التوترات في منطقة شرق البحر المتوسط، مستمرة منذ عقود، ومؤخرا تصاعدت التوترات إلى حد بعيد.
حشدت تركيا واليونان، العضوان في حلف الناتو، أساطيلهما وطائراتهما الحربية في مواجهة بعضهما البعض في البحر الأبيض المتوسط.
التوترات متجذرة في التنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط.. فما هو أساس الصراع؟
بعد اندلاع الحرب الأهلية بين القبارصة اليونان والقبارصة الأتراك في 1963 تم تقسيم جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط،
وبعد الغزو التركي للجزية عام 1974، تم تقسيمها سياسيا بالكامل. استولت تركيا على الثلث الشمالي من الجزيرة بينما ظل الجزء الجنوبي قبرصيا خالصا.
بررت تركيا الغزو حينها بأنها تريد حماية الأقلية القبرصية التركية في أعقاب انقلاب داخلي دعمته أثينا، ما جعل الجارتين على شفا حرب.
حتى يومنا هذا لم يتم الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية إلا من قبل تركيا، بينما تتمتع جمهورية قبرص المعترف بها دوليا بالسيادة الرسمية على الجزيرة بأكملها.
لكن واقعيا لا تستطيع أن تحكم سوى الجنوب، ولم تعترف بها تركيا ما جعل جهود التوحيد تتوقف، وفي الوقت نفسه خففت الولايات المتحدة حظر الأسلحة المفروض على جمهورية قبرص منذ عقود، في خطوة أدانتها تركيا.
حين بدأت تركيا أنشطة البحث عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط، في 2020 ، بدأت التوترات تتصاعد بشدة، خاصة بعد اكتشاف احتياطات غاز كبيرة في نفس المنطقة من قبل مصر وإسرائيل وقبرص. من هنا تصاعدت الخلافات. بسبب التفسيرات المتضاربة على مسألة الحدود البحرية ومسألة السيادة في قبرص.
من ناحية لا تعترف تركيا بحقوق اليونان الإقليمية التي تم تحديدها حول جزرها والتي يقع بعضها قبالة الساحل التركي، وترى أن تحديد الحدود البحرية لأي دولة ينبغي أن يتم بناء على الجرف القاري للدولة وليس بناء على جرف جزرها، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تنص على أنه يمكن للدولة الحفاظ على منطقتها الاقتصادية الخاصة تصل لـ370 كيلو متر من سواحلها، وعند تقاطع المياه الاقتصادية الخاصة بدولتين، لابد من الوصول لتسوية. لكن تركيا لم تصدق على تلك الاتفاقية.
وترى تركيا أن الدول الجزرية مثل قبرص، يحق لها فقط التمتع بحقوقها داخل مياهها الإقليمية القانونية، والتي يمكن أن تمتد إلى 12 ميلا بحرية كحد أقصى، وخلال ذلك تطالب الدولة القبرصية التركية المعلنة ذاتيا، بحقوقها في أي موارد طاقة يتم اكتشافها قبالة الساحل القبرصي.
في عام 1987 وصلت تركيا واليونان لحافة الحرب مرة أخرى، بسبب حقوق التنقيب عن النفط، واندلعت التوترات مرة أخرى في عام 1996 بشأن السيادة على جزيرة إيميا غير المأهولة.
التوترات في بحر إيجه الحالية منصبة على ٣ خلافات:
1/ ترى تركيا أن اليونان لها حق البحث عن الموارد الاقتصادية في بحر إيجه لمسافة 6 أميال فقط من شواطئها، لكن الحكومة اليونانية ترى أنها 12 وليس 6. وكان البرلمان التركي سمح للحكومة في عام 1995 باستخدام القوة العسكرية إذا توسعت اليونان في مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا بحرية، في بحر إيجه.
وتدافع اليونان عن حقها في القيام بهذه الخطوة بموجب قانون البحار، لكنها في الوقت نفسه لم تعلن عن خطط للقيام بذلك.
2/ بعد الحرب العالمية الثانية، تم التنازل عن جزر دوديكانيسيا لليونان من قبل إيطاليا بشرط نزع السلاح، وبعد ظهور صور لجنود يونانيين يصلون إلى كاستيلوريزو وهي أبعد نقطة في جزر دوديكانيسيا، حذرت الحكومة التركية اليونان من كسر القيود المفروضة على الجزيرة، وردت اليونان بأنها تقوم فقط بتدوير روتيني للقوات على الجزيرة.
3/ فيما يتعلق بالمجال الجوي، تطالب اليونان بمجال جوي يمتد لـ10 أميال بحرية من ساحلها، بينما ترى تركيا أن لها فقط 6 أميال بما يتوافق مع مياهها الإقليمية.
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن المواطنين ذوي الأصول التركية في الجزء اليوناني من منطقة تراقيا يعانون من التمييز، كما تتهم تركيا اليونان بإغلاق عشرات المدارس التركية، وفي عام 2017، وخلال الزيارة الأولى لرئيس تركي إلى اليونان منذ 65 عاما، طالب أردوغان بمراجعة معاهدة لوزان، وهي معاهدة عام 1923 التي أنهت الصراع بين الإمبراطورية العثمانية وحلفاء الحرب العالمية الأولى فيما فيها اليونان وفرنسا والمملكة المتحدة.
تركيا تريد مراجعة الاتفاقية لتعزيز حقوق ما تصفه بالأقليات المسلمة في اليونان وحل النزاعات على السيادة في بحر إيجة.
بينما تنكر اليونان تمييزها ضد الأقلية المسلمة، وترى أن أردوغان ليس في وضع يسمح له بإلقاء محاضرات حول هذه القضايا خاصة بعد أن أغلقت مدرسة لاهوتية أرثوذكسية يونانية في عام 1971 بموجب قانون وضع التدريب الديني والعسكري تحت سيطرة الدولة، وكذلك قيامه مؤخرا بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد.