أحاديث شجر الغرقد.. هل وقعت معركة آخر الزمان ضد اليهود زمن النبي؟ | هاني عمارة

أحاديث شجر الغرقد.. هل وقعت معركة آخر الزمان ضد اليهود زمن النبي؟ | هاني عمارة

20 May 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في صحيح البخاري، عن أبي هريرة أن النبي قال: (لا ‌تقوم ‌الساعة حتى يقاتل المسلمون ‌اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ ‌اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا ‌يهودي خلفي، فتعال فاقتله). وزاد فيها (إلا الغرقد، فإنه من شجر ‌اليهود).

والحديث نفسه رواه البخاري بلفظ قريب بدون زيادة شجر الغرقد.

الحديث من ركائز تديين القضية الفلسطينية في أدبيات الإسلام السياسي. 

وكما ذكرنا في أحاديث فتح القسطنطينية بأن لها روايات مطولة لا يدعم سياقها إسقاطها على محمد الفاتح، فأحاديث شجر الغرقد لها نفس السياق الذي لا يدعم إسقاطها على واقع فلسطين. لكنها تعرضت لتجاهل متعمد.

روايات أخرى مطولة أخرجها ابن ماجة في سننه، وذكرها نعيم بن حماد في الفتن، تضع الحديث ضمن سياق أشمل في آخر الزمان ونصرة اليهود للدجال، ونزول المسيح لنصرة المهدي، فيقتل الدجال في “اللد” وينهزم اليهود فيختبئون خلف الحجر والشجر، فينطق عليهم، إلا شجر الغرقد.

تلك الروايات تحمل كذلك تناقضات فيما بينها، سنحاول فكها وإعادة بناء منشئها وتطورها التاريخي:

1- توقيت المعركة: زمن الرسول أم آخر الزمان؟

أورد البخاري الحديث بصيغة أخرى عن عبد الله بن عمر: (تقاتلون اليهود). والرواية من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر، أصح أسانيد البخاري بإطلاق، أو ما يطلق عليه “سلسلة الذهب“.

ورواه مسلم من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر، وهو كذلك من أعلى الأسانيد، حيث يقدمه أحمد بن حنبل وغيره على إسناد نافع.

رواية ابن عمر  أعلى من رواية أبي هريرة. والاختلاف في ثلاثة:

1 – الخطاب مباشر للصحابة (تقاتلون) بخلاف رواية ابو هريرة (يقاتل المسلمون اليهود).

2 – لا تحدد وقت المعركة ولا تربطها بعلامات الساعة.

3 – لا ذكر لـ شجر الغرقد.

فرواية ابن عمر يمكن حملها لفظًا كنبوءة لحروب الرسول ضد يهود المدينة. ويدعم التصور أن مرويات ابن عمر – خصوصًا من طريق نافع – لا يعرف عنها عادة أحاديث الفتن، بخلاف مرويات أبي هريرة.

التفسير قد يخالف ورود كلام الحجر والشجر والدواب عن اليهود، وهو ما لم يرد في معارك النبي. لكن، يجاب على ذلك من وجوه:

الأول: المعنى مجازي: “لن ينفعهم تحصنهم”. والتأويل أشار إليه الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث: “ويحتمل المجاز بأن يكون المراد: لا يفيدهم الاختباء”. وقد يكون هذا معنى آية سورة الحشر عن غزوة بني النضير: “وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله”.

الثاني: حضور الحجر والشجر في غزوات النبي، حيث تحصن اليهود في خلف بساتينهم التي شكلت سياجًا نباتيًا لقراهم، حتى أن النبي أمر بإحراقها وقت الحصار.

الثالث: في سيرة النبي معجزات شبيهة بكلام الحجر والشجر، منها ما يتعلق باليهود، وبينها نطق الشاة المسمومة، وكلام الأشجار عن قدوم جن نصيبين وسماعه لهم وكانوا من اليهود، والحجر الذي سلم على الرسول.

2- اعتقاد الصحابة أنهم في آخر الزمان

تصور آخر قد يجمع روايتي ابن عمر وأبي هريرة، وهو اعتقاد الصحابة أنهم في آخر الزمان فعلًا، ويدعمها أمور:

1 – رويات كثيرة تربط بداية علامات الساعة بظهور النبي.

2 – أحاديث كثيرة صريحة في إسقاط أحاديث الفتن على أحداث معاصرة لزمن الرسول.

3 – أحاديث مباشرة ظاهرها أن الصحابة اعتقدوا أنهم في زمن ظهور الدجال، كاشتباههم في اليهودي ابن صياد بأنه الدجال، وحديث تميم الداري في رؤيته للدجال والجساسة.

بهذا السياق، يمكن تفسير رواية أخرى لابن عمر تربط حرب اليهود بقدوم الدجال للمدينة، وهي ضعيفة عند المحدثين لعلتي السند والمتن؛ كون الدجال يحاصر المدينة فتكون معركة اليهود في المدينة لا الشام، وهو مدخل لفهم النقطة التالية.

4 – ورود ذكر الحشر في غزوة بني النضير. والحشر من أسماء القيامة. لهذا كره ابن عباس وسعيد بن جبير تسميتها بسورة الحشر وسموها “بني النضير”. وقال ابن حجر: “كأنّه كره تسميتها بالحشر؛ لئلا يظنّ أنّ المراد القيامة، وإنّما المراد إخراج بني النضير).

وجاءت روايات في الطبري وغيره تؤكد أن الشام هي المقصودة بأرض الحشر وملاحم آخر الزمان.

3- الرواية الكاملة وسياقها في الشام

أما الرواية الكاملة، فتأتي في سياق موسع عن معركة المهدي في الشام والدجال القادم من إيران ومعه 70 ألف يهودي، فينزل المسيح ليقتل الدجال، ويقتل المسلمون اليهود من بعده.

والقصة تتشابه مع النبوءات المسيحية في الشام قبل الإسلام عن معركة آخر الزمان الممهدة للمجيء الثاني للمسيح. ويكون الخصم فيها اليهود، في سياق كان يدعم الإمبراطورية البيزنطية المسيحية  ضد الفرس الساسانيين، والتي غطيناها في مقالتي (ميلاد الرسول والتشابه بينه وبين المهدي).

بهذا السياق، لو استبدلنا المسيحيين بالمسلمين، سنجدها تتطابق مع الأحاديث التي نحن بصددها، بما يفسر اختفاء المسيحيين من القصة.

وعليه، يمكن فهم الرواية الكاملة كإعادة بناء للنبوءة المسيحية وفق سيناريو إسلامي يخدم الأمويين ضد التمرد في المشرق.

ومما يؤيد التصور هو حضورها بشدة بين الرواة الشوام، ومنها الحديث المذكور من طريق عمرو بن العلاء الحضرمي، وهو من التابعين الموالين لمعاوية، وكان قاضيًا وخطيبًا لحمص، وقتل في صفين.

4- اختلاف مرويات الشيعة

ومما يدعم الجانب السياسي الأموي الشامي في تلك المرويات هو غيابها في مرويات الشيعة الإمامية؛ حيث لم يذكر الشيعة اليهود أو الدجال في معركة المهدي الذي اقتبسوا كثيرًا من علاماته من مسيح اليهود المنتظر، ومعركته بالأساس ضد السفياني (الأمويين).

ومن يراجع “عصر الظهور” لـ “علي الكوراني”، وهو أساسي في الأصولية الشيعية المعاصرة، يجد أنه اضطر لاستدعاء المرويات السنية في معركة اليهود، مخالفًا نزعته الطائفية؛ لجعل قضية فلسطين ضمن علامات ظهور مهدي الشيعة، حيث يتبني نظام الولي الفقيه قضية القدس وفق سياق لا يدعمه المرويات الشيعية (راجع: القدس بين التدوين الشيعي والدعاية السياسية).

5- لغز شجر الغرقد

اختلف المفسرون واللغويون قديمًا في تحديد ماهية شجر الغرقد. لكن أكثرهم اعتبرها “العوسج – اLycium shawii” وهي نبات شوكي جاف سريع الاشتعال، ولكونه شوكي يستخدم كسياج بستاني.

وورد ذكر شجر الغرقد في السيرة في وصف البقيع الذي يوصف بـ “بقيع الغرقد”. والطبيعة النباتية للمدينة تدعم أن المقصود هنا العوسج المنتشر بالمدينة، والمختلف عن شجر الغرقد في فلسطين Nitraria.

والعوسج حاضر في التراث الإسلامي ومرتبط باليهود، وورد أنه أول شجرة مزروعة، ومنها عصا موسى. كما وردت مرويات أخرى تجعلها الشجرة المحترقة التي تلقى عندها الوحي.

لكن الخلاف في ماهية الشجرة حاضر في تفسيرات التوراة نفسها، حيث اللفظة في النص العبري الأصلي (סְנֶה) “س ن ه” وتعني الشوك. ففي إحدى ترجمات التوراة للعربية القديمة نجد أنها عوسجة، وفي ترجمه أبي سعيد السامري “عليقة“، أما ترجمة سعديا الفيومي فنقلها بنطقها العبري “سنه“.

والخلط بين النباتات ذات الطبيعة الواحدة قبل التصنيفات العلمية شائع في كتب القدماء؛ فمن السهل إسقاط الأشجار المقدسة على فصائل شبيهة لها نفس الطبيعة، فيكون عوسج المدينة هو شجر الغرقد الشامي هو عليقة سيناء.

6- شجرة الشوك رمز اليهود

أيًا كان ماهية شجر الغرقد فالمشترك أنه شوكي. وإذا كانت الرواية الإسلامية وصفتها بـ “شجرة اليهود”، فهناك مفارقة في التدوين اليهودي تعتبرها رمز الأمة اليهودية، جاء ذكرها مدراش تنحوما وشيموت رباه.

وفي كتاب “حياة موسى” للفيلسوف اليهودي فيلو السكندري بعض مظاهر لوجه الشبة وهو:

1 – الشجيرة المحترقة صغيرة دلالة على حالة ضعف الأمة اليهودية.

2 – احترقت لكنها لم تفنى في رمزية لمعاناة اليهود التي لم تنهيهم.

3 – الشوك يجرح الطيور التي تقترب منها رمزًا لمعاقبة مضطهديهم.

هذا التفسيرات الرمزية لنصوص التوراة انتشرت بين اليهود زمان فيلو، وهي مدرسة غنوصية تفسر بالرمز، شبيهة بالتأويلات العرفانية والباطنية لدى الصوفية.

وفي القرآن ما يدل على انتشار هذا الفكر لدى اليهود زمن الرسول، حيث وصهم بتحريف الكلم، وعاب عليهم تعطيلهم لأحكام التوارة وهي التهمة التي واجهت المذهب من اليهود التلموديين الربيين بتعطيل أحكام الشريعة بتأويلات رمزية.

7- مفارقة بين قصة لإبيمالك اليهودية وغزوة بني النضير 

وللعوسج ذكر آخر في أسفار اليهود، ورد في قصة الملك اليهودي إبيمالك مع أهل شكيم في سفر القضاة الثاني، في ترميز لإبيمالك بشجر العوسج التي تحرق من لم يحتم بها.

وبعدما تمرد أهل شكيم على إبيمالك، حاصرهم في حصنهم فأحرق عليهم الاشجار قبل أن يقتلوه بحجر رحى ألقوه عليه من أعلى الحصن، في تشابه عجيب مع قصة غزوة بني النضير.

فهل لرمزية شجر العوسج في القصتين دور في بناء قصة احتماء اليهود خلف شجر الغرقد في آخر الزمان؟

الخلاصة

أحاديث قتال اليهود في آخر الزمان بدأت في وصف معركة الرسول مع يهود المدينة باعتبارها من علامات الساعة المصاحبة للبعثة، ثم أعيد صياغتها زمن الأمويين ودمجها بالتراث الملحمي المسيحي، وأن شجر الغرقد وعلاقتها باليهود مأخوذة من تفسيرات اليهود الرمزية في اعتبار شجر الشوك رمزًا لهم.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك