الذئب ابن يعقوب | هل يعيد اعتراف محمد حسين يعقوب بجهله الدم الذي سال بسببه؟ | أحمد متاريك

الذئب ابن يعقوب | هل يعيد اعتراف محمد حسين يعقوب بجهله الدم الذي سال بسببه؟ | أحمد متاريك

16 Jun 2021
أحمد متاريك دقائق.نت
الدين السعودية مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

منذ سنواتٍ مضت، كنتُ لا أزال وقتها طالبًا في الثانوية العامة، شهدت بلدتنا حدثًا كبيرًا. ازدانت الشوارع بشوادر الأفراح، عُلِّقت الزينات على الأسطح.. كلا، لم نكن نستعد لزيارة رئيس الجمهورية كما قد تتخيّل.

سألتُ عن الزائر الميمون الذي انقلبت له البلد، فأخبروني أن الشيخ محمد حسان سيُلقي خُطبة بين المغرب والعشاء.

خلال تلك المرحلة، كنتُ أعيش أعتى مراحل تجربتي الدينية، التي أحسب أن أغلب جيل الثمانينات مرَّ بها؛ والتي تشمل التوغل في الأعماق إلى حدِّ التطرف، بعضنا – مثلي – نجا منها سريعًا، وآخرون حُشروا في تروسها للأبد ولم يخرجوا منها أبدًا.

لأقرِّب لك المشهد الذي عشته وقتها، سأدعوك لمشاهدة هذا الفيديو، الذي لم يختلف كثيرًا عمّا حدث.

المهم، كنتُ في مُقدِّمة حضور الحدث الحسّاني، افترشتُ الأرض قبالة مسجد الجمعية السُنية منذ الظهيرة، اكتويتُ بالشمس وصرخ ظهري وجعًا من التقرفص على الحصير، لكنّي احتملتُ طمعًا في الاستماع لنفحات الشيخ الجليل، الذي طلَّ أخيرًا وسط غابة من صيحات “الله أكبر ولله الحمد” ليقول نصف ساعة من الكلام الفارغ – حسبتُه وقتها مهمًا – ثم قُمنا لأداء الصلاة ندعو له باستمرار الفتوحات الإلهية على رأسه ولسانه.

لا أتذكر حرفًا من خطبة محمد حسان بعد مرور هذه السنوات. لكني لم أنسَ أبدًا وصيتين قالهما في نهاية خطبته؛ الأولى: أن نتجنّب مشاهدة التليفزيون “الشيطان الأكبر”، والثانية أن نُداوم الاستماع لـ”الشيخ الجليل”محمد حسين يعقوب.

زمن محمد حسين يعقوب.. كيف ولماذا؟

لفهم اللحظات التي سطع فيها نجم محمد حسين يعقوب وإخوانه، لنعيد عقارب الساعة إلى لحظة فارقة؛ الطائرات الإسرائيلية تُغير على المطارات المصرية في 5 يونيو 1967، وتدكُّ طائراتها الحربية، ومعها يهرول الجنود المصريون إلى الضفة الغربية من القناة تنفيذًا لقرار انسحاب اتخذه وزير الدفاع عبد الحكيم عامر.

كانت مذبحة زلزلت تجربة جمال عبد الناصر حتى مات. لكنه لم يكن المتضرر الوحيد.

نصر حامد أبو زيد يقول إن تلك اللحظة مثّلت منعطفًا فارقًا في الهوية المصرية ككل؛

منعطفًا دفعنا ثمنه جميعًا طوال السنوات التالية؛ بعدما تراجعت الآمال الاجتماعية في “القومية” لصالح الطائفية؛ حل “الدين” محل “الوطن”، والشيوخ بدلًا من المفكرين،

وباتت مصر مهيئة تمامًا لـ “باعة الدين” بكل ما يُقدموه من خلطة تمزج العواطف الدينية بإعادة أحلام استعادة الأمجاد.. وصفة لن تخيب في ظروف كتلك.

بعدها أتى عصر السادات، الذي سعى لتقزيم الناصريين والماركسيين، فأفسح المجال بأبرز ما يكون للقوى الإسلامية، وكانت الأرض مهيئة لزرعهم فأينَعَ سريعًا، وبحسب مذكرات القيادي الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح، والذي كان زعيمًا للشباب الإسلامي في جامعة القاهرة، بأن أية مشكلة كانت تعيقه كانت تُحلّ فورًا بأمرٍ من رئيس الجامعة شخصيًا.

فاتن حمامة قرأت بالضبط ما ستعيشه مصر بعد نكسة ١٩٦٧ وأوجزته بتعبير مؤلم | الحكاية في دقائق

أنا كمواطن استفدت إيه؟

ترعرُع الإسلاميين أتَى على حساب الدولة التي كانت تزداد ضعفًا، وهو ما تجلّى في أوضح صوره في عهد مبارك؛ انتشرت جمعيات الإخوان الأهليّة في كل مكان تُقدِّم خدمات اجتماعية وطبية موازية لدور الدولة – فُتحت قنوات دينية على مصراعيها يقودها شيوخ لا ينتمون حتى لذراع الدولة الديني “الأزهر” ويُعادون الخطاب الديني الرسمي بشكل علني.

ومن خلال هذه القنوات المتلاحقة، بزغت ظاهرة محمد حسين يعقوب ومحمد حسان وحازم شومان وبقية رفاق الشِلة التي لمست فراغًا في الهوَى الديني الشعبي المصري، فتقدّموا خطوة للأمام، وكان لهم ما أرادوا.

دخلَتْ شرائط محمد حسين يعقوب وكتيباته كل بيت، وتابعه الملايين عبر قناته التي لم يكفوا عن متابعتها، رغم أنه لم يتلقَ تعليمًا دينيًا منتظمًا أبدًا، وكانت أقصى شهادة علمية حصل عليها “دبلوم معلمين”.

اعتذارك لا يكفي.. فالثمن كان باهظًا

في 2019، اعتذر الداعية عائض القرني عن الفتاوى المتشددة التي أصدرها تيار الصحوة، الذي أسّسه القرني بصحبة سليمان العودة وآخرون.

تباينت الكثير من ردود الفعل حول الخطوة، بعضها رحّب وبعضها عارض، وأهمها في رأيي نصف سطر دوّنه الممثل ناصر القصبي “اعتذارك لا يكفي، فالثمن كان باهظًا”.

هذا هو بيت القصيد، فما قيمة اعتذار القرني بعد فتاوى فرضت على السعودية عشرات السنوات من العُزلة، وساهمت في نشر التطرف في أرجاء العالم الإسلامي بأسره؟!

هل يُعيد هذا الاعتذار الدنيا إلى كانت عليه؟

هل عوّضت المراجعات الفقهية التي أُجريت للجماعات الإرهابية في السجون، قطرة واحدة سالت من أكثر من ١٢٠ شخصاً قُتل على أيديهم حول مديرية أمن أسيوط عام 1981؟

في مثل هذه المواقف، لا يحضرني إلا مرتضى منصور رئيس الزمالك، وهو يسبّ حكمًا “ظلم” الزمالك في مباراة، فعقّب على قرار إيقافه: “لما توقفوه، أنا استفدت إيه؟!”.

بعد أعوامٍ من عشرات الإطلالات الساخنة من “رجل غزوات الصناديق” الذي لم يترك فرصة لإطلاق العنتريات يمينًا ويسارًا؛ اعتبر فيها الإطاحة بالإخوان “حربا على الدين”، والمساس بالمادة الثانية من الدستور (مادة الشريعة الإسلامية) “على جثته”.

منذ 7 أعوام طلَّ محمد حسين يعقوب بكل وضوح، معلنًا أن الدستور والقانون لا يخصونه وأتباعه في شيء، وفوز محمد مرسي في الانتخابات “خير لا نستحقه. رئيس مسلم.. ألا تكبرون؟!”

ليس الحلال والحرام | تعدد الزوجات يمرر المرأة على الشيخ قبل تابعيه ..وضع يليق بهم | خالد البري

قال: أنا جاهل.. لكنه لا يكفي

ها هو محمد حسين يعقوب يطلُّ في محكمة، ينكر انتماءه للسلفية ويعتبر الإخوان “جماعة تسعى للوصول إلى الحكم، ولا يجوز التعصب إليها”، وهي الأفكار التي لم يكفَّ أبدًا عن ترويجها في خُطبه ما قبل 30 يونيو، أما الآن فبعد أن انفضَّ مولده بلا حمص، تنكّر لكل السموم التي حشَى بها رؤوسنا على مدار السنوات الفائتة.

قدّم اعترافًا تأخر 40 عامًا، حينما قال للقاضي “أنا جاهل”.

كلما مرَّت عليّ هذه المشاهد، استعدتُ جلستي صغيرًا في الشمس وأنا أستمع لتخاريف محمد حسان والذين معه، وغيري ممن أضاعوا أعمارهم ركضًا وراء هؤلاء المشايخ من منبر إلى منبر؛ قاطعوا التلفاز، ارتدوا الساعة في اليمين، دعّموا الإخوان المسلمين في الانتخابات، غطّوا نساءهم بأكبر كمية يملكونها من القماش، كانوا على استعدادٍ للموت من أجله.

تحوّلوا إلى ذئابٍ، ذنب دمائهم جميعًا في رقبة “ابن يعقوب”.. مهما حاول إقناعنا بالعكس.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك