حق الكد والسعاية | هل جامل شيخ الأزهر النسويات برواية مجهولة وفتوى محلية؟ | هاني عمارة

حق الكد والسعاية | هل جامل شيخ الأزهر النسويات برواية مجهولة وفتوى محلية؟ | هاني عمارة

18 Feb 2022
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في الأسابيع الماضية، ثار جدل ضد شيخ الأزهر أحمد الطيب بعد إعادة نشر فتواه بضرب الزوجات بالمسواك.

البعض اعتبر الفتوى ترقيعًا، وهاجم الطيب باعتباره داعيًا للعنف ضد المرأة. فلم تمض أيام، حتى فاجأنا شيخ الأزهر ببيان جديد، طالب فيه بإحياء ما يسمى “فتوى الكد والسعاية” من التراث الإسلامي؛ “باعتباره يحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة”.

لاحقًا، صدرت بيانات من عدد من الأزهريين تؤيد فتوى “حق الكد والسعاية” تدعمها بقصة منسوبة إلى عمر بن الخطاب، أنه حكم لزوجة تدعى حبيبة بنت زريق بنصف مال زوجها المتوفى؛ لأنها كانت تشاركه عمله من خلال نسج الثياب.

وأما الفتوى التي يرى شيخ الأزهر ضرورة إحيائها، فهي منسوبة لفقيه مغربي متأخر عاش في القرن العاشر الهجري، حكم فيها لنساء البادية بنصف ثروة الزوج التي شاركت بالعمل فيها، حيث جرت العادة أن تساعد نساء البادية أزواجهن في الزراعة وخلافه.

ولي ملاحظات على هذا الموضوع، ربما تحمل صدمة للبعض:

الأولى:

القصة المنسوبة لعمر بن الخطاب، والتي ترددت كثيرًا مؤخرًا احتفاءً بالفتوى، هي في الأساس مجهولة المصدر، لم أقف على أصل لها في كتب الحديث والأخبار، وتكاد تكون مختلقة.

وردت القصة في كتاب “العمل السوسي” وهو كتاب مالكي متأخر، زعم أن ابن أبي زمنين ذكرها في كتابه “منتخب الأحكام”، منسوبة لابن حبيب في الوضحة. وبالوقوف على كتاب ابن أبي زمنين، لم أجد القصة مطلقًا، رغم أنه ينقل كثيرًا عن ابن حبيب فعلًا. أما كتاب الواضحة لابن حبيب الأندلسي، فهو شبه مفقود، لم يصلنا منه إلا أجزاء صغيرة في أبواب الصلاة والحج.

كما أن بطلي القصة عمرو بن الحارث وحبيبة بنت زريق “مجاهيل” لم أجد لهما ذكرًا في كتب التراجم والطبقات.

الثانية:

الفتوى المنسوبة لابن عرضون  فتوى محلية، تتعلق بالأعراف بين البادية والأمازيغ. حيث جرت العادة أن تقوم النساء في أعمال الزراعة والتجارة لأزواجهن، فيما يبقى أصل المال باسم الزوج.

وردت الفتوى في كتاب “النوازل” للشيخ عيسى العلمي. والنوازل هو اسم أطلقه متأخرو المغاربة على كتب الفتاوى المتعلقة بوقائع معاصرة.

الثالثة:

أن الفتوى رغم أنها وردت في نساء البادية، إلا أن الجواب كان بالعموم.

حيث قال: “الزرع يقسم على من نتج عن خدمتهن” وهو كلام عام يشمل كل من شارك بالزرع، وكان له فيه كد وسعاية، سواء كانت زوجة أو ابن أو غيرهما. كما أنها قيدتها بمقدار الجهد أو بحسب الاتفاق، وليس لمجرد اتصاله بصلة بالمالك.

الفتوى الأصلية حق الكد والسعاية

الرابعة:

أن فتوى حق الكد والسعاية – برغم منطقيتها وعموميتها – قوبلت بمعارضة من أغلب فقهاء المغاربة اللاحقين. وقد ذكر ذلك صاحب كتاب النوازل نفسه.

وبرغم محلية الفتوى واختصاصها بحالات معينة، إلا أن بعض المعاصرين المغاربة احتفوا بها وحملها أكثر مما تحتمل، واعتبروها اصلا عاما بعنوان “حق الكد والسعاية” ثم انتقل النص إلى القانون المغربي لاحقًا، غير أنها لا تزال خاضعة لسلطة القاضي.

الخامسة:

فتوى حق الكد والسعاية لا يمكن تعميمها على المذهب المالكي؛ لأنها متأخرة جدًا أولًا، ولأنها تتعلق بوقائع وأحوال، ولم يتفق عليها متأخرو المالكية، حيث لا ذكر لمسألة حق الكد والسعاية في كبريات كتب المذهب المالكي، مثل المدونة والتمهيد لابن عبدالبر، وكتب ابن رشد الجد، وغيرهما

السادسة:

حق الكد والسعاية ورد بمعناه دون اللفظ في كتب المذاهب الإسلامية. فهي ليست مسألة مفاجئة. لكنها بالعموم تجعل لمن يشارك في عمل ما نصيبًا في نتاجه، ما لم يكن متطوعًا.

لماذا إذن تستدعى الفتوى؟

منذ فترة، ظهر إلحاح حقوقي نسوي في مسألة تخصيص نصيب في مال الزوج في حال الطلاق على الطريقة الغربية، وهو ما صرح به عدد من النسويات، مع رفض من رجال الدين باعتباره مخالفًا للقوانين الإسلامية أولًا،

وثانيًا: لعدم انطباق الحالة الغربية التي تجعل الزواج يحول أموال الزوجين إلى ملك مشترك بمجرد العقد، دون تمييز بين رجل وامراة. وبناءً عليه، قد يأخذ الرجل نصف ممتلكات زوجته.

حتى فاجأنا الدكتور سعد الدين الهلالي بمقالين في الأهرام بعنوان “حق السعاية الوظيفة المنسية” أعيد نشرهما كدراسة مستقلة عبر المجلس القومي للمرأة، وقدمت له رئيستها، مؤصلًا لفتوى حق الكد والسعاية استدلالًا بقصة عمر بن الخطاب المزعومة، وفتوى ابن عضون المحلية، معتبرًا أن “قيام المرأة بالأعمال المنزلية” يندرج تحت حق الكد والسعاية الذي يوجب لها أخذ نصف ثروة زوجها في حال الطلاق.

دراسة الدكتور سعد الدين هلالي حول حق الكد والسعاية

فهل يعي شيخ الأزهر هذا الأمر أو يقصده من وراء دعوته لإحياء ما يسمى بـ “حق الكد والسعاية”؟!

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك