"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي ليست سوى منظمة إجرامية متمردة على الحكم الشرعي في إثيوبيا".. عبارة كانت تطلقها الحكومة الإثيوبية منذ تأسيس الجبهة في 1975، عندما تشكلت للقتال ضد الحكم العسكري الذي أطاح بالإمبراطور هيلا سيلاسي وأعدمه.
لكن جبهة تحرير تيجراي لم تكن لتقدم شكل أفضل للحكم.. هي أيضًا كانت تنظيمًا شيوعيًا يقوم على النهج الماركسي اللينيني مع نوستالجيا من ثورة تيجراي المسلحة في 1943 والتي ووجهت بالقمع العنيف.
هذه المرة كان قادة تيجراي مصممين على الفوز بالحكم، ليكونوا رأس السلطة، ليس في تيجراي فحسب، بل في إثيوبيا كلها.
في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، قدرت المخابرات المركزية الأمريكية قوات تيجراي بحوالي ألفي مقاتي، لكن العدد زاد للضعف على الأقل خلال عامين فقط.. أحد المنضمين الجدد كان ضابطًا يدعى دبرصيون جبر ميكائيل، الزعيم الحالي للتيجراي.
في تلك الفترة، كان زعماء الجبهة حريصين على تخفيف دعايتهم الشيوعية قليلًا، بينما يظهرون انتماءهم المسيحي المتدين لكسب المناطق الريفية التي كانت متدينة محافظة، لكن صعود الجبهة ترافق مع ممارسات عنيفة دموية ضد القادة العسكريين في الإقليم.
وبحلول 1983، كانت تقديرات CIA بأن الموقف انقلب لصالح جبهة تيجراي بتحالف مؤقت مع جبهة التحرير الإريترية، وأن الحكومة الإثيوبية استنزفت اقتصاديًا وعسكريًا.
وبنهاية الثمانينيات، كانت جبهة تيجراي الأكثر تنظيمًا بين المليشيات العرقية المتحالفة معها في إثيوبيا، لتتمكن في مايو 1991، بقيادة ميليس زيناوي، وبدعم من القوات الإريترية، من دخول أديس أبابا
هنا بدأت السيطرة الكاملة لعنصر التيجراي في إثيوبيا في الحكم والاقتصاد والجيش والمخابرات على حساب الأغلبية من الأورومو والأمهريين، وتم وقتها تعيين دبرصيون جبر ميكائيل وزيرًا للاتصالات.
استقلت إريتريا، لكن العلاقات مع الحلفاء القدامى التيجراي المسيطرين في إثيوبيا لن تكون جيدة، وستستمر العلاقات في التدهور حتى النزاع المسلح.
استمرت جبهة تيجراي في الحكم طبقا للنموذج الصيني بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال فإن النخبة التيجراي نجحت فعلًا في رفع الناتج الإجمالي المحلي للبلاد 10% سنويًا لمدة عقدين تقريبًا بينما تحكم قبضة حديدية على السلطة.
هذا النجاح لم تستفد منه كل قطاعات إثيوبيا وتركزت ثمار النجاح في يد تيجراي الذين حسنوا صورتهم أمام المجتمع الدولي، الغربي تحديدًا، بوضع إثيوبيا كمقاتل ضد تفشي الإرهاب في الصومال.
بينما في الداخل، يتصاعد الغضب نتيجة ممارسات تيجراي القمعية والتي نتج عنها اعتقال واختفاء عشرات الآلاف من الأشخاص والنشطاء المعارضين.
وغالبية الشعب من الأورومو وأمهرة لا تستطيع الحصول على حصة في الحكم أو التقدم الاقتصادي.
وتفجرت مظاهرات 2017 لتأتي بقائد جديد للبلاد في 2018 هو آبي أحمد
آبي أحمد مثل فرصة لإرضاء أغلب الشعب الإثيوبي، فهو ينتمي للأورومو ومتزوج من امرأة أمهريةـ وكانت بعض التقارير الإعلامية قالت إن والدته نفسها أمهرية قبل أن ينفي هو هذه التقارير.
آبي أحمد عقد سلامًا مع إريتريا، منهيًا الصراع المسلح بينها وبين إثيوبيا، نال عنه جائزة نوبل، لكنه حصل على جائزة أخرى أقل وضوحًا وقتها، وهي عزل التيجراي سياسيًا.
وفي نفس العام، بدأ التوتر مع دبرصيون جبر ميكائيل، زعيم إقليم تيجراي، عندما عزل قادة عسكريين، وبدأ سياسة إصلاح رأى قادة تيجراي إنها خطوة لعزلهم عن الائتلاف الحاكم، مما جعلهم يرفضون تسليم مطلوبين لإثيوبيا.
وجاءت الضربة عندما أمر آبي أحمد بتأجيل الانتخابات العامة بسبب تفشي كورونا، لكن قادة تيجراي رفضوا، وأجروا انتخابات الإقليم في أغسطس 2020، ولم تعترف بها أديس أبابا ليخرج الصراع إلى السطح.
وفي نوفمبر، بدأت العمليات العسكرية بين القوات الإثيوبية من جهة وبين الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي التي عادت لخانة التمرد ضد أديس أبابا.
الحكومة الإثيوبية أعلنت أنها ترد على هجوم مسلح قامت به جبهة تحرير تيجراي، التي أنكرت وقالت إنها تدافع عن الإقليم ضد "الغزاة" وأعلن جبر ميكائيل الاستعداد للقتال حتى الموت.
على الجانب الأخر، يقول الأكاديمي الإثيوبي المايهو مريم، إن أديس أبابا هي الأخرى لا تنوي التفاوض مع تيجراي، واصفًا أي مفاوضات بأنها ستكون أقرب إلى "مفاوضات بين الضباع والظباء حول ما سيتم تناوله على العشاء" وأن الموقف في النهاية هو معادلة صفرية.
القوات الإثيوبية أعلنت دخولها عاصمة إقليم تيجراي، الأمر الذي تم دون مقاومة تذكر، لكن بحسب وول ستريت جورنال لا يعني هذا نهاية الصراع بل ذوبان مقاتلي جبهة تيجراي بين المدنيين الإثيوبيين وإمكانية تحول الصراع لحرب عصابات.