البيت الأبيض والديوان الملكي المغربي يعلنان في 10 ديسمبر/ كانون الأول أن إسرائيل والمغرب قررا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة،
وكجزء من الاتفاق، قالت الولايات المتحدة إنها ستعترف “بسيادة المغرب الكاملة” على الصحراء الغربية.
القرار الأمريكي إنجاز دبلوماسي كبير للرباط، لكنه يخاطر بإشعال توترات في الداخل ومع جيران المغرب الأفارقة.
إذا نفذ الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن التعهد بإنشاء قنصلية أمريكية في المنطقة المتنازع عليها، فسيكون ذلك بمثابة دعم كبير لاستراتيجية المغرب الدبلوماسية المتمثلة في المطالبة بسيادة الأمر الواقع على الإقليم، حيث يتجاوز تأثير واشنطن العالمي بكثير تأثير دول أفريقيا والشرق الأوسط التي فتحت مؤخرًا قنصليات في الصحراء الغربية.
لكن الأمر ليس سهلًا. الخبيرة المستقلة في ملف الصحراء الغربية هانا راي أرمسترونغ، تعتبر أن “ترامب أشعل النار للتو”، خصوصًا بتزامن قراره مع عبور قوات المغرب منذ أسابيع للحدود إلى داخل الصحراء الغربية واعتبار البوليساريو أن وقف إطلاق النار قد انتهى.
فما النتائج المترتبة على قرار ترامب؟
س/ج في دقائق
لماذا وضعت الصحراء الغربية على طاولة تفاوض المغرب – إسرائيل؟
الصراع في الصحراء الغربية ظل خامدًا لما يقرب من ثلاثة عقود بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي دعا إلى استفتاء لتقرير مصير الإقليم، والذي لم يجر بسبب خلافات بين المغرب والبوليساريو حول شروط التصويت.
مع ذلك، ظل وقف إطلاق النار ساري المفعول، وبقيت الصحراء الغربية هادئة نسبيًا حتى مع دخول أجزاء من المنطقة الأوسع – مثل ليبيا ومالي والنيجر ونيجيريا- في أزمات داخلية.
لكن الهدوء النسبي انتهى الشهر الماضي، عندما شن المغرب عملية عسكرية في المنطقة العازلة الخاضعة لدوريات الأمم المتحدة لإبعاد المتمردين الذين كانوا يغلقون طريقًا يربط الإقليم مع موريتانيا المجاورة.
رداً على ذلك، انسحبت البوليساريو من وقف إطلاق النار وأعلنت الحرب على المغرب بالتزامن مع مفاوضات الولايات المتحدة مع المغرب للاعتراف بإسرائيل.
إدارة ترامب حذرت المغرب من أن تصاعد العنف قد يعرقل المحادثات، لكن فريق البيت الأبيض قرر بالنهاية أن فوائد الصفقة تفوق المخاطر التي قد تؤدي إلى اندلاع حلقة جديدة من العنف المزعزعة للاستقرار في شمال أفريقيا.
ويسيطر المغرب على ما يقرب من 80% من الأراضي المتنازع عليها، وهي غنية بالفوسفات والأسماك واحتياطيات محتملة من النفط والغاز. بينما تسيطر “الجمهورية العربية الصحراوية” المدعومة من الجزائر وجماعة البوليساريو المسلحة على الأراضي المتبقية.
وكيف ستؤثر مقايضة الاعتراف مع التطبيع على الداخل المغربي؟
يرحب المغاربة إلى حد كبير بمزيد من الدعم الخارجي لمطالب بلادهم بالسيادة على الصحراء الغربية. لكن ستراتفور تحذر من أن مقايضة اتفاق السلام مع إسرائيل بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قد يقود إلى رد فعل محلي خطير.
جبهة البوليساريو استغلت هذه النقطة بالفعل، وقالت إن المغرب مستعد للتضحية بفلسطين من أجل فرض نفوذه على الصحراء الغربية.
للمساعدة في نزع فتيل هذا التوتر، أوضح ملك المغرب أن الاتفاقية الجديدة لم تغير موقف الحكومة الرسمي المؤيد للفلسطينيين، وأجرى اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول، وهو نفس اليوم الذي أُعلن فيه اتفاق السلام، وأكد للرئيس الفلسطيني أن المغرب لا يزال مع إقامة دولة فلسيطينية.
تقول ستراتفور إن العديد من المغاربة يخشون أن تؤدي علاقة جديدة مع إسرائيل إلى تخلي المغرب عن سعيه لإقامة دولة فلسطينية.
لكنه يستدرك أن الرحلات الجوية المباشرة والعلاقات التجارية الأعمق مع إسرائيل ستولد فوائد اقتصادية قد يشعر بها الجمهور المغربي.
وكيف سيؤثر دعم الولايات المتحدة للمغرب على الأمن في المنطقة؟
دعم الولايات المتحدة لمطالب المغرب في الصحراء الغربية سيزيد من تأجيج الصراع مع جبهة البوليساريو والجزائر التي تدعمها.
الدعم الأمريكي الصريح للجانب المغربي يجعل من المستبعد إجراء الاستفتاء المؤجل منذ 1991، وهذا بدوره سيضغط على البوليساريو وداعميها في الجزائر لاستخدام الوسائل السياسية والعسكرية لإبطاء بسط السيادة المغربية.
يعتبر ستراتفور أن احتمال إنشاء قنصلية أمريكية، على وجه الخصوص، يزعج الجزائر بشدة، مما قد يثير القضية على الأرجح في القنوات الدبلوماسية مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية.
إذا استمر العنف دون رادع، يحذر المراقبون من أنه قد يضر بالأمن في المنطقة الأوسع، ويجذب الشبكات الإجرامية لتهريب الأسلحة والممنوعات التي قد تربطها بالصراعات في ليبيا ومالي والنيجر.
حرب جديدة قد تجتذب دولا أخرى وتحولها إلى صراع إقليمي، ويمكن أن يؤدي عدم الاستقرار والحرب إلى فتح أبواب للجماعات الإسلامية الإرهابية العاملة في غرب إفريقيا، كما حدث في العديد من البلدان الأخرى.
ما موقف البوليساريو – الجزائر من الاعتراف الأمريكي؟
البوليساريو، عبر وزير خارجية “الجمهورية العربية الصحراوية”محمد سالم ولد السالك، أدانت الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وتعهدت بمواصلة القتال حتى انسحاب القوات المغربية من الصحراء بأكملها.
وعلى الأرض في الصحراء الغربية قال نشطاء إن إعلان ترامب دفع المزيد من المتمردين للانخراط في المجهود الحربي ضد المغرب. ستراتفور نقلت عن أحدهم قوله إن هذه علامة على معركة مسلحة طويلة”.
لكن رغم ذلك، لم يكن هناك رد فعل فوري من الجارة الجزائر، المنافس الإقليمي للمغرب والداعم الخارجي الرئيسي للبوليساريو، والتي سيكون دعمها – أي الجزائر – ضروريًا لأي عودة إلى القتال الرئيسي.
عدة دول أفريقية قالت أنها لا تريد من المغرب أن يبسط نفوذه على الصحراء الغربية دون استفتاء، مما يشير إلى قبول ضعيف للاعتراف الأمريكي.
أقام المغرب علاقات تجارية واستثمارات أعمق عبر إفريقيا جنوب الصحراء بعد عودة الرباط 2017 إلى الاتحاد الأفريقي، وأدت استراتيجية التنويع هذه إلى تقليص اعتماد المغرب الاقتصادي على أوروبا، التي لا تزال سوق التصدير الرئيسي.
الدول الأفريقية التي أنشأت حتى الآن قنصليات في الصحراء الغربية هي بوركينا فاسو وجزر القمر وزامبيا، في حين أن هذه البلدان مهمة لدفع المغرب نحو السيادة الشاملة، إلا أنها أصغر وأقل قوة.
قدمت السنغال وغانا وساحل العاج دعمًا دبلوماسيًا لمطالب المغرب في الصحراء الغربية. لكن دول غرب إفريقيا الكبرى الأخرى، مثل مالي، لا تزال تعارض إضفاء الشرعية على السيادة المغربية في الإقليم، بينما تتمسك موريتانيا بما تسميه موقف “الحياد الإيجابي”.
وماذا عن موقف أوروبا؟
يعتبر الاتحاد الأوروبي إلى حد بعيد الشريك التجاري الأكبر للمغرب، حيث تذهب إليه ما يقدر بنحو 65% من الصادرات المغربية، لكن أغلب دوله متمسكة بقرار الأمم المتحدة بإجراء الاستفتاء، وبأحكام محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب لاستغلاله ثروات الصحراء الغربية.
سيعتمد مسار سياسة الرباط على استمرار الدعم الأمريكي من إدارة بايدن المقبلة، والتي ستؤثر أفعالها أيضًا على ما قد يكون رد فعل فاترًا من الاتحاد الأوروبي، حيث إن واشنطن هي القادرة على التأثير في تصرفات شركاء المغرب الأقوياء الآخرين.
فرنسا وإسبانيا الشريكان التجاريان الأوروبيان الأساسيان اللذان من المحتمل أن يظهرا رغبة أكبر في قبول استراتيجية المغرب.
ومع ذلك، فإن رفض الاتحاد الأوروبي الاعتراف بالسيادة المغربية بسبب دعم دوله لاستفتاء الأمم المتحدة حول الصحراء الغربية من المرجح أن يستمر في التأثير على التجارة المغربية الشاملة عبر أوروبا.