بدأ التحول في السعودية عهد الملك عبد الله. لكن الوتيرة تضاعفت بتولي الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان في 2015. جزء من التحول مجتمعي بالتأكيد. لكن جزءًا مهمًا يتعلق بالاقتصاد: كل تلك الإجراءات تنطلق مع رؤية السعودية 2030، وزيادة نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة السعودية إحدى أهم أهدافها.
في السنوات الست، قلصت الحكومة سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - أنهت حظر قيادة المرأة للسيارة - خففت القواعد التي أبقت النساء رهن التحكم المُطلق لأولياء الأمر الذكور، وخففت قواعد ملابس النساء؛ فبعد توليهن وظائف كنادلات وضابطات شرطة، أصبح كشف الشعر وارتداء الجينز مسموحًا إلى جانب العباءات السوداء التقليدية.
اقتصاديًا، حظرت السعودية التمييز على أساس الجنس في التوظيف، وألغت القيود المفروضة على عمل المرأة في الوظائف الصناعية أو التي تعتبر خطيرة أو تتطلب مناوبة ليلية، وسهلت إطلاق النساء لأعمالهن الخاصة، ومنعت فصل النساء لأسباب تتعلق بالأمومة أو الحمل؛ وعادلت سن التقاعد بين الرجل والمرأة، وغيرها من الإجراءات المتتالية التي اقتنصت للمرأة حقوقًا حُرمت منها لسنوات.
والنتيجة: ارتفعت نسبة العاملات من 19% في 2016 إلى 33% في 2020، وفقًا لمسح القوى العاملة التابع لهيئة الإحصاء.
قلة من النساء في السعودية عشن التغييرات بشكل عميق مثل أحلام عيسى، 32 عامًا، أم لأربعة أطفال تعمل في متجر ملابس نسائية كما تعمل في أوبر وأخواتها لجني أموال إضافية، كل ذلك أثناء الدراسة للحصول على دبلوم المدرسة الثانوية.
ولدت أحلام في الجنوب، وتزوجت وانتقلت للعاصمة في سن الـ19 من عمرها، لكنها تطلقت قبل 3 سنوات، فخرجت إلى عالم أخر حيث الاختلاط مسموح: "لم أكن أعرف ما هو العالم الخارجي". "كنت في فقاعة."
تقول أحلام: "أدركت أنني مع رجل أو بدونه، يمكن أن أجعل حياتي جميلة، فكل شيء في هذا العصر متاح للنساء".
في أماكن العمل نفسها تبدل كل شيء. تقول نهى قطان، التي كانت من أوائل النساء اللائي عملن في وزارة الرياضة في 2016، إن حينها لم يكن هناك حتى حمام نسائي في المبنى، لكن الآن وهي تعمل نائبة وزير للشراكات الوطنية والتنمية في وزارة الثقافة، ترى النساء أصبحن يجلسن خلف الواجهة الحجرية والزجاجية، يرتدين عباءات ملونة في مكاتب مفتوحة إلى جانب الرجال، كما لم تعد النساء قلقات من أنه سيتم إبلاغ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعاقبتهن لأخذ استراحة لشرب القهوة لمدة خمس دقائق مع زملائهن الرجال.
تقول نهى قطان أثناء حديثها مع مراسلة بلومبرج في مكتبها الفسيح، وهي تنظر في التغييرات التي مرت بها:"الانتقال من عدم وجود حمام قبل أقل من 5 سنوات إلى إجراء هذه المحادثة الآن، أمر مذهل".
بعد 20 عام من تحمل زواج غير مناسب، غيرت الإصلاحات القانونية الجديدة حياة نوال العنيزي، 42 عامًا، أم لـ5 أطفال، تقول إنها تحملت التجربة لعقدين خوفًا من فقدان حضانة أطفالها في ظل نظام أبوي كان يعتبر الرجال فقط أوصياء قانونيين، لكن الإصلاحات التي سهّلت على المرأة طلب الطلاق وحضانة أطفالها شجعتها على ترك العلاقة قبل 4 سنوات.
تقول نوال، التي تعمل في الموارد البشرية في شركة عقارية، "أعيش حياة جديدة". "في البداية عندما كنت أقول لبناتي،كوني قوية، واجهي الحياة، كنت أشعر بالحرج، لكن الآن أقولها، وأنا أنظر في أعينهن".
بعض تلك التغييرات تثير الاستياء بين بعض السعوديين المحافظين، فالفصل بين الجنسين - الذي كان يتم تطبيقه بصرامة من قبل الشرطة الدينية - يتلاشى تدريجيًا، ليس فقط بين النخب الحضرية، بل حتى في المحافظات المحافظة مثل القصيم، حيث يمكن للرجال والنساء غير المرتبطين الاختلاط علانية في المطاعم الآن، كما أصبح هناك العديد من المكاتب المختلطة، وكذلك المؤتمرات التجارية والمهنية، والحفلات الموسيقية والبطولات الرياضية المختلطة، وحتى الحظر المفروض منذ عقود على دور السينما، تم إلغاؤه.
ومع تطور المجتمع السعودي، يشعر بعض الرجال بالقلق من أن النساء يأخذن وظائفهم ويخربن دورهم التقليدي كأرباب للأسرة، ومسؤولين عنها مالياً وغير ذلك.
يزيد، وهو طبيب أسنان سعودي، 25 عامًا، يقول: "أعتقد أن عمل المرأة ضروري فقط عندما لا تجد من يعولها".
ترجع مخاوف الرجال من أخذ النساء وظائفهم، إلى تفوق العاطلات عن العمل في المستوى الدراسي على العاطلين من الرجال، فأكثر من ثلثي السعوديات العاطلات عن العمل يحملن درجة البكالوريوس أو أعلى، في حين يحمل تلك الدرجات ثلث الذكور الباحثين عن عمل فقط.
رشا التركي، المديرة التنفيذية للنهضة، تقول إن منطق تمكين المرأة واضح، والحكومة استثمرت على مدى أجيال في تعليم النساء السعوديات. "يجب أن يكون هناك عائد على استثمارك. وإلا فما هو الهدف؟"
أسباب عديدة تدفع السعودية لتمكين المرأة وإشراكها في قطاع العمل.
لا يتعلق الأمر فقط بمحاولة تمكين المرأة بعد إقصاء، بل بسبب اقتصادي بحت: بقاء النساء في المنزل رفاهية لم يعد بمقدور أكبر مصدر للنفط في العالم تحمله، بينما يحضر ولي العهد محمد بن سلمان اقتصاد السعودية لمستقبل ما بعد عصر النفط، والسعي لخلق فرص عمل وسط النمو الاقتصادي المتعثر.
الدولة نفسها تؤكد على ضرورة استغلال قدرات النساء، خاصة المتعلمات، وجعلهم يلعبون دورًا أكبر، لضمان نجاح خطة رؤية 2030، حيث قال ولي العهد لبلومبرج في 2016: "النساء نصف هذا المجتمع، ونريد أن يكون نصفه منتجًا".
ومع ارتفاع تكلفة المعيشة وخفض الحكومة دعم البنزين والكهرباء وفرض رسوم وضرائب جديدة، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15٪، أصبحت الأسر السعودية تعتمد بشكل متزايد على النساء العاملات.
ونتيجة لذلك، وجدت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية من الرأس أصداء بين بقية الطبقات، فتغيرت حياة النساء.
تغيرات عديدة طرأت على القوى العاملة السعودية، ففي الربع الرابع من 2020، بلغ معدل البطالة للسعوديين 12.6٪ وتقريبًا ضعف ذلك بالنسبة للنساء، والصعوبات تتزايد مع تراجع أسعار النفط، ووباء كوفيد19.
كل ذلك يجعل خلق فرص العمل هو التحدي المحلي الأكثر إلحاحًا، وبالرغم من أن السعودية تسعى لمعالجة ارتفاع معدلات البطالة بين مواطنيها منذ 10 سنوات، من خلال تشجيع الشركات على توظيف المواطنين بدل من الأجانب، الذين يحولون الكثير من أرباحهم إلى أفراد عائلاتهم في بلدانهم الأصلية، إلا أن هذه الجهود تكثفت في عهد ولي العهد، ففرضت الحكومة ضرائب على أرباب العمل الذين يوظفون الأجانب، وفرضت رسومًا على المغتربين للسماح لأفراد أسرهم بالإقامة في السعودية.
التحديات تشمل نوعية الوظائف المتاحة للنساء: تشكو بعضهن من أنها منخفضة الأجر. أبحاث النهضة توصلت إلى وجود فجوات بين الجنسين في التطوير الوظيفي والتعويض، حيث تربح السعوديات 57 ريالًا مقابل كل 100ريال يكسبها الرجال، حتى بعد تعديل الاختلافات في التعليم والخبرة.
لا تزال التجربة مستمرة.. والخطوات التالية مرتقبة.
تحصل النساء على وظائف أكثر من أي وقت مضى في تغيير السعودية (بلومبرج)
يتصدر كبار منسقي الأغاني عنوان أكبر مهرجان موسيقي في المملكة العربية السعودية (France 24)