في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، بدأت الاتصالا بين إسرائيل والمغرب الخاضع حينها للحماية الفرنسية. لكن العلاقات، التي اكتسبت زخمًا كبيرًا بحصول المغرب على استقلاله في مارس/ آذار 1956، لم تمنع الملك الجديد محمد الخامس من تقييد هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل، خصوصًا بعد عام 1959، حين أعلن الصهيونية جريمة، وأصدر أوامره بمنع الهجرة
كان الملك، تمامًا كالحكام العرب الآخرين، مقتنعًا أن أي يهودي مغربي لن يعزز فقط الدولة الوليدة، بل قد ينتهي به الحال بمحاربة إخوانه العرب ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي، وتوقع أن قراره سيكون مفيدًا للجميع بمنع وصول الأمور إلى تلك النقطة.
لكن الموساد لم يتوقف عند خطط الملك محمد الخامس.
أرسل عملاءه إلى المغرب بحثًا عن طريقة للالتفاف حول إغلاق الملك. حشد فريقا من الجواسيس، غالبيتهم من اليهود المغاربة، وجميعهم من الناطقين بالفرنسية والعربية، لابتكار طرق لتهريب ما تبقى من 150 ألف يهودي من المغرب.
الفريق حمل اسم "Misgeret - مسجريت - الإطار" وكان مسؤولًا ليس فقط عن الهجرة غير الشرعية إلى إسرائيل، ولكن أيضًا عن تنظيم وحدات مسلحة لحماية التجمعات اليهودية من أي تهديدات محتملة من قبل الغالبية العربية المسلمة.
عميل الموساد شموئيل طوليدانو قاد العملية التي استمرت 5 سنوات، وشملت ترتيب شاحنات نقل اليهود إلى طنجة، التي كانت حينها خاضغة لترتيبات دولية خاصة، بما في ذلك دفع رشاوى للضباط على طول الطريق، ثم شحن اليهود المغاربة على متن قوارب تنطلق من ميناء المدينة إلى إسرائيل.
لاحقًا، نجح فريق الموساد في تأمين استخدام سبتة ومليلية، اللتين بقيتا تحت السيطرة الإسبانية، لنقل اليهود عبر الساحل المغربي نفسه، بالتعاون مع حاكم إسبانيا الفاشي، فرانثيسكو فرانكو.
وخلال السنوات الخمس، اشترى الموساد معسكرًا سابقًا للجيش يقع في المستعمرة البريطانية في جبل طارق، على الساحل الجنوبي لإسبانيا، وحول الثكنات إلى منشأة نقل لليهود الخارجين من المغرب.
لكن العملية برمتها كادت تنكشف في 10 يناير/ كانون الثاني 1961، حين انقلب قارب صيد اسمه "إيجوز"، كان مكتظًا باليهود المغاربة المسافرين إلى إسرائيل، حين ضربته عاصفة بين الساحل المغربي وجبل طارق، ليغرق 42 رجلاً وامرأة وطفلًا مع أحد عملاء الاتصالات في الموساد،
صحيح أن الكارثة أثارت تعاطفًا دوليًا، لكنها وضعت يد السلطات المغربية على العملية بكاملها، ما وضع استمرارها في خطر، وكذلك عملاء الموساد داخل المغرب الذين شاركوا فيها
لكن التفاصيل التالية كانت كفيلة بتغيير الدفة.. توفي الملك محمد الخامس في مارس/ آذار 1961 وحل مكانه ابنه الحسن الثاني.
الملك الجديد كان مهتمًا بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. لهذا، لم يكن صعبًا أن يقتنع بمشورة منظمتين أمريكيتين يهوديتين، لجنة التوزيع المشتركة اليهودية الأمريكية وجمعية مساعدة المهاجرين، بأنه سيترك انطباعًا جيدًا إذا سمح لليهود في المغرب بالرحيل إلى إسرائيل بحرية.
في المقابل، دفعت المنظمتان ضريبة رأس لكل يهودي يسمح له بالخروج، تحت بند أنها تعويض للحكومة المغربية عن الاستثمار في التعليم اليهودي المحلي.
وبدعم من التبرعات اليهودية الأمريكية، دفعت المجموعتان ما يقرب من 50 مليون دولار لتمكين ما يقرب من 60 ألف من يهود المغرب من المغادرة.
وهنا، بدأت مرحلة جديدة من مشروع الهجرة باسم "ياخين" نسبة لأحد الأعمدة التي تدعم هيكل سليمان، بإدارة الموساد.
وبهذه الطريقة هاجر 80 ألف يهودي آخر إلى إسرائيل بين عامي 1961 و1967. وبقيت جالية يهودية صغيرة في المغرب للعمل كجسر للعلاقات الإسرائيلية المغربية، خاصة خلال الأزمات.
عهد الملك الحسن الثاني يعتبر العصر الذهبي للعلاقات السرية بين المغرب وإسرائيل، وكان الجانب المغربي بقيادة ضابطي المخابرات والجيش: الجنرال محمد أوفقير والعقيد أحمد الدليمي، ثنائي المخابرات المغربي اللذين سمحا للموساد بفتح مقر في البلاد في فيلا بالعاصمة الرباط.
عندما استضاف المغرب القمة الثانية لجامعة الدول العربية في 1965، قررت أجهزته الأمنية التنصت على غرف الفنادق وقاعات المؤتمرات في الدار البيضاء لجميع القادة العرب.
كانت تصرفات المغرب مدفوعة بعدم الثقة في بعض الجيران، وشجعتهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ووفق تقارير أجنبية، كان عملاء الموساد يساعدون نظرائهم المحليين في عملية التنصت وتبادل المعلومات.
وفقًا لهذه التقارير، ساعد المغرب الموساد في زرع عملاء في مصر، التي كانت في ذلك الحين العدو اللدود لإسرائيل.
الموساد سرعان ما أدرك أنه في عالم التجسس، لا توجد خدمات مجانية، عندما طلب أوفقير والدليمي من رئيس الموساد مائير عاميت في 1965 اغتيال المهدي بن بركة، زعيم المعارضة المغربي، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول رفض أن يقوم الموساد بعمل المرتزقة، مكتفيًا بالسماح للموساد بمساعدة المغاربة في تحديد مكان الهدف.
استدرج عملاء مغاربة، بمساعدة من ضباط أمن فرنسيين سابقين، انتحلوا صفة طاقم إنتاج فيلم، بن بركة من سويسرا إلى مقهى ليبي في باريس واختطفوه في وضح النهار.
أوفقير والدليمي، استجوبا بن بركة حتى الموت، فأصيب الدليمي بالذعر، واندفع ليطلب من الموساد المساعدة في التخلص من الجثة، وتم توجيههم إلى منطقة بوا دو بولوني في العاصمة الفرنسية، وطلب منهم شراء كيس من الحمض، ولف الجثة فيه ودفنه هناك.
لم يتم العثور على جثة بن بركة، لكن الاغتيال تسبب في عاصفة دبلوماسية وسياسية في فرنسا والمغرب وإسرائيل، فهدد الرئيس الفرنسي شارل ديجول بإغلاق مركز الموساد في باريس، وفي إسرائيل فتح تحقيقًا، ومن وقتها توقف الموساد عن تلبية مثل هذه الطلبات.
بعد ذلك بعامين، حققت إسرائيل انتصارًا سريعًا في حرب الأيام الستة عام 1967، وقد ساعد ذلك في تطوير العلاقات مع المغرب.
تم بيع فائض الأسلحة الإسرائيلية - الدبابات والمدفعية فرنسية الصنع- للجيش المغربي.
لكن العلاقات الحميمة لم تمنع الملك الحسن الثاني من إرسال قواته للمساعدة في المجهود الحربي المصري - السوري ضد إسرائيل في عام 1973. وردًا على ذلك، أمر رئيس الموساد إسحاق هوفي بوقف التعاون مع المغرب.
لم يدم الشجار طويلا. في عام 1977، استضاف الملك الحسن لقاءات سرية بين الموساد ومصر مهدت الطريق لخطاب السادات التاريخي أمام الكنيست ومعاهدة السلام الموقعة بين القدس والقاهرة، وهي الأولى من نوعها بين إسرائيل والعالم العربي.
سرعان ما عادت العلاقات الإسرائيلية المغربية إلى مسارها الطبيعي في جميع المجالات، فعلم المستشارون والخبراء الإسرائيليون نظراءهم المغاربة تكتيكات مناهضة للمتمردين لمحاربة جبهة البوليساريو، التي تقاتل من أجل الاستقلال في الصحراء الغربية، بعد أن أعلن المغرب ضمها في 1976.
بعد عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية واتفاقات أوسلو، وعلى خطى دول عربية وإسلامية أخرى، افتتح المغرب بعثة دبلوماسية منخفضة المستوى في تل أبيب.
بعد الانتفاضة الثانية، أمر الملك محمد السادس، الذي ورث العرش من والده الراحل الحسن، بإغلاق البعثة في العام 2000.
لكن العلاقات غير الرسمية ظلت دائمًا في مكانها. هناك مليون إسرائيلي من أصول مغربية، وقد سُمح لهم ولإسرائيليين آخرين بالسفر إلى المغرب لسنوات، وتنامت التجارة الثنائية، وأصبحت العلاقات الاستخباراتية والعسكرية بين البلدين أفضل من أي وقت مضى.
وكان إعلان السلام بين الجانبين بمثابة إضافة للطابع الرسمي على العلاقات بين البلدين، والتي يرجع الفضل فيها للموساد، كما ترى هآارتس.
الاغتيالات والرشاوى وتهريب اليهود: داخل التحالف السري الطويل للموساد الإسرائيلي مع المغرب (هاآرتس)