بتحدي المنافسين على أسس دينية تنجح حركات الإسلام السياسي بسهولة في الوصول إلى السلطة. لكن الجميع يكتشف أن خطتهم لا تشمل على ما بعد ذلك.
هنا تظهر الحقيقة. حتى الأساس العقائدي الذي قدمت به الجماعة نفسها لا يصمد أما تباينات الريف والحضر، والخلافات التأويلية للدين.
باختفاء الهدف الموحد، وهو الفوز في الانتخابات، تفقد الجماعة تماسكها العضوي سريعا.
والنتيجة هنا كارثة سياسية، لأن الفشل يصير محسوسا من قبل مواطنين لا تربطهم بالجماعة رابطة تجعلهم يتجاوزون لها الأخطاء.
تطور فكر الإسلام السياسي في العالم العربي من خلال الجمع بين هندسة النشاط الماركسي والتراث الأخوي الإسلامي، حيث تتوافق معالم وتكتيكات الأجندة المتشددة مع مطالب النشاط السري واليساري، وكذلك مع مراحل الدعوة النبوية: الوعظ السري، والوعظ العام، والرفقة، والنفي.
لكنها كغيرها من التنظيمات، تمر في رحلة وصولها إلى الحكم بسلسلة مع المعارك. والخصومات القاتلة، الحقودة، التي لا تنسى.
والنتيجة أن إدارتها للحكم تتحول إلى جولة في تلك الحرب، وتجعل الصدام مع القوى السياسية الأخرى حتميا وشرسا
تعتمد الثقافة الحركية الإسلامية على مجموعة من المفاهيم
أولاً، مفهوم القوة، والتي يُرى أنها نتاج استخدام القوة أو الهيمنة، وليس نتيجة الموافقة التي يتم الحصول عليها عن طريق الإقناع.
ثانيًا، إقرار السرية، حيث تعتمد هذه الجماعات على السرية والتعتيم في إدارة الأعمال.
ثالثًا، الطاعة، والتي تعني احترام التسلسل الهرمي بغض النظر عن العمر، الكاريزما، القوة.
رابعًا، احترام السلطة القائمة، ومقاومة أي خروج عن الشرعية بالعنف.
خامسًا، يد الله مع الجماعة، حيث ترى هذه الجماعات أن معها الحقيقة المطلقة، ولذلك ترفض التعددية، حيث تعتبر أن الله اختارها لقيادة الآخرين.
هذه المفاهيم مناقضة للسياسة بمعناها الحديث. فحتى أكثر السلطات استبداد لاتستطيع فرض ذلك على الجميع والحفاظ عليه فترة كافية.
بعد أن وصلت الأحزاب التابعة للإخوان للسلطة، رفضت تغيير أسسها العقائدية وقيمها المركزية، واختارت الاصطفاف مع القواعد السلفية في المجتمع.
لقد اعتقدوا أنهم سيجدون في نزعة المجتمع المحافظة بيئة خصبة لتطوير تزمت صارم للغاية، حيث يهدف مشروعهم الاجتماعي إلى الترويج لنموذج موحد للأسرة، يكون فيها الأب هو المسيطر، وتكون المرأة مسؤولة فقط عن الإنجاب.
هذا الهدف أفاد السلفيين أكثر من الإخوان، حيث يسعى السلفيون لتحويل المجتمع أكثر من الاستيلاء على السلطة،
فإن حاول الإخوان التنصل من المنهج السلفي بدا أنهم يستغلون السلفيين والتدين لترسيخ الحكم، ما ساهم في فك الارتباط بينهم وبين السلفيين، ومن ثم خسارتهم للكثير من القواعد الشعبية.
هذا الوضع المتراوح بين متناقضين، تحول من مكسب على الوجهين قبل الوصول إلى السلطة، إلى خسارة في كليهما بعد الوصول إليها..