في الآونة الأخيرة حقق البشر تقدمًا كبيرًا في تنفيذ الرحلات الفضائية. دخلت الرحلات الفضائية التجارية على الخط، ومن المحتمل أن تنطلق أول محاولة لإيصال رواد فضاء إلى المريخ خلال سنواتٍ معدودة.
تُجبر هذه التجارب أصحابها على قضاء شهورٍ طويلة في الفضاء، فهل يقضونها بالكامل دون خوض علاقة جنسية.
إن الغريزة الجنسية متأصلة في النفس البشرية، ومن المستحيل -ومن المُضر صحيًّا أيضًا- أن تمرّ تلك الفترة على إنسان دون أن يفكر فيها.
وفي الوقت الذي تقدّمت فيه علومنا التقنية بشأن تنفيذ الرحلات الفضائية بمستويات عالية من الأمان، لا يزال فهمنا لحدوث الجنس في الفضاء مبهمًا.
لم تشكل تجربة إقامة علاقة جنسية بشرية أولوية لدى وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".
تجنّب رواد فضائها القيام بذلك، وأعلنت الوكالة أكثر من مرة أن روادها لم يُمارسوا الجنس في الفضاء حتى الآن.
أيضًا في 2008، قال بيل جيفز، المتحدث باسم فضاء تابع لناسا: "نحن لا ندرس الجنس في الفضاء ، وليس لدينا أي دراسات جارية بشأن ذلك".
المرة الوحيدة التي وُضع فيها الجنس ضمن "الخطط الفضائية" خلال رحلة المركبة "Soyuz T-7" عام 1982م، والتي ضمت رائدي فضاء من الذكور بالإضافة إلى رائدة فضاء روسية، لتكون أول رحلة فضائية مشتركة.
وفقًا لطبيب الفريق، فإن التخطيط للرحلة شمل إقامة "لقاء جنسي" على متن المركبة.
هل حدث هذا اللقاء؟ لم تعلن أي تفاصيل، وفي الأغلب لا، وإلا كانت تفاصيل هذا اللقاء أصبحت ملء الأسماع فور وقوعها.
اللقاءات الجنسية الفضائية المؤكدة حتى الآن، هي تجارب الجنس التي أُجريت على الحيوانات.
بحسب ناسا، فإن أشهر تجارب الاتصال الجنسي الحيواني في الفضاء حدثت عام 1994م، على متن مكوك كولومبيا، وجرت على 4 أسماك صغيرة.
عكست هذه التجارب آثارا سلبية على النشاط الجنسي لكلٍّ من الذكور والإناث.
للأسف لا يساعد هذا الوضع على منحنا صورة أكبر عن مدى قُدرة الإنسان على العيش في الفضاء لفترة زمنية طويلة جدًا، ما قد يستدعي تغييرًا في خُطط الفضاء الإنساني التي اتّسمت بـ"التبتّل" حتى الآن.
وفي المؤتمر الصحفي لرائد الفضاء الألماني ماتياس مورير، سُئل عمّا إذا كانت الحياة الجنسية جزءًا من تدريباتهم، أجاب "لا، لكن ربما يجب أن نضعها في الحُسبان".
أما فاليري بولياكوف، رائد الفضاء الروسي الذي قضى 438 يومًا متتالية في الفضاء فأفاد بأن اقتراحًا نُوقش معه بممارسة الجنس مع "دمية" على متن المركبة، لكنه رفض تنفيذه.
يقول بول وولب، أخصائي الأحياء في وكالة ناسا: إذا كنا جادين بشأن تدشين رحلات فضائية طويلة الأمد، فسنحتاج إلى معرفة المزيد عن النشاط الجنسي في الفضاء.
بشكلٍ عام، ممارسة الجنس مفيدة للصحة، والانقطاع عنها لفترات زمنية تضرُّ بالجسد.
فالقذف عند الرجال ضروري لتجنب خطر تراكم البكتيريا في البروستاتا، كما أن هزات الجماع تخفف التوتر والقلق وتٌحسِّن جودة النوم عند الرجال والنساء.
لم تقع تجربة عملية -حتى الآن- تُمكننا من قياس الاختلافات بدقة بين الجنس الفضائي ونظيره الأرضي.
لكن يُمكننا تخيل هذه الاختلافات، وفقًا للمعلومات المتاحة عن التغيرات التي تضرب فسيولوجيا الإنسان ما أن يُصبح حُرًّا في الفضاء.
يقول سارالين مارك، كبير المستشارين الطبيين السابق لـ"ناسا": في الفضاء يتغيّر كل شيء، بعد قضاء حياتك كلها فوق سطح الكوكب، أنتَ الآن تتجوّل حوله، وهذا يُغيّر كل شيء بما فيها الهرمونات الجسدية والرغبة الجسدية أيضًا".
انعدام الوزن الذي يشعر به الرواد بسبب انخفاض تأثير الجاذبية، يؤدي إلى انخفاض في مستويات هرمون الرغبة الجنسية عند الرجال، وهو ما قد يخفض الدوافع الجنسية عند الرجال.
وهو ما يتطابق مع ما ذكره رائد الفضاء أولريش والتر في كتابه "رحلة عبر الزمان والمكان"، بأنه طيلة 10 أيام قضاها في الفضاء لم يشعر بالرغبة الجنسية قطُّ.
أيضًا، يتسبب العيش في وسط بلا جاذبية في تدفق الدم عكس مساره داخل جسد الإنسان، وبدلاً من الدوران الكثيف في النصف السفلي للجسم فإنه يتحرك للاعلى تجاه الرأس والصدر، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول ضعف قٌدرة الرجال على الانتصاب في هذا الوضع المقلوب.
في إجابته على هذه النقطة، نفى رائد الفضاء الامريكي رون جاران عدم وقوع الانتصاب في الفضاء، بشكلٍ غير مباشر قائلاً " كل ما يحدث لجسم الإنسان على الأرض يُمكن أن يحدث في الفضاء".
وإذا ما افترضنا وقوع عملية الجنس تلك، أثارت لورا ودمانسي مؤلفة كتاب "الجنس في الفضاء" خطرًا آخر وهو أن وقوع حمل في الفضاء، وبدون حماية الغلاف الجوي للأرض، يعني تعرّض الجنين لمستويات عالية من الإجهاض قد تؤدي إلى حدوث تشوهات خلقية.
بعيدًا عن كل هذا الجدل البيولوجي تبقى المشكلة الأكبر هي كيفية التنفيذ.
ففي غياب الجاذبية تُصبح العملية الجنسية مرهقة بشدة.
ممارسة الجنس على الأرض تقوم بشكلٍ أساسي على "الدفع" و"الدفع المعاكس المتساوي"، ما يخلق استثارة كاملة تحقق المتعة الجسدية.
هذا الأمر مستحيل التحقق في الفضاء، فعملية الدفع تلك إن جرت فستنتهي بالإطاحة بالشريك الآخر بعيدًا عنك.
لهذا قالت أثينا أندريس، أستاذ الأحياء في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس: في غياب امتلاك أي قوة دفع ستكون ممارسة الجنس في الفضاء أمرًا مستحيلاً.
لذا اقترح والتر الاستعانة بشريك ثالث يدفع الطرفين نحو بعضهما لمنعهما من الانجراف، أو حتى الاستعانة بالحبال وتقييد أحد الشريكين في الحائط، معتبرًا أن "ممارسة الجنس في الفضاء، يجب أن تتضمن الكثير من الإبداع".
لنتحدث عن الجنس في الفضاء (دويتشه فيله)
هل مارس أي شخص الجنس في الفضاء؟ (جورنج)
قد لا يكون الجنس في الفضاء آمنًا (لايف ساينس)
الجنس في الفضاء: هل يمكن للتكنولوجيا أن تلبي الاحتياجات الشخصية لرواد الفضاء؟ (ذا كونفرزيشن)
الشهوة في الفضاء (شيكاجو تريبيون)