في أغسطس 1776، هاجمت قوة بريطانية قوامها 20 ألف جندي، مدينة بروكلين. ضمن الحرب المستعرة بين الإمبراطورية البريطانية والمستعمرات الأمريكية التي أعلنت التمرد طلبًا للاستقلال.
كانت "موقعة بروكلين" فارقة في الحرب؛ لأن نجاح الإنجليز كان يعني وأد الثورة الأمريكية في مهدها، خاصة أن قائد تلك القوات كان جورج واشنطن، أحد أبرز القادة العسكريين الذين عرفتهم أمريكا طوال تاريخها.
ضربت القوة الإنجليزية حصارًا خانقًا على بروكلين وبدت في طريقها لإبادة 9 آلاف جندي أمريكي، على رأسهم واشنطن نفسه، لولا تدخّل الطقس.
ضباب كثيف خيّم على بروكلين طيلة الليل مكّن واشنطن من الانسحاب بجنوده دون أن يشعر به الإنجليز، وفي صبيحة اليوم التالي، وبينما يستعدّ الجيش البريطاني لبدء الهجوم، لم يجد أمريكيًا واحدًا في بروكلين!
عام 1812م، قاد الجنرال نابليون الجيش الفرنسي إلى نجاحات ساحقة في الأراضي الأوروبية.
وبجيش قوامه 680 ألف مقاتل، اخترق الأراضي الروسية، ومضى يُحرز الانتصار تلو الآخر، حتى باغته الشتاء الروسي القارس.
لم يحتمل جنود نابليون المناخ القاتل، بينما افتقروا فيه لملابس شتوية ثقيلة ولأي وسيلة تدفئة مناسبة.
في النهاية، اضطر نابليون للانسحاب، بعدما لم يبق على قيد الحياة من جيشه إلا 27 ألف رجلٍ.
فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، اشتعلت حربًا آخر باردة هذه المرة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي خلقت سباقًا محمومًا على اكتناز الأسلحة.
تصدّرت أمريكا المشهد بابتكار السلاح النووي، لكن السوفييت سرعان ما لحقوا بها، معلنين التوصّل إلى سر القنبلة الذرية بدورهم.
هنا سعى الأمريكيون للبحث عن سلاحٍ آخر تفوق آثاره آلاف القنابل النووية، وهو سلاح الطقس.
من 1946، بدأت تجارب أولية حول ضرب الأعداء بـ"عواصف ثلجية" و"أمطار غزيرة" وغيرها من تجليات الطقس العنيفة على الأرض.
فتحت هذه الخطوة سباقًا آخر مع السوفييت حول قُدرة أيٍّ من الدولتين العظمتين في تلجيم الطقس أولاً؛ حلم الأمريكان بإذابة القمم الجليدية لصناعات فيضانات مُدمرّة، أما الروس فخططوا لبناء سد نووي يقلل منسوب المحيط الهادئ بجوار أمريكا ما سيؤدي لرفع درجات الحرارة بها.
أشهر الحالات التي نعرفها لاستعمال الطقس كسلاح نفذتها أمريكا خلال حرب فيتنام، لتوجه فيها فشلها المتنامي خلال الحرب التي كلّفتها -خلال تلك اللحظة فقط- قرابة 8 آلاف قتيل.
نفّذت أمريكا عملية "هندسة مناخية" هدفت بها إلى استمطار سحابي لمدة 5 سنوات استهدفت إطالة موسم الرياح الموسمية في فيتنام، وهو ما سيُضعف قوات فيتنام الشمالية وسيسمح للقوات الأمريكية بالتفوق في الحرب.
التفاصيل الفنية لمثل هذه العمليات معقدة للغاية، لكن يُمكن تبسيطها في قيام طائرات عسكرية بنثر مركب "يوديد الرصاص" فوق السحب، وبعدها يلعب هذا المركب دورًا رئيسيًا في تكثيف المياه داخل السحب وحثّها على الإمطار بغزارة.
تفجّرت القضية في ظِل إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون فنفى مرارًا. لكن عام 1974، رفعت أمريكا النقاب عن العديد من الوثائق السرية التي أكدت وقوع العملية.
وبحسب الوثائق، هدفت العملية إلى زيادة حجم التعقيد اللوجستي الذي تواجهه القوات الفيتنامية المعادية عبر استعمال الأمطار الغزيرة لتخريب الطرق وملء الأنهار بشكل يمنع الجنود والعربات من الحركة.
تكلّفت تلك العملية قرابة 3.6 مليون دولار على مدى 5 سنوات، وفي النهاية فشلت في تحقيق أهدافها.
ولا يعني هذا أن تجارب "القتال بالطقس" قد انتهت، فمنذ عدة سنوات أعلن مصدر في المخابرات الأمريكية أنها لا تزال تفكر في الطقس كـ"مصدر تهديد محتمل".