بحسب رواية التوراة في سفر الخروج، لما أمر الله موسى من جبل سيناء، بنقل رسالته إلى حاكم مصر أن يطلق بني إسرائيل، وأرسل شقيقه هارون معه للحديث نيابة عنه، منحه معجزات يفترض أنها ستكون دليل رسالة موسى كحجة على "فرعون".
لكن المفاجأة في الرواية أن الله أخبر موسى أنه سيمنع الحاكم والمحكومين المصريين من الاستجابة لرسالة موسى.
ورد الأمر في أكثر من موضع في سفر الخروج، باعتبار أن "تشديد الله قلب فرعون والمصريين بالكامل" أداة أدبية سردية لوضع خلفية لقصص اللعنات المستمرة التي ستطال شعب مصر بالكامل،
إحداها:”وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «عِنْدَمَا تَذْهَبُ لِتَرْجعَ إِلَى مِصْرَ، انْظُرْ جَمِيعَ الْعَجَائِبِ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِي يَدِكَ وَاصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلكِنِّي أُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ الشَّعْبَ.“
نتيجة رفض "فرعون" خروج بني إسرائيل من مصر، والتي تتحدث التوراة أنها كانت قرارًا إلهيًا بالأساس، أمر الله موسى أن يعطي شارة البدء لضرب المصريين باللعنات العشر. فاقترب موسى وهارون من النهر وغمسا عصاهما فيه، فتحول إلى دم، وماتت الأسماك, ثم ظهرت الضفادع وملأت بيوت المصريين.
وعندما ضرب موسى تراب الأرض انتشر البعوض في كل أرض مصر، ثم امتلئت سماء مصر بالذباب، ثم كان طاعون الماشية الذي ضرب الخيول والحمير والجمال والغنم والماعز، ثم أخذ موسى حفنة من التراب وقذفها في الجو، فظهرت الدمامل المتقيحة على البشر والحيوانات.
لكن كل تلك اللعنات لم تصب بني إسرائيل حينها، وفق رواية التوراة، إذ اقتصرت اللعنات على المصريين فحسب.
بعد ذلك، جاءت عاصفة رعدية من البر والنار قتلت الكثيرين وأتلفت الحقول، ثم ظهر الجراد فقضى على ما تبقى من الزراعات، ثم عم الظلام مصر لثلاثة أيام.
وأخيرًا، في المساء، مات كل الأطفال البكر في مصر، بما فيهم ابن "فرعون" نفسه، وأبكار البهائم، لكنها لم تمس أبناء الإسرائيليين بسبب وضعهم دم الحمل القرباني على أبواب منازلهم.
اللعنة الأخيرة ووفاة ابن فرعون، تسببت في دفعه للموافقة على السماح لبني إسرائيل بالرحيل عن مصر.
لكن، وبحسب رواية التوراة نفسه، غير حاكم مصر رأيه مجددًا، وسار بجيوشه خلف بني إسرائيل من أجل إعادتهم.. لتكتمل الرواية التوراتية بوصول موسى وبني إسرائيل إلى حدود البحر الأحمر، حيث فلق موسى البحر بعصاه، مما سمح للعبرانيين بالعبور إلى الشاطئ الآخر، ثم أعيد التئام البحر، فغرق فرعون وجيشه.
لا يستبعد الباحثون أن تكون مصر قد مرت بظواهر طبيعية تتشابه مع ما روته التوراة حول لعنات موسى العشر، وبينها نظرية ب"المد الأحمر"، التي تفترض أن الطحالب الحمراء ربما وصلت إلى النيل في فترة تاريخية ما من بحيرات إثيوبيا، فقتلت الأسماك، كما دفعت الضفادع بعيدًا عن المياه، فانتشر الذباب على الأسماك والضفادع النافقة، بينما ربطت نظرية أخرى رواية تحريك هارون للغبار بعواصف رملية عرضية ربما هبت على مصر يومًا.
أما الدمامل، فربطها باحثون بمرض يصيب الخيول والحمير ينتقل عن طريق الذباب في عام 330 قبل الميلاد. أو يمكن أن يكون مرض الجدري، الذي ترك ندوبًا على العديد من المومياوات وأما العاصفة المصحوبة بالبرد والنار، فغالبًا ما تشكلت بسبب انفجار بركان جزيرة سانتوريني في اليونان، وأما هجمات الجراد فهي متكررة عمومًا في أفريقيا.
وأخيرًا فإن الظلام لثلاثة أيام ربما يكون سببه عاصفة رملية أو رماد بركاني أو كسوف شمسي؛ ويستشهد خصوصًا بعاصفة دونها أحمس الأول (حوالي 1550 قبل الميلاد) تصور انحرافات مناخية، خاصة انتشار الظلام على الأرض.
ولذلك يقول البعض إن الانفجارات البركانية ربما أنتج تسونامي خلق في البداية جزرًا في البحر الأحمر بما أتاح عبوره لفترة، ثم اندفع المد فأعيد التئام المياه.
لكن المشكلة الحقيقية أن الحديث عن موت الأطفال الأبكار بقي بلا ربط محتمل، إلا ما توقعه باحثون من أنه قد يكون نتيجة طبيبعية لكل الضربات السابقة وتعفن مخازن الحبوب.
وهناك مشكلة أخرى أكبر
بينما تعود التوراة بقصة الخروج إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، بما دفع البعض للربط بين "فرعون موسى" وحاكم مصر رمسيس الثاني (1279-1213 قبل الميلاد)،
فإن المشكلة الأكبر التي واجهت الباحثين في الكتاب المقدس، كانت غياب أي أدلة أثرية من مصر نفسها في هذه الفترة من شأنها أن تؤكد وجود العبرانيين فيها، فضلًا عن خروجهم منها، أو بعث نبي إليهم.
كذلك، حتى بعد محاولة باحثين ربط "لعنات موسى" بأزمات محتملة واجهت مصر القديمة، فإن أزمة التواريخ استمرت؛ إذ وقعت الحوادث التاريخية التي استدل الباحثون على آثارها في مدى زمني طويل ومتباعد يمتد لمئات السنين، بما يعني استحالة حدوثها بذلك التزامن الذي ترويه التوراة.
هنا، يقول باحثون إن تلك التفاصيل المشتركة المحتملة بين تاريخ مصر القديمة ورواية التوراة حول اللعنات قبل خروج اليهود من مصر، سببها على الأغلب "التبادل الثقافي"؛ إذ تأثر العبرانيون بروايات المصريين حول أحداث قديمة مرت ببلادهم.
هذا التأثر لم يحدث في مصر "التي لا دليل على أن اليهود دخلوها كما ذكرنا"، بل في بلاد مجاورة حكمها المصريون لفترة، وبينها أراضي كنعان.
وهناك إجماع بين علماء الكتاب المقدس على أن العهد القديم تعرض لتعديلات وتحديث قصصه عدة مرات في القرن السادس قبل الميلاد، ربما تكون بعضها تأثرت بروايات المصريين حول أحداث تاريخية ربما عاشها أجدادهم في أوقات سابقة.