مظاهرات السودان تدخل شهرها الثاني؛ للمطالبة باستقالة عمر البشير، 75 عامًا، قضي نحو ثلاثين منها رئيسًا للدولة.
شرارة المظاهرات بدأت من عطبرة شمالًا، بتظاهر المئات في 19 ديسمبر / كانون الأول 2018، بعد ثلاثة أيام من اختفاء الخبز، قبل أن تتسع لمناطق أخرى، بينها الخرطوم.
وأضرم متظاهرون النار في مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عطبرة، ومنها إلى مقرات للحكومة المحلية، وهو ما تكرر في مناطق أخرى لاحقًا.
الحصيلة الرسمية للضحايا – منذ أسبوع – توقفت عند 24 شخصًا، بينما تتحدث هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية عن أربعين قتيلًا على الأقل.
بدأت المظاهرات احتجاجًا على ارتفاع أسعار السلع بعد خفض قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار، الذي سجل 47.5 جنيه ارتفاعًا من 29 جنيهًا.
وأوكلت الحكومة البنوك في 4 أكتوبر/ تشرين الأول بتحديد سعر الصرف.
يستهلك السودان نحو مليوني طن من القمح سنويًا، ينتج منها 40%، ويستورد الباقي
الاحتجاجات حملت شعار “مظاهرات الخبز”، امتدادًا لمثيلاتها في يناير/ كانون الثاني 2018، التي أخمدتها السلطات بعد حملة اعتقالات طالت قيادات معارضة وطلابًا، ومصادرة صحف حزبية وخاصة.
ورفعت حكومة السودان سعر الخبز ثلاث مرات، وطرحت ما أسمته “الخبز التجاري” ليصل سعر القطعة 3 جنيهات بدلًا من واحد، وتظهر صفوف طويلة أمام المخابز على مدار اليوم.
وتوقفت الحكومة عن استيراد القمح، وعهدت بالمهمة للقطاع الخاص. ورفعت المطاحن سعر القمح لأكثر من الضعف.
وتقول الحكومة إنها لا تستطيع الاستمرار في دعم القمح، لكنها وعدت بإبقاء الدعم للشرائح الفقيرة.
ووصل معدل التضخم في السودان إلى 69% في ديسمبر/ كانون الأول.
وتضخمت مشكلات السودان بعد خسارة ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي بانفصال الجنوب 2011. ويقول مسؤولون إن آثار العقوبات الأمريكية – رُفعت أكتوبر/ تشرين الأول 2017 – مستمرة.
حكومة السودان تقول إنها تعاني من دين خارجي بنحو 56 مليار دولار.
وحل عمر البشير الحكومة في سبتمبر/ أيلول 2018، وكلف أخرى بـ “الاستجابة لتطلعات الشعب في حياة كريمة، وإعادة الأمل إليه”.
في 10 أغسطس/ آب، عدل مجلس شورى المؤتمر الوطني الحاكم نظامه الأساسي، ليسمح باختيار عمر البشير لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات 2020.
البشير وصل للحكم في 1989 بانقلاب عسكري سانده الإسلاميون، وانتخب رئيسًا في 2010، وأعيد انتخابه 2015، في انتخابات قاطعتها المعارضة، وأعلن خلالها أنه لن يترشح مجددًا.
ولا يسمح تعديل 2005 الدستوري بترشح الرئيس لأكثر من مدتين، ستنتهي الأخيرة في 2020.
في 5 ديسمبر/ كانون الأول، أعلن 33 حزبًا ممثلين بـ 294 نائبًا (أغلبية نيابية)، تأييدهم لتعديل يعيد فتح فترات الرئاسة.
رأت الأحزاب أن الرئيس عمر البشير هو الحامي لشعب السودان في الفترة القادمة – رئيس الحزب الحاكم عبد الرحمن محمد علي
البرلمان أقر في نوفمبر/ تشرين الثاني قانونًا بانتخاب محافظي الولايات بالاقتراع المباشر، لكن التعديلات المقترحة تسمح للرئيس بإقالة المحافظين.
بلومبيرج تقول إن حجم المظاهرت هذه المرة غير مسبوق، قياسًا بسابقاتها. وتؤكد قوى معارضة أن سكان 28 بلدة ومدينة شاركوا في الاحتجاجات.
قوات مكافحة الشغب تمكنت من تفريق المسيرات حتى الآن، واعتقلت المئات، بينهم قادة معارضون وصحفيون.
وبجانب الشارع، وصلت الاحتجاجات لملعب كرة قدم في مباراة قارية.
ورفع نشطاء مذكرة إلكترونية تطالب البيت الأبيض بالتدخل، جمعت 6,869 توقيعًا، لتحتاج 93,131 توقيعًا حتى 6 فبراير/ شباط للحصول على رد من الإدارة الأمريكية.
وزعم معارضون أن “مرتزقة” يتبعون “واغنر” الروسية يساعدون في قمع المتظاهرين.
ونقلت “سودان تريبيون” المحلية عن مصدر أمني، رفض الكشف عن هويته، أن عسكريين من “واغنر” عملوا مع المخابرات والأمن، رافضًا توضيح طبيعة التعاون.
ونفت السفارة الروسية في الخرطوم التقارير، ووصفتها بـ “المزيفة”.
انسحبت حركة الإصلاح الآن من الحكومة، فيما هدد حزب المؤتمر الشعبي بخطوة مماثلة.
الحزب اتهم “جماعات المصالح” بتكوين “كارتيلات للقمح والوقود وغيره” عبر سنوات.
الجبهة الوطنية للتغيير – تحالف يضم 22 حزبًا غالبيتها متحالفة مع حكومة البشير – دعت لتشكيل مجلس انتقالي يدير شؤون البلاد وحكومة تكنوقراط انتقالية، وحل البرلمان وحكومات الولايات.
تجمع المهنيين السودانيين طالب بتحقيق دولي مستقل في جرائم القتل والانتهاكات، وقادإضرابات مهنية في عدة قطاعات خدمية.
وأعلن التجمع وثلاثة أحلاف معارضة هي نداء السودان، والإجماع الوطني، و”التجمع الاتحادي المعارض “إعلان الحرية والتغيير”، عن تسيير مسيرات باتجاه القصر الرئاسي والبرلمان، وفتحوا الباب لانضمام “كل من يريد أن يرمي سهمًا في صدر النظام”.
ودعا زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إلى “نظام جديد برئاسة جديدة”، رافضًا الحديث عن تسوية مع البشير.
لاحقًا، طالب الشفيع أحمد محمد، الأمين العام السابق للحزب الحاكم، بـ “وثيقة خلاص” يضمنها الجيش، يفوض خلالها عمر البشير سلطاته لنائبه الأول، لتهيئة الظروف لتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية.
في 24 ديسمبر/ كانون الأول، تعهد البشير بـ “استمرار الإصلاح الاقتصادي”، داعيًا لتجاهل محاولات زرع الإحباط، وبعد أسبوع قال إن “الدولة وضعت خارطة طريق للخروج من الأزمة”، معتبرًا أن “أسبابًا داخلية وخارجية” سببت الظروف الضاغطة.
في 1 يناير/ كانون الثاني، أمر البشير بتشكيل لجنة تقصي حقائق، قبل أن يقول بعدها بيومين إن السودان يتعرض لـ “مؤامرة”.
وأكد البشير أن “ميزانية 2019 أبقت على على دعم السلع الأساسية”.
في 7 يناير/ كانون الأول، أعفى البشير وزير الصحة؛ إثر ارتفاع أسعار الأدوية، وطالب الشرطة بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة.
البشير ألمح لإمكانية تسليم السلطة للجيش، وكرر الحديث عن “مؤامرة” لن تدعم القوات المسلحة “العملاء” في تنفيذها.
لاحقًا، أشاد البشير بتعامل الأمن، وأكد أنه لن يسمح بانهيار السودان.
“من يقوم بالتخريب سنحسمه، ومن يظن أن السودان سيلحق بالدول التي انهارت، هذا مستحيل”.
أمير قطر تميم بن حمد اتصل هاتفيًا بالبشير “للتعبير عن دعمه للسودان”.
تميم أكد “وقوف بلاده مع السودان وتقديم كل ما هو مطلوب لتجاوز المحنة”. لكن بالنظر إلى ما يذاع على القنوات التليفزيونية المرتبطة بالقصر الأميري، لا يمكن معرفة الموقف القطري بالضبط.
الكويت طالبت مواطنيها بتجنب زيارة السودان، لتستدعي الخارجية السودانية سفيرها بالخرطوم، الذي نفى أية إشارات سياسية وراء القرار.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا السلطات السودانية للتحقيق في مقتل أشخاص خلال تظاهرات المعارضة.
وناقش مجلس الأمن المظاهرات، وأعربت دول غربية عن قلقها البالغ من العنف ضد المحتجين، واعترضت روسيا التي وصفت الاحتجاجات بـ “شأن داخلي”.
البرلمان الأوربي ندد بشدة بما وصفه بـ “العنف المفرط”، فيما دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الحكومة السودانية للتقيد بالقوانين الدولية، مع ضبط النفس وحل الأزمة عبر الحوار.
بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والنرويج أعربت، في بيان مشترك، عن قلقها من التعامل على الاحتجاجات.
ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي إليوت إنغل، وزير الخارجية مايك بومبيو لاتخاذ إجراء بشأن أزمة حقوق الإنسان في السودان، في ظل اتفاق نوفمبر/ تشرين الثاني، الذي يضع حقوق الإنسان أولوية في العلاقات الثنائية”.
ودعت منظمة العفو الدولية لإنهاء “الحملة العنيفة ضد المحتجين واحترام حق التعبير”.