في 1599م، زار رحالة أوروبي منطقة الأهرامات، وسجّل فيها عمليات حفر منتظمة بحثًا عن جثث المصريين القدماء.
يقول: "كان يجري الحفر يوميًا، للوصول إلى مومياوات المصريين القديمة، لم تكن فاسدة بل كانت كاملة، الأطباء والصيادلة يرغموننا على ابتلاعها"!
إشارة أخرى في التاريخ البريطاني عن مداومة الأوروبيين على أكل لحوم المصريين القدماء بحديثه عن مومياء مصرية، قدّمها الرحالة بقوله: "جسدها كان كاملاً، لكن طعمها سيء"!
اعتُبر تناول مومياوات المصريين القدماء أحد أشهر العلاجات الشعبية التي عرفتها أوروبا، وهو ما أنتج نشاطًا تجاريًّا محمومًا على نبش قبور المصريين القدماء وتوريد الجثث المحنطة إلى أوروبا حيث يُمكن أكلها.
شاع هذا النشاط لدرجة أصبح معها نباشو المقابر غير قادرين على تلبية كافة الطلبات المنهمرة عليهم، فلجأوا إلى الغش وباعوا إلى الأوروبيين لحوم المتسولين وحتى لوح الإبل على أنها "جثة مصرية قديمة".
خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، اعتقد الأطباء الأوروبيون أن لحم الجثة الطازج، بما يحويه من دهون ودمّ ساخن وعضلات يُمكنه أن يُعالج الأمراض التي استعصى علاجها بالأدوية المتاحة في ذلك الوقت.
بعض الأطباء وضعوا شروطًا مثالية لـ"الجثة الشافية"، جاءت كالتالي: جثة رجل ضارب في الحُمرة، كامل، في منتصف العشرينيات، حظيَ بموتٍ عنيف.
كما اعتقدوا أن الجمجمة يُمكنها أن تقوم بدور علاجي إضافي، بفضل نوع من الطحالب كانت تنمو داخل عظام الرأس بعد موت صاحبها، هذه الطحالب تمتّعت بفوائد علاجية كبيرة.
وكذلك، ساد الظن بأن الإفرازات الناتجة عن سحق عظام الجمجمة أو تقطيرها يُمكنها أن تشفي من الصرع.
يقول عالم الأنثروبولجيا الإنجليزي إدوارد تيلور: إن شُرب دمِّ الإنسان دافئًا وطازجًا يقي من الأمراض.
لهذا استمر الأطباء الإنجليز في اعتبار الدم "الحديث والساخن" دواء للصرع حتى 1747م، وتحديدًا "الدماء الشابة" التي تسري في أجساد الفتيان والعذراوات، لهذا كان الإقبال عليهما أكبر من غيره.
صحيح أن هذا الاعتقاد شاع جدًا في هذه الفترة، لكن بعض هذه الظنون يعود للعهد الروماني، فلقد اعتاد الرومان شُرب دماء المصارعين الرومان القتلى في حلبات المصارعة؛ ظنًّا منهم أنهم سيحظون بالحيوية والقوة اللذين كانوا يملكونهما.
لم يغفل أطباء ذلك العصر فوائد "أكل روح الإنسان"، وخلال هذا الزمن، كان الاعتقاد السائد بأن الروح -وإن كانت كيانًا غير مادي- إلا أنها تتغلغل في خلايا الجسد، وبالتالي فإن أكل هذه الخلايا يضمن أكل الروح معها، وهكذا يحقق المريض فائدة مزدوجة، لأن الروح هي جوهر الحيوية الإنسانية!
ولهذا كان الحرص على تناول المومياوات المصرية بالرغم من مرور آلاف السنوات على دفنها، لكن ساد الاعتقاد بأن التحنيط الذي حافظ على الجثة متماسكة حافظ أيضًا على روحها.
وكان الإقبال الأكبر على أكل جثث أفراد حظوا "بموتٍ عنيف"، لأن الأطباء اعتقدوا أن الموت الهادئ كالنزيف أو الاحتضار بفِعل الشيخوخة يُساهم في خروج الروح سريعًا من الجسد.
أما الموت العنيف كالغرق أو الاختناق فإنه يساعد على تفجر الروح في أنحاء الجسد وبقائها فيه لفترة طويلة، فاعتقد المفكرون الأوروبيون أن روح الشخص المخنوق تبقى داخله لـ7 سنوات.
وساد الاعتقاد أن تناول جثة ضحية ماتت بالعنف سيطرد أي أرواح شريرة تُسبب الأمراض في الكبد والقلب والرأس.
لأسبابٍ غير واضحة تمامًا، حقّقت هذا الآراء رواجًا ساحقًا بين قادة الرأي الأوروبيين، وأوصى به كثيرون - أو على الأقل لم يعارضوها - على رأسهم علماء يتمتّعون بمكانةٍ علمية كبيرة، مثل: الفيلسوف فرانسيس بيكون، والشاعر جون دون، والكيميائي روبرت بويل، وجون بانيستر جراح الملكة اليزابيث.
أعدّ الطبيب الإنجليزي توماس ويليس مشروبًا من عظام الجماجم المسحوقة، ادّعى أنه يفيد في علاج السكتة الدماغية.
لذا لم يكن غريبًا معرفة أن الملك تشارلز الثاني كان يُعالج خلال فترة احتضاره بدواء استُقطر من جمجمة بشرية.
كما وصف الأطباء الألمان ضمادات منقوعة في دهونٍ مستخرجة من جثث البشر لعلاج النقرس، فيما اعتبر الطبيب السويسري الشهير باراسيلسوس، ظهر في القرن الـ16، أن شُرب الدماء الطازجة مفيد جدًا، وأوصى أتباعه بشُربه ساخنًا حتى لو انتُزع من جسدٍ حي.
الفقراء الذين لم يكن بمقدورهم تحمُّل تكلفة العلاجات الباهظة، كانوا يقفون أمام منصات الإعدام كي يلحقوا بجثة الضحية فور قطع رأسه، ليحظوا منه بأي شيءٍ طازج يخفف آلامهم، ولو كوب صغير من الدم الطازج.
واستمرّ "العلاج بالجثث" في أوروبا حتى القرن الثامن عشر الميلادي، ومن إنجلترا وصلتنا وصفة طبية عتيقة لطبيب ينصح رجلاً مريضًا بأكل "مسحوق جمجمة شابة مخلوطًا بدبس الرمان" للعلاج من الصرع.
وفي ألمانيا كان لا يزال متاحًا من 100 عامٍ مضت، وظلّت المومياوات تُباع ضمن مستحضرات الأدوية، وفي 1908 جرت آخر محاولة معروفة لاستقطار دمِّ شخصٍ أُعدم فوق المقصلة.
أطباء آكلي لحوم البشر في وقت مبكر: لماذا كانت الجثة المحنطة تعتبر دواء (historyextra)
التاريخ المروّع لأكل الجثث كدواء (smithsonianmag)