تباينت آراء الخبراء في سبب وفاة الملك توت عنخ آمون. لكن تظل الملاريا أرجح الأسباب .
لسوء حظ الملك توت، حكم مصر في فترة مضطربة بعدما حاول والده إخناتون توحيد الآلهة المصرية تحت راية آتون، مما أشعل الاضطرابات في مصر، حتى رحل عن الحكم.
رغم إذعان توت لعبادة آمون، متراجعا عن سياسة أبيه "الدينية"، إلا أنه ظل محل شك وتوجس فلم يتمكن من السيطرة على البلاد، وبقيت حالة الفوضى تلك حتى مات بسبب الملاريا، ثم خلفه في الحُكم وزيراه القويان "آي" و"حورمحب" على التوالي.
قبض الرجلان على زمام البلاد، وألغيا كافية قرارات التوحيد الإخناتونية، وعادا إلى آلهة مصر القديمة، وعادت مصر أقوى، جزئيًا لأن توت لم يصمد أمام لدغة بعوضة الملاريا.
في 216 ق.م سعى الملك القرطاجي هانيبال لتحقيق حلم والده في القضاء على روما بسبب سنوات الصراع على امتلاك خطوط التجارة في البحر المتوسط.
نفّذ هانيبال أحد أجرأ العمليات العسكرية في التاريخ بعدما تجنّب بجيشه الأسطول الروماني القوي، زاحفًا برًّا عبر مناطق شديدة الوعورة، أبرزها جبال الألب، لينجح بالنهاية في اختراق العُمق الروماني، هازمًا الجيوش الرومانية التي حاولت إيقافه في عدة معارك، حتى وصل مشارف روما.
لم يحفظ روما من الجيش القرطاجي إلا المستنقعات المحيطة التي كانت ممتلئة بالبعوض، ليصاب آلاف الجنود بمرض الملاريا، وعلى رأسهم هانيبال نفسه، الذي فقد زوجته وابنه بسبب الملاريا، كما خسر عينه اليمني من جرّاء حمى الملاريا الشديدة التي أصابته،
عجزت قوات هانيبال عن اقتحام روما، واضطر لسحب قواته بعدما علم أن فرقة رومانية غافلته وهاجمت العاصمة قرطاج.
بنجاة روما، أصبحت "عاصمة العالم" لمدة زادت عن 700 سنة، البعوضة مهدت للإمبراطورية الرومانية طريق الازدهار، ونشر ثقافتها ولغتها اللاتينية وأنظمتها السياسية حول العالم بأسره.
في 1776م، فجّر الأمريكيون ثورتهم الأولى ضد الإمبراطورية الإنجليزية، ما أشعل الحرب بين البلدين.
تفوقت البحرية الإنجليزية بشكل ساحق. لكن فرنسا دعمت الثورة الأمريكية بحريًا، بما شجع الجنرال جورج واشنطن للهجوم على نقطة تمركز البحرية الإنجليزية في فيرجينيا ومحاصرتها.
كانت البحرية الإنجليزية قادرة على التماسك حتى يأتيها المدد من لندن، لولا انتشار الملاريا التي قتلت نصف الجنود تقريبًا، ليسلم الجنرال الإنجليزي كورنواليس، الذي أصيب بالملاريا هو الآخر، إلى الأمريكيين،
انتهى الصراع على الأراضي الأمريكية، ووافقت بريطانيا على التفاوض الذي اكتمل بتوقيع معاهدة باريس في 1783م حيث اعترفت بريطانيا بالولايات المتحدة كدولة مستقلة.
في 1880، بدأت أول محاولة فرنسية لشقِّ قناة بنما لوصل المحيطين الهادي والأطلسي. لكنها فشلت، كما ستفشل كافة المحاولات اللاحقة بسبب تعرّض أغلب عمال الحفر للموت.
لسنواتٍ طويلة، كانت بنما بيئة مثالية لنمو البعوض، السبب الرئيسي للإصابة بالملاريا، التي أصابت نحو سُدس السكان (80 ألف مواطن تقريبًا) من سكان محيط القناة.
لم يكتمل حلم إنشاء قناة بنما، إلا بعد اكتشاف أساليب ناجحة لمقاومة الملاريا. بداية من الرائد روس الذي اكتشف أن البعوض هو المُسبِّب الأول للمرض، ليبدأ الجيش الأمريكي برنامج تعقيم المنطقة تحت إشراف الطبيب العسكري الأمريكي وليام جورجاس.
نجح البرنامج، ولم يصب من القوى البشرية الضخمة التي عملت في المشروع إلا 9.6% عام 1905، انخفضت النسبة تدريجيا حتى بلغت 1.6% في 1909.