هل يمكن الجمع بين “التخطيط المركزي” والديمقراطية؟

هل يمكن الجمع بين “التخطيط المركزي” والديمقراطية؟

18 Jun 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يرى منظرو التخطيط المركزي ، وتدخل الدولة بصورة مباشرة في الاقتصاد، أننا إذا استطعنا تخطيط موارد المجتمع بصورة مركزية، ووجهناها صوب “النفع العام”، فسوف نحقق أكبر قدر من الإشباع للمجتمع.

وحينها تتحقق الحرية للمجتمع. ولن يكون هناك محتاج.

كما أن بعضا من هؤلاء المنظرين يعتقدون أنه يمكن أيضا أن يتزامن هذا مع حياة سياسية ديمقراطية.

لكن منتقدي التخطيط المركزي للاقتصاد يعارضون هذا الرأي تماما.

حسب فريدريك فون هايك، فإن التخطيط المركزي بداية الطريق إلى العبودية. لأنه:

  1. على المخططين أن يكون لديهم السلطة اللازمة لتطبيق خطتهم ويعتمد نجاحهم في تنفيذ هذه الخطة على تمتعهم بأكبر قدر من السلطة ومن ثم فرضها على أكبر عدد من الأفراد.
  2. هذا يعني حرمان هؤلاء الأفراد من قدر “ما” من حريتهم.
  3. يترتب عليه الاحتياج للمفاضلة بين توجهين: الديموقراطية سياسيا والتخطيط المركزي اقتصاديا.

يقول هايك:

“يقع الكثير من الاشتراكيين في الوھم القائل إن حرمان أفراد من السلطة التي يتمتعون بھا في النظام القائم على حرية الفرد، ونقل ھذه السلطة إلى المجتمع، سيمكنهم من إطفاء نفوذ هؤلاء الأفراد وإخماده. إن ما يتجاھلونه ھو أننا عندما نركز السلطة بشكل يجعلھا تستخدم في خدمة خطة واحدة فقط، فإنّ ذلك سيحولھا ويجعلھا تتصاعد بشكل  محدود. ومن خلال نزع السلطة من كيانات كثيرة كانت تحظى بها، وتمارسها بشكل مستقل، ثم تركيزها في يد كيان واحد، فإن ذلك سيجعل حجم تلك السلطة أكبر بكثير من أي سلطة سابقة لها، وسوف تصل إلى مدى أوسع، وتتخذ شكلا مختلفا”

اقرأ أيضا: متى ننصت لصوت العقل؟

عمليا، من المستحيل وضع خطة واحدة شاملة لكل مناحي وأوجه نشاط المجتمع بمختلف قطاعاته. ولو افترضنا جدلا إمكانية حدوث هذا، فإن تجميع كل تلك الخطط في خطة مركزية واحدة، وفي يد جهة واحدة، يجعل هذه الجهة صاحبة السلطة المطلقة.

إنهاء حكم القانون

التخطيط المركزي سيقود حتما إلى الديكتاتورية.

“لأن الأخيرة أداة أكثر فعالية في الإكراه والقسر. وهي بهذا أساسية ولا مناص منها إذا أريد للتخطيط الواسع النطاق أن يكون ممكنا. ليس هناك تبرير مقنع للاعتقاد السائد بأنه طالما تلك السلطة تُمنح عن طريق إجراءات ديمقراطية فإنه لا يمكنها، أي السلطة، أن تكون عشوائية. فليس مصدر (شرعيتها) ما يمنعها من أن تكون عشوائية. بل، من أجل أن تكون السلطة خالية من الصفات الديكتاتورية يلزمها أن تكون محددة، وليست مطلقة.”

إنفوجرافيك: رغم تشابه الموارد.. لماذا نجحت الإمارات وفشلت فنزويلا

الوضع الناشئ عن تركيز السلطات في يد جهة واحدة، تتولى التخطيط المركزي والتنفيذ المركزي، سينهي تماما حكم القانون.

حكم القانون ببساطة يعني أن تتقيد الحكومة بمجموعة من الضوابط والقواعد المعلنة والمعروفة للمجتمع مسبقا، والتي تشرح كيفية وحدود استعمال الحكومة لسلطاتها القسرية.

هذا ما يمنح المواطنين قدرا واسعا من الاطمئنان في تنظيم شؤونهم الخاصة، دون أن تكون الحكومة في موضع نزاع معهم.

غياب الضوابط سيحول الحكومة إلى طرف في النزاع بين المواطنين، لا تلزم فيه نفسها بأي محددات سوى تنفيذ رغبة رأس السلطة، المخطط الأكبر.

تحديد أسعار السلع – مثلا – قائم على وعي الفرد التاجر بمصلحته الخاصة، في مقابل قدرة زبائنه الشرائية. وعلى تحقيق التوازن بين هذا وذاك. وإلا ركدت السلعة، فخسر، أو استغنى عن تداولها.

تدخل الحكومة في هذه المعادلة، بسيف “المنفعة العامة”، سيقضي على القدر الضئيل من السلطة التي يتمتع بها أصحاب المشاريع الخاصة. ما بدأ اقتصاديا بشعار المصلحة العامة سينتهي سياسيا في صورة إحكام السيطرة على السلطة السياسية.

السيطرة الاقتصادية

“عندما توضع جميع وسائل الإنتاج في يد واحدة فقط، سواء كانت يد المجتمع ككل أو يد مدير، فإن صاحب هذه اليد يمتلك سيطرة تامة علينا. إن ممارسة درجة من هذه السيطرة الاقتصادية تمنح أفرادا أداة للإكراه والقسر، يمكن أن يسيطروا بها على حياة فرد آخر بالكامل. أما عندما تتركز هذه السلطة الاقتصادية في يد سلطة سياسية، فإنها تخلق درجة من الاعتماد قلما يتميز عن العبودية. إن كانت الدولة هي المشغل الوحيد في بلد ما، فإن إبداء المعارضة للدولة تعني الموت جوعا ببطء”.

كانت تلك هي صيحة هايك التحذيرية التي أطلقها في كتابه “الطريق إلى الرق” 1944 والتي أثبت التاريخ أنها ليست مجرد صيحة تحذير بقدر ما كانت رؤية نافذة ومتبصرة أثبت التاريخ والتجارب صحتها.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك