النبي محمد ينحدر من أصول يهودية.
كان هذا الطرح واحدًا من المحاور الأساسية التي اعتمد عليها الباحث الإسلامي محمد جبارة في كتابه “محمد، مُغيِّر العالم”.
في كتابه، سعى جبارة على تقديم إعادة قراءة جديدة لسيرة الرسول عبر تسليط الضوء على الروايات الأقل شيوعًا.
الحكاية في دقائق
بحسب كتب التاريخ الإسلامي، فلقد بجّلت مكة هاشم بن عبد مناف (جد أبي النبي محمد)، واعتبرته خير فتيانها.
اشتهر هاشم بحبِّه الخير وإطعامه الفقراء في المجاعات، وبراعته في التجارة.
كان هاشم من أوائل من استنّوا طقس "رحلة الشتاء والصيف" إلى الشام واليمن، إلا أن الشام كانت الخيار المفضل لهاشم لسهولة طريقها ولكثرة ما تسكن فيه من القبائل الصديقة لأهل الحجاز.
خلال إحدى رحلاته إلى الشام، نزل هاشم في يثرب ضيفًا على يهود بني النجار، الذين ينحدرون من قبيلة الخزرج، وكانوا من أهم أهل المدينة وأكثرهم جاهًا وثراء.
خلال زيارته، رأى هاشم سلمى بنت عمرو بن زبيد، فأحبّها وخطبها.
لم يتعجّل هاشم الزواج بها، وإنما خطبها ثم سافر إلى الشام لاستكمال تجارته ثم عاد إليها في طريقة رجوعه وأخذها معه إلى مكة.
لا نعرف تاريخ هذا الحدث بشكلٍ دقيق، لكنه في أغلب الأحوال وقع عام 430م
فبحسب تقديرات المؤرخين، وقعت هذه الزيجة قبل البعثة النبوية بـ180 عامًا.
وفي كتابه أواصر القربى والنسب في بلاد العرب القديمة"، اعتبر المؤرِّخ روبرتسون سميث أن ما جرى بين سلمى وهاشم أحد أشكال زواج المتعة التي كانت سائدة قبل الإسلام.
تُقدِّم الرويات شخصية جدة النبي في إطار من الاحتفاء: فهي امرأة ذات مالٍ وجمال، تحبُّ قومها وتضحي بحياتها لأجلهم.
قبل اقترانها بهاشم، تزوّجت سلمى من أحيحة بن الحلاج وأنجبت منه ولدًا اسمه عمرو.
رغم ذلك فإنها لما علمت أنه ينوي الغدر بقومها، ربطته بحبل ونزلت من دارها وهرعت إلى قومها وحذرتهم من الخطر المقبل.
أيضًا، اشتهرت بشخصيتها القوية حتى أنها اشترطت على جد النبي أن تعطي لنفسها حق الطلاق منه إن شاءت. وعلى ألا تلد إلا بين أهلها ووافق على ذلك.
وبالفعل، عندما بلغت سلمى أيام حملها الأخيرة في "عبدالمطلب" نقلها هاشم إلى يثرب خلال إحدى رحلاته التجارية، وتركها وغادر إلى غزة.
أنجبت سلمى طفلاً أسمته "شيبة الحمد"، والذي سنعرفه لاحقًا بِاسم "عبدالمطلب"، وهو جد النبي.
آخر خبر نعلمه عن سلمى، هو أن عبدالمطلب تربّى معها حتى بلغ عامه السابع ثم أخذه عمه المُطلب للإقامة في مكة.
بعدها ينقطع حديث كُتب التاريخ تمامًا عن سلمى النجارية.
فهل جرت عملية منظمة لإخفاء شخصية "سلمى النجارية" عن الأنظار؟
لا أحد يمتلك الإجابة، لكن الأقرب للمنطق أن مؤلّفي كتب التاريخ الإسلامي أهملوا -عمدًا- التعمٌّق في تتبع سيرتها حتى لا يعطوا أهمية لذلك الفرع اليهودي من نسب النبي.
أهمية هذه الزيجة، أنها تعقد رابطًا عائليًا مباشرًا بين الرسول وبين إحدى جماعات اليهود، وهم بنو النجار.
فأبناء سلمى من زوجها الأول أحيحة، اليهوديان: معبد، أنيسة، هما في نفس الوقت أخوان من الأم لعبدالمطلب جد النبي.
كما شاع في كتب التاريخ الإسلامي الإشارة إلى "بنو النجار" إلى أنهم "أخوال النبي".
أحسن بنو النجار استقبال النبي فور قدومه إلى المدينة، ووقفت بعض فتياتها ينشدن له (نحن جوارٍ من بني النجار/ ياحبذا محمد من جارٍ).
قابل النبي تلك التحية بأحسن منها، فلما دخل المدينة وتنازعه القوم لكي ينزل عندهم فقال "إنما أنزل على بني النجار، أخوال عبدالمطلب، أكرمهم بذلك".
ونصّت "صحيفة المدينة"، التي وقّعها الرسول مع أهل يثرب على منح يهود بني النجار حقوقهم الأساسية في التعامل بالعدل والقسط مع المسلمين.
ومن أشهر من أسلم من بني النجار، الشاعر حسان بن ثابت والصحابي أبو أيوب الأنصاري ورواي الاحاديث أنس بن مالك.
وبحسب البخاري، فإن الرسول قال لصحابته "خير دور الأنصار بنو النجار".
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء، محمد لطفي جمعة (كتاب)
الطبقات الكبرى، ابن سعد(كتاب)