يقول أحمد حمروش، أحد الضباط الأحرار، إنه عند اندلاع ثورة يوليو 1952، لم يكن هيكل صديقًا لجمال عبد الناصر؛ إذ كان له مقربون آخرون مثل إحسان عبدالقدوس، ومصطفى أمين، وحسين فهمي، وغيرهم.
لكن هيكل، الذي كان حينها رئيسًا لتحرير مجلة آخر ساعة، كان أكثر الصحفيين فهمًا لطبيعة المرحلة، وقُدرة على التعامل مع عبد الناصر، فرأى جمال أن الرجل قادر على ترجمة أفكاره وأحلامه، فقرّبه إليه لأنه كان محتاجًا له،
وهو ما اتّضح على أفضل ما يكون في كتاب "فلسفة الثورة"، والتي استطاع فيه هيكل أن يصيغ كل ما يدور في ذهن جمال.
يحكي الصحفي فتحي غانم، أن هيكل كان مشتاقًا ومستعدًا لهذا الدور قبل قيام الثورة بكثير، فخلال عملهما معًا كان يقول له "الحاكم يحتاج لصحفي يُعبّر عنه، وسأكون أنا هذا الصحفي.
وربما، هذا ما يُبرِّر المقالات الرنّانة التي كتبها هيكل بحقِّ الملك فاروق والتي تفيض بأبلغ عبارات المدح والثناء، قبل أن ينقلب عليه لاحقًا!
اعتبر سفير مصر الأبرز في الاتحاد السوفييتي، مراد غالب، أن هيكل كان "مصدر معلومات" رئيسي لعبد الناصر، وأن أغلب الشخصيات الغربية التي كانت تسعى للقاء عبد الناصر تعيّن عليها ترتيب ذلك مع هيكل أولاً.
بالرغم من وجود مكتب معلومات تابع للرئيس يشرف عليه سامي شرف، إلا أن عبد الناصر صنّف هيكل كمصدر استثنائي للمعلومات، وربط معه قناة اتصال مباشرة لا يُشرف عليها أحد. وهو ما منحه أهمية "معلوماتية" نادرا ما تتوفر لصحفي
وفي مذكراته، خصّص فصلاً كاملاً للحديث عن هيكل، وكان في مجمله سلبيًا، بعدما اعتبر غالب أنه طوال قيادته لوزارة الخارجية لم تتوقف مساعي هيكل للتدخل في عمله.
وبحسب غالب، فإن هيكل كان يغضب عندما لا يُحاط علمًا بما يقوم به السفراء من مهام، واشتكى للرئيس من ذلك.
في عهد عبدالناصر، كان هيكل يتعامل مع الجميع بتعالٍ مُبالغ فيه، ويروي غالب أن هيكل أحرج السادات ذات مرة في عشاء جمعه ببعض الشخصيات العامة، بسبب طريقته المتكبرة في التعامل معه.
ويرى غالب، أن هيكل لم يكنّ ودًّا كبيرًا لباقي رجال عبدالناصر - وخاصةً علي صبري-، لذا ساعد السادات في بداية حُكمه ليتخلص منهم حتى يكون الرجل الأول للرئيس، لذا اعتبره مراد المُخطِّط الاول لما عُرف وقتها بتصفية مراكز القوى.
جمعت علاقة سيئة بين هيكل والفريق محمد فوزي، أول قائد للجيش المصري بعد النكسة.
لا نملك الكثير من التفاصيل عن تفاصيل توتر هذه العلاقة، لكنها ظهرت في العديد من المواقف.
منها ما حكاه الصحفي في الأهرام عبده مباشر، حين أوقفه فوزي، وزير الحربية، وعنّفه قائلاً: قول لهيكل اتلم، وإلا فالعقاب بِانتظارك.
وبالتأكيد فإن لهذا الموقف الغاضب من فوزي صلة بانتمائه لمجموعة علي صبري وشعراوي جُمعة، التي تكتّلت ضد السادات لدى وصوله إلى السُلطة حتى أطاح بهم جميعًا وسجنهم بتأييدٍ كبير من هيكل.
لاحقًا عند تأريخ هيكل لحرب أكتوبر، تجاهل دور فوزي في اعادة بناء الجيش، ونسب الفضل كله للفريق عبدالمنعم رياض، الذي توفي قبل قيام الحرب.
اعتبر الصحفي موسى صبري أن هيكل أضمر له دائمًا العداء، لاعتقاده المُطلق أنه يتفوّق عليه في الكفاءة والموهبة، ولا يفرق بينهما إلا أن هيكل وصل لعبدالناصر أولاً.
يُدلل على ذلك، من وجهة نظره، بكتابته تحقيقًا شهيرًا حمل اسم "قصة ملك و4 وزارات"، نشره في مجلة آخر ساعة، التي كان هيكل يرأس تحريرها، وفور صدورها حققت نجاحًا كبيرًا غار منه رئيس التحرير، فأمر بنشر باقي حلقاتها في صفحات مهمّشة كيلا تنجح بأكثر من اللازم!
ويعتبر صبري في مذكراته، أن ظاهرة هيكل أحد أشكال تأميم الصحافة المصرية، بعدما اكتفى عبد الناصر بأن يكون هناك صحفي واحد في مصر هو المصدر الوحيد للأهرام، قلّده رئاسة تحرير الأهرام ثم رئاسة مجلس إدارتها مع إدارة أخبار اليوم أيضًا.
يقول: تحولت كل الصحف -باستثناء الأهرام- إلى نشراتٍ روتينية، وتميّز الأهرام بأخبار الدولة واتجاهات عبد الناصر ومقالات هيكل التي تُبرر كل قرار، واختل تمامًا ميزان عدالة النشر.
يحكي موسى صبري، والعهدة عليه، أنه حين اعتزم الترشح في انتخابات مجلس الأمة عارضه هيكل، وهدّد أنصاره بعدم التعاون معه وإلا عاقبهم، وعندما رشحه مصطفى أمين ليكون رئيسًا لتحرير الأخبار اعترض هيكل، فرفض عبد الناصر هذا التعيين.
وبحسب صبري، فإن هيكل حين أصبح وزيرًا للإعلام لم يكفّ عن مناوشته خلال رئاسته هو لتحرير جريدة "الأخبار"، حتى أنه اشتكى للسادات قائلاً "قول لهيكل يحلّ عنّا بقى.. كفاية"!
“مع عبدالناصر والسادات”، مذكرات مراد غالب أنا وعبد الناصر والسادات، عبده مباشر (كتاب)
50 عامًا في الصحافة، موسى صبري (كتاب)
الصحافة والثورة.. ذكريات ومذكرات، رشاد كامل (كتاب)