جون مكافي ابن عائلة فقيرة هاجرت من بريطانيا إلى الولايات المتحدة حين كان طفلًا.
استقرت العائلة في فيرجينا لكن أحوالها المادية لم تتحسن، واقترن الفقر بالمعاملة السيئة من والده مدمن الكحول، الذي أنهى حياته منتحرا عندما كان جون في سن الـ 15.
اعتاد جون القول إن انتحار والده لم يفارقه يوما.
رغم الفقر، تمكن مكافي من الالتحاق بكلية روانوك.
أدمن الكحول أيضًا مثل أبيه، لكنه على عكس الأب، كان يتمتع بموهبة البيزنس.. حيث بدأ أول مشروعاته صغيرًا عبر بيع المجلات وتوزيعها على المنازل.. وكانت نواة ثروته.
أول وظيفة حقيقية حصل عليها مكافي كانت في نهاية الستينيات من القرن الماضي وكانت في شركة تنتج أنظمة البطاقات المثقوبة الخاصة بتخزين البيانات، وكانت تلك أول علاقة له بالكومبيوتر، وبدأ فيها تعلم البرمجة وكتابة الأكواد قبل الانتقال للعمل في شركة ميزوري باسيفيك للسكك الحديدية، وهناك كان يساعد على تركيب أجهزة كومبيوتر IBM لترتيب مواعيد القطارات.
خلال هذه الفترة بدأ أيضًا إدمانه ينتقل من الكحول إلى المخدرات، لدرجة أنه ذهب إلى العمل تحت تأثير عقار الهلوسة عدة مرات. وفي إحدى المرات زادت جرعة المخدرات حتى دخل في حالة صراخ وهستريا حادة لدرجة الاختباء خلف صناديق القمامة.
بعد استعادة السيطرة على نفسه بعض الشيء، انتقل مكافي إلى وادي السيليكون وتنقل بين عدة شركات منها معهد ناسا لدراسات الفضاء، لكن ظل يفقد السيطرة ويتناول المخدرات والكحول بكثرة متزايدة.
لم يتمكن من الإفاقة حقًا إلا في 1983 أي وعمره 38 عاما.
مكافي كان يعمل في لوكهيد عندما ظهر أول فيروس كومبيوتر في 1986، كان مكافي يقرأ عن هذه البرامج التي تخترق الكومبيوتر وقرر أن يبدأ العمل على برنامج مضاد وأن يؤسس شركته الخاصة على هذا الأساس.
هنا ظهرت شركة McAfee Associates، وبحلول نهاية الثمانينيات كانت الشركة تحقق عائدات 5 ملايين دورلات سنويًا، وتستخدم منتجاتها كبرى شركات العالم في مجال مكافحة الفيروسات السيبرانية.
توالى النجاح السريع في التسعينيات حتى جاء فيروس "مايكل أنجلو" الذي أصاب عشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر واعتبره مكافي أسوأ فيروس في تاريخ الفيروسات حتى ذلك الوقت.
لكن "مايكل أنجلو" كان الفيروس الذي رفع أسهم مكافي إلى السماء؛ لأنه في ذلك الوقت لم يكن لدى أغلب الناس فهم حقيقي لضرورة وجود برنامج مضاد فيروسات..
وبعد مايكل أنجلو جاءت حمى شراء برامج مكافحة الفيروسات، وأصبحت شركة مكافي في البورصة وقيمتها عدة ملايين من الدولارات.
خلال عامين فقط، أي في 1994، قرر مكافي فجأة الاستقالة من إدارة شركته وبيع أسهمه فأصبح يتمتع بثروة تعادل 100 مليون دولار فجأة..
ودخل في فترة هدوء نسبي، يلقي محاضرة هنا ويدخل في مشروعات صغيرة هناك.
حتى جاءت الأزمة المالية العالمية 2008 وانهارت ثروة مكافي إلى 4 ملايين فقط.. فقرر بيع أراضيه وأغلب ممتلكه والانتقال إلى جزيرة بليز قائلا إنه يريد البحث عن استخدامات طبية للنباتات.
لكن في هذه الفترة بدأت أيضًا أفكار مكافي المعادية للضرائب في الظهور.
مكافي كان يرى أنه صنع ثروته بنفسه، وليس من حق الحكومات أيا كانت هذه الحكومات أن تأخذ ضرائب منها، وأعلن أنه ليبرتاري.
لكن مكافي لم يتوقف عند كراهية الضرائب وحسب بل كان يعتقد أنه مراقب على الدوام.
وانتقل للعيش في مكان فقير، ولم تعد له هواية سوى الذهاب إلى بار يراقب الناس يأتون ويذهبون.
وبعد 6 أشهر كتب أنه لم يعد لديه أدنى صلة بالمجتمع من حوله ولم يعد يهتم بمظهره ولا حتى بنظافته الشخصية.
في 2012 بدأت المغامرات الحقيقية لمكافي مع السلطات القانونية عند مقتل جاره "جورج فاول" بالرصاص. وحاولت الشرطة الاتصال بمكافي وأخذ أقواله فهرب بعد مقابلة الشرطة، وبعدها بوقت قصير اقتحمت الشرطة منزله بحثا عن أسلحة ومواد مخدرة.
مكافي نفسه لم يظهر اسمه في الأخبار إلا في ديسمبر 2012 عند القبض عليه في جواتيمالا بتهمة دخول البلاد بطريق غير شرعي هربا من بليز.. خلال احتجازه عانى مكافي من مشاكل صحية بالقلب قبل طرده من جواتيملا وإرساله لأمريكا.
وبمجرد وصوله لأمريكا أصبح نجما في الأخبار، المواقع تنشر كل تفصيلة ممكنة عن حياته والباباراتزي خلفه دوما.. كل هذا تسبب في ضغوط على نفسية مكافي المصاب بالبارانويا بلغت به أن نشر في 2013 فيديو بعنوان "كيف تلغي تثبيت McAfee Antivirus" وهو محاط بعدة نساء وتناول المخدرات ويحمل سلاحا..
اللقطة كانت تبدو نوعا من المزاح الثقيل لكنها تعبر عن انهياره.. لأن أغلب الأخبار عن جون مكافي بعدها كانت تدور حول شخصيته الغريبة وتصرفاته الأغرب.. حتى أعلن فجأة في 2015 أنه سيترشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية نيابة عن حزب السايبر الذي تأسس حديثا في مواجهة دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، ثم في 2016 غير انتماءه الحزبي إلى الحزب الليبرتاري.
انتقل مكافي إلى إسبانيا هربا من تهم الاحتيال والتهرب الضريبي وأعلن "ترشحه من المنفى" لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 عن الحزب الليبرتاري.
وظل في إسبانيا حتى تم إلقاء القبض عليه في أكتوبر 2020 بينما كان يحاول السفر إلى اسطنبول، والتهمة كانت التهرب الضريبي مرة أخرى بعدما كسب الملايين من عمله في مجال العملات المشفرة وإعلانه أنه لم يدفع ضرائب منذ سنوات.
بعد القبض عليه تحركت السلطات الأمريكية في إجراءات ترحيله من إسبانيا وتسليمه لواشنطن.. كانت تلك معركة جون مكافي الأخيرة.
في 22 يونيو أعلنت محكمة إسبانية الموافقة على ترحليه، وبعدها بأقل من يوم انتحر جون مكافي في زنزانته ببرشلونة يوم 23 يونيو 2021.
بعد وفاته أعلن محاميه أن سبب الانتحار هو الإجراءات القانونية الظالمة التي صممت على إبقاء موكله في السجن لأطول فترة ممكنة بينما هو يواجه أصلا حكما بالسجن 30 عاما حال إدانته.