الصوابية السياسية | لماذا يكره اليسار تدريس الإنجليزية في مصر؟ | جون إدوارد

الصوابية السياسية | لماذا يكره اليسار تدريس الإنجليزية في مصر؟ | جون إدوارد

30 Jun 2021
جون إدوارد
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الصوابية السياسية ظهرت كمحاولة لتجنب الخطاب والسياسات التي تنطوي على عُنف معنوي؛ كوسيلة للتخلص من أشكال ممارسة القوة على الأقليات.

على هذا المبدأ، لا يختَلِف اليمين ولا اليسار.

لكن الإشكالية بدأت في العقدين الأخيرين حين تحولت الصوابية السياسية إلى وسيلة قمع يديرها اليسار لتحقيق أجنداته السياسية.

الأمر أشبه بـ “شُرطة الأخلاق” التي لها أن تصم كل من يخالف توجهاتها السياسية بالعنصرية أو تحقير الآخر، لتتحول إلى وسيلة اضطهاد معاكس تمادى تأثيرها ليشمل العلوم الإنسانية والطبيعية والفن والأدب، لينتقدها بعض مُنظِّري اليسار أنفسهم.

المُفكِّر الماركسي سلافوي جيجيك يلخص إشكالية الصوابية السياسية الأساسية في كونها استخدامًا للغة لتغطية تراتُبيَّة القوة في المُجتمع لا لحل مُشكلة تِلك التراتُبيَّة.

بمعنىً آخَر، اللغة بالفعل هي إحدى مُقوِّمات إنتاج القوّة والسُلطة في المُجتمع. لكنها ليست العامل الأوحد، وهذا ما تُغفله الصوابية السياسية حين تصُب كُلّ تركيزها على شقين: الخطاب المعسول تجاه الأقليات، مقابل الخطاب الذي يتسرَّع في وصم الأغلبيات بالعنصرية ومُمارسة القوّة.

لاحظ أن النقد الموجه للصوابية السياسية ليس نقدًا للحريات أو لحقوق الأقليات، لكنه نقد لتعارضٍ داخلي في الفكرة نفسها. إن أردت أن تتخلص من أدوات القوّة في المُجتمع، فآخر ما تُريد إنتاجه هو آداة قوَّة جديدة تُخرس الألسنة.

حرية التعبير في الجامعات | صرخة ترامب تلاحق اليسار في أوروبا | س/ج في دقائق

الصوابية السياسية واللُغة

في أروقة الجامعات الأوروبية، ظهرت العديد من الأصوات التي تتبنى الصوابية السياسية لتُطالب دول العالم الثالث بوقف تدريس اللغة الإنجليزية – واللغات الأوروبية عمومًا – لكونها مُنتجات استعمارية فُرضت على الدول المُستعمرة. 

نعم، لا أحد يُنكر أن انتشار الإنجليزية والفرنسية وغيرها من اللُغات هو نتاج الاستعمار. لكن، هل يُمكن تسيير التّاريخ في إتجاهٍ مُعاكس؟ هل حين تتوقف دول العالم الثالث عن تعليم اللغة العالمية Lingua franca يُمكن أن تزول آثار الاستعمار الاقتصادية والثقافية والسياسية؟ هل زيادة عُزلة مواطني دول العالم الثالث بفرض تصوُّر أخلاقي يمنعهم من تعلُّم لُغة التجارة والعلوم والتكنولوجيا هو خُطوة تجاه إصلاح مُجتمعاتهم؟ أم خُطوه تجاه مزيد من الفقر وإعدام فُرص الترقِّي الإجتماعي والثقافي والسياسي؟ 

تِلك هي إشكالية العديد من تيارات اليسار عمومًا، وبالأخص إشكالية الصوابية السياسية: حصر حُلول المُشكلات الكُبرى في خطوات ضيِّقة غير مُمكنة التطبيق في الواقِع.. الكثير من الكلام المعسول، القليل من الخطوات الفعلية التي يترتب عليها الإصلاح المُجتمعي والاقتصادي.

الصوابية السياسية والعلوم

سنة 1976، نشر ميشيل فوكو كتاب تاريخ الجنسانية History of Sexuality الذي طرح فيه تمييزًا ما بين النوع البيولوجي كمُنتج طبيعي والهوية الجنسية كمُنتج إجتماعي يُبنَّى ويُكوَّن داخل المُجتمع والثقافة واللغة. 

في أغسطس 2020 نشرت ديبرا سوه كتابها The End of Gender  أو “نهاية النوع” وعلَّقت فيه على سياسة الإلغاء التي واجهتها حينما طالبت بالتأنِّي وتقديم البحث العلمي في قضايا التحوُّل الجنسي. 

تروي سوه بعض حالات التحول الجنسي في سن الثالثة! وتُرجِع هذا الأمر إلى الإعلام المُوجَّه الذي يُخاطب مشاعر الآباء ويُهددهم بأن أبناءهم سيُحاولون الانتحار إن لم يتسنَّ لهم تغيير هويّاتهم. 

المُعضل في الأمر هو التطرُّف في توجيه القضية قديمًا بتجاهُلها ووصمها، وحاليًا بالتسرُّع فيها وتشجيع التحوُّل من سن صغيرة.

تتساءل سوه عن: لماذا لا يُسمح للعِلم بالإدلاء برأيه؟ لماذا يوصَم كُل بحث علمي قد يُعارض ما استقر في الإعلام بالهرطقة! هذا تحديدًا ما أنتجه الصوابية السياسية .. عقيدة لا يتسنَّى للعِلم أن يُبدي رأيه فيها.

بعد كتاب سوه بثمانية أشهر عانى أكاديميّ مرموق آخر وحاصل على جائزة “إنساني السنة” هو ريتشارد دوكنز. 

نشر دوكنز تغريدة يطرح فيها نقاشًا حول الهجوم الذي يتعرض له الفرد حين يصف رجلًا بكونه رجُلا إن كانت رغبة ذلك الرجُل أن يُعرف بكونه إمراة. كل ما فعله دوكنز كان أن طرح نقاشاً. كانت النتيجة سُبابًا وهجوما انتهى بسحب الجائزة التي حصل عليها منذ 25 سنة! 

الصوابية السياسية والأدب

في السنوات الماضية، طالب اليسار بمنع تدريس روايتين أمريكيتين في المدارس، وهُما The Adventures of Huckleberry Finn للكاتب الشهر مارك توين، و To Kill a Mockingbird للكاتبة الأمريكية نيلي هاربر لي، وقد مُنعت الاولى بالفعل في مدارس ولاية فيلاديلفيا. 

السبب أن الروايتين تصِفان العُنصرية التي تعرض لها الأمريكان الأفارقة. لاحِظ أن كِلا الروايتين تصِف الواقِع الذي كُتبتا فيه، كِلا الروايتين تعترض على تِلك العُنصرية بشكلٍ واضح ومُباشر، ولكنها مُنعتا لمُجرَّد وصفِ الواقِع. 

في الرواية الثانية مثلًا، يتهم المُجتمع الأبيض رجُلًا أسود باغتصاب فتاة ويُزَج به في السجن. وفي النهاية يُقتل حين يُحاول الهروب، وتكشِف القصة أن الأب هو المُتهم وأن الرجُل الأسود كان بريئًا، وتم الزجّ به عمدًا وكرهًا من المُجتمع الأبيض. 

هُنا أيضًا نعود للإشكالية نفسها، عدم قُدرة الصوابية السياسية حتى على قبول وصف الواقِع السيئ والرغبة في تغطيته بحلو الكلام. 

لكن كما شرح جيجيك أن التحايُل على الواقِع بإخفاء بعضه وتجميل البعض الآخر لا يتعدَّى كونه هروبًا من الإشكاليات لا حلًّا حقيقياً لها.

القمع بالصوابية

ما يواجهه العالم حاليًا هو ظهور قمع جديد، قمع الخطاب والرأي. ظهرت “عقيدة مُستقيمة” جديدة لا تقبَل النقاش.

لا يُمكن أن تجِدَ ترحيبًا في المجالات الأكاديمية إن اعترضت علميًا على أطروحة يُريد الإعلام والأجندات السياسية ترويجها، حتى وإن كانت تساؤلاتك في صُلب تخصصك الذي يختص العلم الطبيعي بإدلاء الرأي فيه.

أما في الأدب فحدِّث ولا حرج، وما طال الأدب طال التاريخ والفنّ .. ووسائل التواصل الاجتماعي.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك