في الأنظمة الشمولية.. لماذا يصل الأسوأ للقمة؟ | محمد فريد

في الأنظمة الشمولية.. لماذا يصل الأسوأ للقمة؟ | محمد فريد

25 Jun 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

انظر لطغاة الأنظمة الشمولية ، أدولف هتلر، وجوزيف ستالين، وماو تسي تونج، وفيدل كاسترو، وصدام حسين، وروح الله الخميني، ومعمر القذافي وغيرهم، لتجد تنويعات لنموذج متكرر.

هل الاستبداد مصادفة؟!

النموذج يبدأ بصعود مستبد ليحكم شعبه بالحديد والنار، ويتسبب في مقتل وشقاء ملايين البشر في دولة ذات منظومة حكم شمولية وسلطوية.

هنا يحضرنا السؤال: هل الأنظمة الشمولية دائمًا ما تفرز طغاة، ويكون على رأسها الأسوأ دائمًا؟ أم أنها مجرد مصادفة تاريخية خاصة بكل بلد؟

لاحظ فريدريش فون هايك تلك الظاهرة، ورأى أنها ترتبط بشكل وثيق بالتخطيط المركزي.

كما أسلفنا في مقال سابق، فالأنظمة التي تطبق التخطيط المركزي، وتضع خطة مركزية لكل مناحي الأنشطة الاقتصادية، تحتاج السلطوية لتنفيذ تلك الخطة بصورة قسرية، وإلا ستواجه الفشل.

اقرأ أيضا: هل يمكن الجمع بين “التخطيط المركزي” والديمقراطية؟

ومن ثم، فعلى القائد في المنظومة الشمولية ألا يكترث بالأخلاقيات أو احترام حقوق الأفراد، وإلا سيضطر لتقديم تنازلات تؤدي بالنهاية لفشل الخطة المركزية.

يحتاج ذلك القائد أيضًا لجمع حاشية من المستعدين للخضوع طوعًا للنظام الذي سيفرضونه بالقوة على الآخرين.

التوافق المجتمعي كما يحدث في الأنظمة الديمقراطية لن ينجح في تحقيق التوحد حول الخطة المركزية، التي تعكس فقط رؤية القائد، لذا فإن كل ما يحتاجه القائد هو تصدير الشريحة الأوسع، التي تستطيع فرض توجهها المتوافق مع الخطة المركزية، أو بتعبير آخر “ديكتاتورية البروليتاريا”.

كيف يصنع الشموليون حاشيتهم؟

المشكلة التي تواجه القائد الشمولي أنه لا توجد ثمة شريحة كبيرة في المجتمع بما يكفي لتحقق المطلوب، ومن ثم فعليه صناعة الشريحة بنفسه، كما يلي:

الأقل تعليمًا:

كلما ارتفع مستوى تعليم وثقافة الأفراد، اتسعت دائرة تفضيلاتهم، وازداد تباين الآراء والتمايز في الأذواق.

يميل القائد الشمولي للفئات الأقل تعليمًا، حيث سيجد تشابهًا أوسع في القيم الأكثر بدائية، وأذواقًا أقل تعقيدًا، وفكرًا أكثر ضحالة.

الشموليون يحاولون خلق طبقة ذات صوتٍ عال لفرض أجندتهم السلطوية، فيبدأون في مخاطبة الفئات الأكثر فقرا وأقل تعليما، باعتبار أن منظومة القيم وسط تلك المجموعات أكثر بدائية، وهو ما يوفر البيئة المناسبة للبروباجندا.

هل من قبيل المصادفة أن تبقى نسبة المتعلمين في روسيا ما قبل البلشفية دون الـ22%، وتصل نسبة الأمية في الصين قبل الثورة لقرابة 80%، وفي إيران قبل الثورة الإسلامية 50%؟..

ورغم اهتمام الشموليين بالتعليم لاحقا، وبناء خطابهم على تقليل نسب الأمية، إلا أن اهتمامهم ذاك يكون كميا، ويتم بشكل موجه؛ لتشكيل وعي المواطنين وجعلهم نسخا متطابقة لـ”المواطن المثالي” من منظورهم.

البسطاء مثاليون.. خصوصًا في سن مبكر:

سيعمل القائد على استقطاب البسطاء والطيعين، الذين لا يمتلكون قناعات خاصة، حيث سيكونون مستعدين لقبول الأنظمة الجاهزة بمجرد ترديدها حولهم بصورة عالية ومتكررة بما يكفي.

لعلنا نرى مثالًا على ذلك فيما قام به الاشتراكيون الألمان والطليان فيما قبل النازية، فهم أول من بدأ بجمع الأطفال في سن صغيرة داخل منظمات سياسية لتوجيه أفكارهم، وضمان زرع قناعات الحزب في عقولهم.

سارت الجماعات الإسلامية على نفس النهج، وعلى رأسها الإخوان، بتنظيم الألعاب الرياضية، ومعسكرات الكشافة، بالإضافة لتنظيم الخلايا والأسر للإشراف على مناحي الحياة الشخصية للأعضاء؛ منعًا لتعرضهم للعدوى بالأفكار الأخرى داخل المجتمع.

نحن وهم.. اصنع عدوًا يصدقوك

بهدف توحيد المجموعات المختلفة والأفراد الذين جرى استقطابهم ليشكلوا وحدة واحدة، فالأسهل توحيد المؤيدين على برنامج سلبي عن توحيدهم حول برنامج إيجابي، ومن ثم، فلا بد من خلق التمييز بين “نحن” و”هم”.

بداية من تمييز عضو المنظمة أو الجماعة عن المجتمع، سواء بالمظهر أو بطريقة الخطاب، أو حتى إلقاء التحية، كما فعل الاشتراكيون والشيوعيون ثم تبعهم النازيون والفاشيست ، أو كما يفعل الإسلاميون حتى اليوم.

الأمر لا يقتصر على المظهر، بل يمر إلى تحديد عدو داخلي لتوحيد الجهود لسحقه، كحال اليهود في ألمانيا النازية، أو البرجوازية في حالة الشيوعية، أو أصحاب المذاهب والديانات المختلفة في حال الإسلاميين. بعد عدو الداخل، ياتي دور إيجاد عدو خارجي؛ لإشعار المؤيدين بأن ثمة تهديد جدي يحيط بهم، بما يخلق المزيد من الاصطفاف خلف القائد، ويمنحه مجالًا أوسع لحرية التصرف.

خطة القائد هدف الجميع.. وإلا

ولتعمل المنظومة الشمولية بكفاءة، فمن الضروري أن تتبنى تلك الشريحة المصنوعة أهداف ورؤية القائد “الخطة المركزية”، ويعتبرونها أهدافهم الخاصة.

هنا يأتي دور الدعاية الموجهة والسيطرة التامة على المعلومات، وهو ما يفسر حالة الهوس بالإعلام التي تمتاز بها المنظومة الشمولية.

أما عن المجموعات والأفراد الذين لا يزالون يحتفظون بقناعاتهم الخاصة الرافضة للمنظومة الشمولية، أو حتى الذين يشككون في جدوى رؤية القائد، فيجب التعامل معهم بكل صرامة، وإجبارهم على الصمت، باعتبار أن هذه الآراء “الهدامة” قد تؤثر على عزيمة باقي أفراد المجتمع (العاملون على تنفيذ الخطة المركزية في هذه الحالة)، وهو ما يعد خيانة من باب “العمل ضد الصالح العام”.

حتى المواضيع التي تبدو بعيدة عن الأثر السياسي يجب أن تُمنع؛ فالنظرية النسبية هوجمت في ألمانيا النازية بحجة أنها “هجوم يهودي على أسس الفيزياء المسيحية والجرمانية”، كما هاجمها الشيوعيين باعتبارها “في صراع مع المادية الجدلية والمعتقد الماركسي”.

لا يجب أيضًا أن ننسى فتاوى تحريم القول بكروية الأرض ودورانها حول الشمس، وغيرها من الفتاوى التي أطلقها مشايخ الإسلاميين.

الأمر امتد ليشمل التسالي والألعاب، كما حدث في الصين إبان حكم “ماو”.

الصالح العام يبرر الوسيلة

وحيث أن الفرد في المنظومة الشمولية مجرد أداة لخدمة كيان أعلى وأكبر اسمه “المجتمع” أو “الأمة”، فعليه في هذه الحالة أن يعمل تحقيقًا لـ “الصالح العام”، ومن ثم فإن المبدأ المستقر السامي هو أن “الغاية – الصالح العام تبرر الوسيلة”.

وعليه، فعلى الفرد أن يكون مستعدًا تمامًا للتخلي عن أية قواعد أخلاقية أو إنسانية عرفها، وأن يسلم كليًا بان الممارسات الوحشية ضد الآخر، كالتطهير العرقي أو الإعدامات الجماعية بدون محاكمة، أو استباحة حياة وممتلكات الآخر، هي مبررة دائمًا وطبيعية تمامًا، في سبيل تحقيق الهدف الأسمى بخدمة المجتمع، وتحقيق رؤية القائد.

مما سبق، نجد أن جزءًا رئيسيًا من تركيبة المنظومة الشمولية يرتكز على إفراز أسوأ عناصر المجتمع لتصل لقمة السلطة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك