل ما تشاء. يمكن إباحتها جميعًا بفتاوى استحلال للآخرين.
تحرشوا تصحوا: الحق والحقد والسينما النظيفة | خالد البري
لكن هناك درجة أسوأ، وهي نرجسية زوجة أبي سنو وايت. هنا لا تكتفي بالإعجاب بصورتك في المرآة. أنت تريد من الكون كله أن يشهد أن صورتك هي أحسن صورة. وأن تقضي على أي شخص يحول دون سماعك هذه الشهادة، أو إسماعك إياها.
هذا نوع من النرجسية نعيش رهائن لديه.
في الصراع يجب أن تتحلى بالقدرة على المصارعة، إن كان الصراع بالملاكمة يجب أن تتحلى بالقدرة على الملاكمة، وعلى حسب هذه القدرة العدوانية سيحكم عليك القضاة. إن كان الصراع بالقتل، كما في الحرب، يجب أن تتحلى بالقدرة على القتل، وإلا ستخذل المعتمدين عليك.
في السلم، يجب أن تتحلى بسلوك السلم. السماحة (مع الآخرين)، التعاون، التهذيب.
من الخطأ الشديد الظن أن هناك منظومة واحدة من السلوك تستحق أن توصف بأنها فاضلة أخلاقيًا في كل الظروف. لا بد من فهم طبيعة وبيئة التعامل. إن كان الفريق المقابل يصارعك، فهذه بيئة صراع. إن كان يسالمك، ولا يتحرش بك، ولا يعاديك لفظًا وجسدًا، ولا يهددك، فهذه بيئة سلام.
خبيث من يطالبك بالتحلي بسلوك السلام في وقت الصراع، وغبي إن استجبت له.
ونذل وغدار من يستغل اطمئنانك إلى السلم لكي يستخدم آليات الصراع. الغدر رذيلة الغدار في المرة الأولى، ورذيلة المغدور في المرة الثانية.
والخطأ هنا ستدفع ثمنه من جودة حياتك، يومًا بعد يوم.
سعر الحياة الحلوة | خالد البري | رواية صحفية في دقائق
أولئك هم الرابحون .. كيف يتفاعل الاقتصاد ونفسية المجتمع | خالد البري | رواية صحفية في دقائق