في أوائل فبراير 2021، كان الهولندي فان دير هوفين يستعد للسفر إلى مصر لتقديم أهم عرض في حياته: محاولة إقناع الحكومة المصرية بفكرة مجنونة مفادها إعادة تخضير شبه جزيرة سيناء خلال 20 عامًا.
فان دير هوفين، 40 عامًا، هو أحد مؤسسي Weather Makers "صناع الطقس" وهي شركة هولندية من "المهندسين الشموليين" تعتقد أن بإمكانها استخدام الهندسة الكيميائية في تغيير أنماط الطقس المحلي وتغيير اتجاه الرياح لجلب المزيد من المطر، وبالتالي تحويل الصحراء الجافة إلى ملاذ أخضر يعج بالغابات والأراضي الرطبة والأراضي الزراعية والنباتات والحيوانات البرية.
يعتقد فان دير هوفين أن إمكانية إعادة تخضير سيناء تشبه تمامًا هبوط البشر على سطح القمر: فكرة بدت غير واقعية لم يكن لديها في البداية خارطة طريق كاملة أو مفصلة، لكن تطوير رؤية والسير خطوة بخطوة كفيل بتحقيقها.
يقول: "العالم جاهز للتغيير التجديدي الشامل في سلوك النوع البشري على المدى الطويل. ومثل هذه الخطوة ستكون بحجم اكتشاف النار بالنسبة للبشرية".
يصر صناع الطقس على أن فكرتهم التي يسعون لإقناع مصر بتطبيقها في سيناء هي نوع المشروعات الجديدة التي يحب أن تتجه إليها البشرية بعد الشكوى من تسبب النشاط البشري في التغير المناخي.
يقولون إن البشر غيروا طبيعة الأرض بعدما عرفوا "التجريف". وأن نفس الصناعة التي أساء البشر استخدامها تحمل الكثير من الإمكانيات لتطويعها في الاتجاه المعاكس.
الجارديان تنسب لفان دير هوفين ابتكار طريقة جديدة للتجريف أكثر كفاءة وصديقة للبيئة تقول إنه طورها خلال عمله في مجموعة ديمي البلجيكية، عبر استخدام أجهزة استشعار غير مكلفة لنمذجة الظروف البحرية في الوقت الفعلي - الأمواج والتيارات والمد والجزر - لتحديد مكان وزمان العمل بشكل أكثر دقة.
يقول دير هوفين إن الفكرة أتته من مصر، عندما طلبت مجموعته منه الانتقال إليها في يناير 2016 للمشاركة في خطة تطوير بحيرة البردويل، على ساحل سيناء الشمالي.
كانت الفكرة ببساطة هي استعادة عمق البحيرة القديم "من 20 إلى 40 مترًا" عبر تجريف البحيرة وفتح القنوات للسماح بدخول المزيد من مياه البحر المتوسط، لتعود أعمق وأبرد وأقل ملوحة. وكل ذلك من شأنه أن يعزز مخزون الأسماك.
لكن فان دير هوفين لم يتوقف عند هذا الحد. بدأ في النظر إلى شبه جزيرة سيناء بمزيد من التفصيل: تاريخها، وأنماط الطقس، والجيولوجيا، والمد والجزر، والحياة النباتية والحيوانية، وحتى النصوص الدينية. يقول: "قضيت ساعات طويلة محاطًا بالرسوم البيانية والخرائط والكتب والرسوم التخطيطية. وكلما نظرت بصورة أعمق، رأيت المزيد من الإمكانات".
من بين الوثائق التاريخية التي طالعها دير هوفين، يقول إنه وجد أدلة على أن سيناء كانت خضراء قبل ما يصل إلى (4500 - 8000) عام، بينها لوحات الكهوف هناك التي تصور الأشجار والنباتات، وسجلات دير سانت كاترين التي يعود تاريخها إلى 1500 عام، والتي سجلت الزراعة بالقرب من جبل سيناء، وصور الأقمار الصناعية عن شبكة من الأنهار كانت تتدفق من الجبال التي في الجنوب باتجاه البحر المتوسط.
يقول إنه يعتقد أن ما حول سيناء إلى صحراء كان على الأرجح نشاطًا بشريًا. باعتبار أن البشر أينما استقروا، كانوا يميلون إلى قطع الأشجار وتنظيف الأرض، ليؤثر فقدان الغطاء النباتي على قدرة الأرض على الاحتفاظ بالرطوبة، بينما تستهلك حيوانات الرعي النباتات عندما تحاول النمو مرة أخرى، فتفقد التربة هيكلها وتتعرض للتجريف.. ومن هنا جاء الطمي في بحيرة البردويل.
بحسب فان دير هوفين، فإن البحيرة تحتوي على حوالي 2.5 مليار متر مكعب من الطمي. بالتالي إذا كانت فكرة إعادة تخضير سيناء مطروحة، فإن هذا الاحتياطي الهائل من المواد الغنية بالمغذيات هو بالضبط ما نحتاجه.
يضيف: "أصبح من الواضح أن لدينا فرصة هائلة. لم يكن الحل لمشكلة واحدة. كان الحل لجميع المشكلات".
بحلول هذه المرحلة، اتفق فان دير هوفين مع مجموعة ديم على أنه سيكون من الأفضل له العمل ككيان منفصل. أسس شركة "صناع الطقس" في 2017. قبل أن يضاعف فيلم وثائقي عن تجربة الصين الملهمة في تخضير هضبة اللوس طموحه.
هضبة اللوس في شمال الصين تماثل مساحة فرنسا. في 1994، وبصفته صحفيا، طلب البنك الدولي من ليو، تصوير إطلاق المشروع الطموح.
كانت الخطة منخفضة التقنية نسبيًا: غرس الأشجار يدويًا على قمم التلال، إضافة مواد عضوية للتربة، إبعاد حيوانات الرعي، وضمان إمدادات المياه. لكن التحول كان مذهلًا. في غضون 20 عامًا، أصبحت صحاري هضبة اللوس وديانًا خضراء وأراضي زراعية منتجة.
يؤمن دير هوفين أن هضبة اللوس كانت تشبه سيناء إلى حد كبير: أرضًا جافة قاحلة ومتآكلة بشدة. بالتالي ستصبح إعادة تخضير سيناء أسهل حال استخدام تقنيات أحدث.
تعتمد فكرة دير هوفين بالنسبة لسيناء إلى حد ما على مسألة "الماء يولد الماء".
بعد استعادة بحيرة البردويل، يمكن بدء المرحلة الثانية بتوسيع واستعادة الأراضي الرطبة المحيطة بها. عليها سيزيد التنوع البيولوجي من ناحية عندما ستشجع الأرض الرطبة المستعادة المزيد من الطيور، بما سيزيد خصوبة الأرض، لكن من ناحية أخرى، ستتبخر المزيد من الرطوبة وتتوسع المساحة تدريجيًا.
ربما ينطبق ذلك على المساحات المحيطة بالبحيرة. لكن ماذا عن المناطق الداخلية في سيناء والتي تحتاج مياهًا عذبة؟
وجد دير هوفين حل المعضلة في "الآلة البيئية" منخفضة التقنية التي ابتكرها رائد التصميم البيئي جون تود، والتي تعتمد على منشاة بسيطة تتكون من براميل مياه مغطاة، كل منها يحتوي نظامًا بيئيًا مصغرًا من الطحالب والنباتات والبكتيريا والفطريات والديدان والحشرات والأسماك، يتدفق خلالها الماء ليصبح أكثر عذوبة مع كل انتقال.
فكر دير هوفين في تطوير الآلة بإضافة وحدة لمعالجة النفايات السامة ومياه الصرف الصحي، مع استخدام الطاقة الشمسية في توسيع المنظومة، عبر تبخير الماء من البراميل، وتكثيفها على السطح الداخلي للصوب الزجاجية، ثم تجميعه في نظام قنوات.
وفي حالة سيناء، تعتمد الفكرة على نشر شبكة من الآلات البيئية، التي يمكن تغذيتها بمياه مالحة، مع استبدال النظام البيئي المصغر بأسماك البلطي، ثم تكثيفها لخلق مطر صناعي، مع ضخ رواسب بحيرة البروديل إلى التلال على بعد 50 كيلومترًا داخل سيناء.
بحسب الجارديان، بنى صناع الطقس نموذج الآلة البيئية التي طوروها فعلًا في إحدى ضواحي هولندا. يقول دير هوفين إنه يحتاج 100 فقط منها في سيناء. بعد 5 سنوات من نشرها في موقع ما، ستصل النباتات والتربة إلى مستوى معين من النضج يمكنها خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي، ليصبح نقل الهيكل إلى مكان آخر متاحًا، لتكرار العملية في مكان مختلف، تاركة بيئة خضراء صغيرة ورائها.
يعتبر دير هوفين أن نجاح التجربة في سيناء سيغير وجه الحياة في المنطقة وكوكب الأرض كله. يصف سيناء الحارة بـ "مكنسة كهربائية" تجذب الهواء الرطب من البحر المتوسط وتوجهه نحو المحيط الهندي. "برودة سيناء تعني فقدان قدر أقل من تلك الرطوبة، لتهطل على شكل أمطار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يعزز الإمكانات الطبيعية للمنطقة بأكملها".
يقول إن إعادة تخضير سيناء هي في الوقت الحاضر أكثر من مجرد أسطورة، تمامًا كما كانت مهمات أبولو لغزو القمر في السابق "فكرة تتطور في المخيلة كمؤشر للمستقبل الذي نطمح إليه".
بعيدًا عن حلم دير هوفين، تقول ماشابل إن باحثًا مصريًا حصل على براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا لجهاز يحتوي على مبخر ومكثف، يعتمد على الإشعاع الشمسي لإحداث فوارق في درجات الحرارة تحفز على تبخر المياه، حتى من البحيرات المالحة والشواطئ الضحلة، ثم تحويل البخار إلى مطر يحتوى على نسبة 5% فقط من الملح، يمكن تجميعه في حاويات كبيرة مستطيلة الشكل لاستخدامها في زراعة النباتات الطبية وإنتاج الأرز والقمح.
بالتزامن، كشفت الإمارات مؤخراً عن خطة لتقطيع الغيوم بالكهرباء وزيادة هطول الأمطار لإحداث ثورة خضراء في الصحراء. في محاولة مماثلة لتحقيق أقصى استفادة من الأمطار.
العلماء يحولون الصحراء إلى اللون الأخضر (الجارديان)
ابتكار باحث مصري يبشر بثورة خضراء في الصحراء (ماشابل)