كانت الرياض في 10 مارس 1957 على موعد مع ولادة أسامة بن لادن، من زواج والده محمد، ابن إحدى أكثر عائلات السعودية ثراء، من علياء الغانم (حميدة العطاس) السورية العلوية.
لكنه بقي بين والديه لثلاث سنوات فقط، قبل أن ينفصلا في 1960، لتتزوج أمه من رجل كان يعمل في شركة زوجها، بينما يتزوج والده بالتوالي من 11 سيدة على الأقل، لينجب ما مجموعه 54 طفلًا.
الأسرة لم تكن مجرد عائلة ثرية لا تملك إلا المال الوارد من إمبراطورية البناء التي شيّدت شطرًا كبيرًا من المملكة، بل كانت على علاقة قوية بذوي النفوذ، وقد تكفلت ببناء المسجد الأقصى بعد حريقه في الستينيات، وتولت أعمال توسعة الحرمين، فحظيت بمكانة كبيرة.
في هذه الأجواء، نشأ أسامة خجولًا ومتفوقًا في دراسته خلال سنوات التعليم ما قبل الجامعي. لكن سلوكه تغير تمامًا مع دخوله الجامعة.
عكس إخوته الذين سافروا للخارج، اختار أسامة بن لادن أن يواصل دراسته الجامعية داخل السعودية، تحديدًا في جامعة الملك عبد العزيز.
كان أسامة بن لادن صيدًا رائعًا لتنظيم الإخوان: طالب جامعي منطو - متدين - باحث عن هوية - وثري للغاية. وهي المهمة التي بدأها زميله الإخواني أسامة بمحمد جمال خليفة، الذي أصبح أقرب أصدقائه، وعرفه على محمد قطب، الأستاذ في نفس الجامعة بعدما وصل السعودية بعد إعدام شقيقه سيد قطب.
لم يدرس محمد قطب لأسامة في المدرجات الجامعية، لكن أسامة اعتاد حضور محاضراته العامة، التي واصلت التبشير بمنهج سيد قطب، ومنه تعرف على "معالم في الطريق".
لكن محمد قطب لم يكن وحده. كان أسامة على موعد آخر مع أحد أهم قيادات الإخوان التاريخيين، الفلسطيني عبد الله عزام، الذي تولى مسؤولية حشد الجماهير من أجل "استعادة المجد الإسلامي".
محاضرات عزام ألهبت مشاعر الشاب العشريني، فتتبعها، ثم تتبع عزام نفسه، الذي صار الأب الروحي لأسامة، فانضم حينها إلى إخوان الحجاز، الفرع الأكثر نشاطًا لتنظيمي الإخوان في السعودية حينها.
في هذه المرحلة تشكلت أفكار أسامة بن لادن، كما يقول تقرير لجنة 11 سبتمبر، الذي يشير إلى مدى تأثير أفكار الإخوان وسيد قطب على الرجل.
بالوصول لتلك المرحلة، كان أسامة قد وصل إلى درجة عالية من العزلة العاطفية التي تعرض لها بسبب التعاليم الراديكالية مثل "الحاكمية" و"الجاهلية"، و"المؤامرة الغربية ضد الإسلام"،
يقول صديقه جمال خاشقي: كان أسامة مثل الكثير منا ممن أصبحوا جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين في السعودية. الاختلاف الوحيد الذي يميزه عني وآخرين أنه كان أكثر تدينًا.. أكثر حرفية.. أكثر أصولية. لم يكن يستمع إلى الموسيقى. لن يصافح امرأة. لن يدخن. لن يشاهد التلفاز. لا يلعب الكوتشينة. لا يضع صورة على الحائط. كان هناك أيضًا جانب قاس أو راديكالي في حياته".
نفي عبد الله عزام في وقت لاحق من السعودية، لكن علاقته بأسامة استمرت، وصار مرشد أسامة الروحي، الذي حثه على الجهاد، ليسافر للمرة الأولى للانخراط في عمل جهادي في تركيا 1976 في رحلة قال بن لادن إن الإخوان تكفلوا بتكاليفها، ثم يستشهد بنجم الدين أربكان كسبب لرحلته دون توضيح للرابط بين أربكان وفكرة الجهاد.
في مطلع الثمانينات، لحق أسامة باستاذه عبد الله عزام إلى أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفييتي، حاملًا معه قسمًا صغيرًا من ثروة العائلة، استخدمه في شراء النفوذ وبسط سيرته على المجاهدين الذين توافدوا على أفغانستان بفضل حملات الحشد التي أدارها الإخوان حول العالم.
في فيديو حديث بعنوان "أيام مع الإمام" يستذكر فيه أسامة بن لادن، يعلن أيمن الظواهري سبب انقطاع مؤسس تنظيم القاعدة بتنظيم الإخوان في 1981.
يقول إن التنظيم طرده بسبب إصراره على القتال إلى جانب المجاهدين في أفغانستان بينما سمح الإخوان له فقط بإيصال المساعدات إلى باكستان دون الذهاب إلى ما أبعد من ذلك.
سبب تردد التنظيم في السماح لأعضائه بالقتال في أفغانستان كان خشية وقوعهم تحت تأثير الجماعات المنافسة.
مع ذلك لم تنقطع الروابط. التقاه مصطفى مشهور وحاول استعادته لصفوف الجماعة: "خرجت من إخوانك وتعود لإخوانك".
لكن بن لادن رفض العرض لاعتقاده أنه يسبق الجماعة. قال إن جماعات مثل الإخوان تدعو "مؤقتًا" إلى أنصاف الحلول، لكنها ستنتظم لاحقًا في قطار العنف الحهادي الذي سبقتها إليه القاعدة.
طوال مسيرته، حاول الإخوان الدفاع عن أسامة بن لادن.
عبد المنعم أبو الفتوح، العضو السابق في مكتب إرشاد الإخوان، والذي كثيرا ما كان يوصف بأنه أحد إصلاحيي التنظيم، قال إن جهاديي إسامة بن لادن أبرياء من هجمات 11 سبتمبر، واعتبرها "عملية كبيرة للغاية تورطت فيها دولة وليس أفراد، في ما وصفها بـ "جزء من مؤامرة."
القيادي الآخر صبحي صالح اتهم اللوبي الصهيوني بالتورط في الهجمات.
وبعد اغتيال أسامة بن لادن في 2011، أصدر الإخوان في مصر بيانًا في إشارة إلى بن لادن باعتباره "الشيخ" كما أشادوا بـ "المقاومة" في العراق وأفغانستان، التي ينسب الفضل فيها إلى بن لادن.
ولدي أسامة.. والدة زعيم “القاعدة” في حديث للمرة الأولى (الجارديان)
أسامة بن لادن وجماعة الإخوان السعودية (فورين بوليسي)
الإخوان في مصر يتمسكون بأسامة بن لادن (ذا أتلانتيك)
روابط الإخوان بداعش والقاعدة (مشروع مناهضة الإرهاب)
أوراق بن لادن تكشف أن الإخوان هم من شكلوه (ذا ناشونال نيوز)
الأساس الأيديولوجي لأسامة بن لادن (جامعة كانساس)