الشىء الجيد بخصوص Spider-Man: Far from Home وهو الفيلم رقم 23 في عالم مارفل السينمائي بالمناسبة، أنه عمل يفهم جيدا نقاط تميز واختلاف شخصية سبيدرمان منذ مولدها في الكومكس أوائل الستينيات، على يد ستان لي وستيف ديتكو.
السائد قبل ذلك كان شخصيات مثل سوبرمان وباتمان وكابتن أمريكا، بكل ما تمثله من مثاليات وقيم وعزيمة نفسية جبارة قبل أى قدرات قتالية. كلها شخصيات أحبها الأطفال والمراهقون باعتبارها نموذجا لما يجب أن يكونوا عليه لاحقاً (الرجل المثالي البطل).
ستان لي.. القصة الحقيقية لـ السوبر هيرو الذي تحدى العنصرية
سبيدرمان كان العكس، ولامس الأطفال والمراهقين كواحد منهم وبنفس حالتهم. بيتر باركر ببساطة مراهق آخر لا يخلو من حيرة وشكوك بخصوص تصرفاته، ولا يملك نفس ثقة هؤلاء الأبطال أو استقرارهم النفسي. وتحدياته تشمل نفس مشاكل المراهقين الروتينية مثل التعرض لتنمر من زملاء الدراسة، والكفاح للحفاظ على علاقة عاطفية متذبذبة مع فتاة، أو للفت أنظارها، ومحاولة إرضاء أهل لا يفهمونه.. إلخ.
بفضل هذه التركيبة أثار Spider-Man حالة هوس فور صدوره في الستينيات، وأصبح على قمة المبيعات. اذا حذفنا النصف الخارق في سبيدرمان، فالباقي منه هو ببساطة نفس الزبون الرئيسي المستهدف أصلاً بقصص الكومكس عامة (الصبي المراهق).
في Spider-Man: Far from Home عزف درامي على كل الأوتار الدرامية السابقة، وهى نقطة يرثها من الفيلم السابق Spider-Man: Homecoming الذي عرض منذ عامين. وانطلاقة درامية اضافية على ضوء ما شاهدناه أيضاً في آخر فيلمين لأفنجرز (2018 – 2019). انطلاقة تلطف الأجواء وتتعامل بمرح مع أحداثهما القاسية.
هذه نقطة منعشة على ضوء الثقل الدرامي والطابع الجاد في فيلمي أفنجرز، وحاجة المتفرج لتغيير بعدهما من ناحية. وضرورية أيضاً ليحتفظ سبيدرمان بجيناته المرحة من ناحية أخرى.
سيناريو الفيلم يقتبس أيضاً خطا كوميديا لطيفا أمريكي الطابع، يتعلق بالأجازات لأوروبا وما يمكن أن يحدث فيها من كوارث وغرائب. لإنعاش الذاكرة بأمثلة للمقصود، فعشاق هوليوود سيذكرون ربما فيلم مثل National Lampoon’s European Vacation من منتصف الثمانينات، والجيل الأصغر قد يذكر EuroTrip من انتاج 2004.
في المقابل لا يستفيد الفيلم كثيراً للأسف من ممثل بوزن جيك جيلنهال، ويهدر وجوده بدور تقليدي لا يحتاج أصلاً لممثل بارع أو استثنائي، وهى نقطة تمثل عودة لعيب قديم في أفلام مارفل، التي أهدرت سابقاً عشرات الأسماء الثقيلة مثل جيف بريدجيز – ميكي رورك – كيت بلانشيت – مايكل كيتون وغيرهم، في أدوار روتينية لم تترك بصمة.
قبل تصوير فيلم Spider-Man 2 الذي عُرض عام 2004 تعرض بطله توبي ماكجواير لإصابة في الظهر، ولم يكن معروفاً وقتها هل ستسمح حالته الطبية بالعودة للعمل قريباً أم لا. تم اختيار جيك جيلنهال وقتها كبديل وبدأ استعداداته للدور بالفعل، لكن حالة ماكجواير تحسنت وعاد لدور سبيدرمان من جديد.
يُعوض فيلمنا اهداره لجيك جيلنهال الى حد ما، بمشاهد ذكية وكوميدية تجمع سبيدرمان (توم هولاند) مع نيك فيري (صامويل إل جاكسون)؛ تستغل فارق الطباع بينهما. فيري بجديته وصرامته، وبيتر باركر بفوضويته كمراهق ساذج متورط في مهام ضخمة.
قد يكون من الهام هنا على ذكر الشخصيات، أن الفيلم يمثل دفعة أخرى من مارفل لفرض أجندة التعددية العرقية بشكل مصطنع. هذه المرة لم يكتف الفيلم بحبيبة سمراء لسبيدرمان، وبالأصدقاء والمدرسين أصحاب الملامح اللاتينية والآسيوية والأفريقية، لكن يوجد أيضا تعمد واضح ومتكرر في اختيار شابة بحجاب في صدارة عدة مشاهد، لتذكرنا مارفل أنها تؤدي واجبها المدرسي بانتظام، وأنها تستحق “نجمة” من مُدرسي الصوابية السياسية والتيارات النسوية!
كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور
على المستوى البصري يُحلق نصف الفيلم بمشاهد ثرية الى حد ما، تستعرض بحيرات وسحر مدينة فينسيا، أما النصف الآخر فيمثل مأساة بسبب بحيرات جرافيك متوسطة المستوى، ومشاهد أكشن تفتقد للإبداع والتجديد.
التميز البصري على أى حال، وصف لا ينطبق إلا على فيلمين فقط تقريبا لمارفل؛ حراس المجرة (الجزء الأول 2014)، ودكتور سترينج (2016)، لكنها على الأقل قدمت في أغلب أفلامها مشاهد أكشن ومطاردات مسلية ومستوى إتقان، غير موجودين هنا.
هذه نقطة تثير القلق بخصوص مستقبل مارفل، على ضوء وجود نفس عيوب الصورة والمعارك تقريباً في فيلم كابتن مارفل. توجد لمسة تسرع واستسهال وعودة للخلف مؤخرا، وهى مشكلة لا تليق بسلسلة وشخصيات وعالم، قوامهم الأساسي الإبهار البصري والأكشن.
أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور
لكن أكبر مشاكل Far from Home لا تتعلق بما سبق، بقدر ما تتعلق بكونه الفيلم السابع اجمالا لسبيدرمان (2002 – 2004 – 2007 – 2012 – 2014 – 2017 – 2019). والثامن اذا أضفنا فيلم 2018 الكارتوني.
كل شىء يلامسه الفيلم شاهدناه من قبل، وشاهدناه بشكل أفضل أحياناً. العلاقة العاطفية كانت أفضل في ثلاثية المخرج سام ريمي (2002 – 2004 – 2007)، بفضل كيمياء أعلى بين توبي ماكجواير وكريستن دانست. حيرة البطل نفسيا بين الحياة كشاب عادي، وبين قبول واجباته كبطل خارق، عولجت درامياً بشكل أفضل في فيلم 2004. هذه فقط أمثلة.
باختصار Far from Home يأتي بعد استهلاك أغلب التيمات والأفكار بخصوص الشخصية، ويدفع ضريبة ذلك كعمل لن يصمد في الذاكرة غالباً. هذه جزئية لن تؤثر حالياً على إيرادات الفيلم على ضوء شعبية مارفل الكاسحة، لكنها تثير تساؤلات بخصوص مستقبل سبيدرمان السينمائي بالتأكيد.
وبالطبع تزداد المقارنات قسوة على الفيلم، على ضوء عرضه بعد Avengers: Endgame بشهرين فقط، وهو عمل يمثل حالة خاصة جداً، باعتباره ذروة مشوار سينمائي لشخصيات أحببناها على مدار عقد كامل.
كيف أصبح التمثيل أهم قوة خارقة في Avengers: Endgame؟ | حاتم منصور
في المقابل تركتنا مارفل هذه المرة بمشهدين بعد التترات بدلاً من واحد. الأول مهم ومسلي لأنه يمهد – أو هكذا أتعشم – لفيلم سبيدرمان قادم مختلف ومنعش عن ذلك الذي شاهدناه. والثاني سخيف ومبتذل وأقرب للحيل التي يستخدمها سيناريست رخيص في محاولة لاثارة دهشة الجمهور.
الشىء الذي أكده Far from Home في جميع الحالات، هو أن مهمة مارفل في الحفاظ على المستوى الذي حققته في آخر فيلمين لأفنجرز، أقرب لمهمة مستحيلة.
ديجافو هى الكلمة التي تلخص Far from Home. هذا فيلم مرح ومسلي لعشاق سبيدرمان ومارفل، لكنهم ببساطة شاهدوه من قبل، وسيطاردهم هذا الإحساس غالباً طوال مشاهدته.