الولايات المتحدة تضيق الخناق المفروض على إيران سعيًا لدفع إيراداتها من الصادرات النفطية إلى الصفر.
واشنطن قررت وضع حد لنظام الإعفاء المؤقت الممنوح لثماني دول، ليصبح عليهم إما وقف وارداتهم من النفط الإيراني أو التعرض للعقوبات الأمريكية.
القرار فاجأ الأطراف – التي كانت تتوقع تمديد فترة الإعفاء بما يسمح لهم بمواصلة شراء النفط الإيراني – وأربك سوق النفط العالمي. ومنح معظم مفاتيح اللعبة لدولتي الخليج العربي؛ السعودية والإمارات.
فلماذا قررت إدارة ترامب تغيير قواعد اللعبة الآن؟ هل تملك وسائل الضغط لإحكام الحصار؟ كيف استجابت الدول الثماني؟ وكيف وصلت المفاتيح للسعودية والإمارات؟ وماذا تنوي الدولتان بهذا الصدد؟ الإجابة في:
بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق إيران النووي في 8 مايو/ أيار 2018، أعاد الرئيس دونالد ترامب فرض العقوبات التي رفعتها إدارة أوباما على دفعتين، دخلت ثانيهما حيز التنفيذ في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
ومنحت واشنطن ثماني دول استثناءً مؤقتًا من نظام العقوبات لمدة 180 يومًا، بما سمح لها بمواصلة شراء النفط الخام الإيراني، شريطة اتخاذ كل منها لخطوات جادة على طريق خفض المشتريات والتحرك نحو إنهاء الواردات.
القائمة المستثناة شملت: الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية.
ولم يسمح نظام الإعفاء المؤقت لطهران بالاستفادة من العائدات بشكل مباشر؛ إذ أوجب تحويل المستحقات المالية لحسابات إيران في الدول المستثناة، على أن يسمح باستخدام الأموال فقط لشراء الأغراض والسلع، لا سيما الإنسانية.
وبحسب محللين، اضطرت إدارة ترامب جزئيًا لمنح الإعفاءات المؤقتة على خلفية القلق بشأن آثار الحظر على سوق النفط، وبالتالي على الاقتصاد الأمريكي نفسه.
ينتهي الموعد النهائي لنظام الإعفاء المؤقت في 2 مايو/ أيار ٢٠١٩.
ولم يتضح ما إذا كان قرار إنهاء إعفاءات النفط الإيراني سيوقف الصادرات المسموح بها كليًا، لكن “وول ستريت جورنال” نقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة إن فترة سماح ستمنح للدول المستفيدة لمواصلة تلقي النفط الذي تعاقدوا على شرائه، لكن آلية التنفيذ تبقى غير واضحة حتى الآن.
في وقت سابق من هذا الشهر، قال كبير مبعوثي الخارجية الأمريكية لإيران، براين هوك، إن ثلاث دول من الثماني التي تلقت إعفاءات نفطية العام الماضي انتقلت بالفعل إلى خانة صفر واردات إيرانية.
لم يحدد هوك الدول الثلاث، لكن محللي أسواق النفط كشفوا أن إيطاليا واليونان وتايوان أوقفوا واردات النفط الإيراني هذا العام.
وعارضت الصين وكوريا الجنوبية علنًا القرار الأمريكي.
وتقول الخارجية الصينية إن بكين تعارض العقوبات الأمريكية أحادية الجانب وما وصفته بـ “سياسة الذراع الطولى” التي تمارسها واشنطن فيما يخص إيران.
وأضافت خارجية بكين أن علاقات التعاون بين الصين وإيران منفتحة وشفافة ومشروعة وتسير وفقًا للقانون، مطالبة واشنطن باحترامها.
وأكد المتحدث باسم الحكومة اليابانية يوشيهايد سوجا على أن طوكيو ترفض تمامًا الإضرار بمصالح وعمليات الشركات اليابانية، مؤكدًا أن بلاده ستتناقش مع واشنطن عن كثب حول هذه القضية.
قرار إلغاء نظام الإعفاء المؤقت صدر في سوق مرتبك بالفعل، في ظل العقوبات الأمريكية على صادرات النفط من إيران وفنزويلا.
وارتبكت أسعار النفط هذا العام، بسبب التغييرات الطوعية وغير الطوعية التي قام بها أعضاء أوبك.
الارتباك تضاعف باندلاع الفوضى في ليبيا، التي تضخ أكثر من 1.2 مليون برميل من النفط يوميًا، بينما يحذر مسؤولون ليبيون من أن الإنتاج قد ينخفض إلى الصفر إذا استمر تصاعد الأعمال العدائية.
وساعد عدم اليقين – الذي سبق إصدار القرار – على رفع سعر النفط العالمي القياسي إلى أعلى مستوياته في نحو ستة أشهر، متخطيًا 74 دولارًا للبرميل مساء الأحد.
وارتفع خام برنت بنسبة 2.6% يوم الاثنين إلى 73.80 دولارًا للبرميل، بعدما سجل مستوى مرتفعًا بلغ 74.31 دولار في التعاملات الآسيوية المبكرة، فيما ارتفع مؤشر غرب تكساس الوسيط بما يصل إلى 1.2% ليصل إلى 64.74 دولار، وهو أعلى مستوى خلال اليوم في أسبوعين.
جيسون بوردوف، مستشار النفط لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما ومدير مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، يتوقع أن يؤدي تخفيض قدرات الإنتاج الإيرانية إلى تضييق السوق أكثر.
تعول إيران على تمركزها كقضية رئيسية في السياسة الخارجية في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل، خصوصًا مع تعهد مرشحين ديمقراط بالعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 حال فوزهم على الرئيس ترامب.
وتراهن إيران على أن إنهاء نظام الإعفاء المؤقت سيترك آثارًا سياسية على واشنطن نفسها قبل انتخابات 2020؛ إذ لا تزال أسعار البنزين المحلية في الولايات المتحدة مرتبطة بشكل وثيق بالسوق العالمية.
رهانات إيران تشمل الصين كذلك؛ إذ لا يعتقد معظم محللي النفط أن تكون الولايات المتحدة قادرة على وقف صادرات النفط الإيراني تمامًا، خصوصًا إلى الصين؛ باعتبار أن أي ضغط أمريكي في هذا الملف قد يعقد محادثات إنهاء الحرب التجارية بين البلدين.
يزيد القرار كذلك عمق الخلاف بين واشنطن والحلفاء الأوروبيين، الذين كانوا يعملون مع طهران لإنشاء آلية تسمح بمواصلة التجارة مع إيران رغم العقوبات الأمريكية.
قرار إنهاء إعفاءات النفط يأتي بعد شهور من ضغوط صقور الجمهوريين، وبينهم السيناتورز تيد كروز وتوم كوتون والنائب ماركو روبيو، للعمل بشكل أكثر حسمًا باتجاه كبح التمويل الإيراني.
وانسحب ترامب من جانب واحد من الاتفاق مع إيران وست قوى كبرى العام الماضي. وحددت الإدارة الأمريكية 12 طلبًا، تشمل مطالبة إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، والذي احتفظت به بموجب اتفاقية عام 2015، ووقف دعمها للجماعات المسلحة، والتوقف عن تهديد إسرائيل، لكن قادة إيران لم يظهروا أية نوايا للتفاوض مع إدارة ترامب على أرضية هذه الشروط.
وفي وقت سابق هذا الشهر، صنفت إدارة ترامب الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، بهدف زيادة الضغط الأمريكي على طهران.
الإعلان اعُتبر خطوة غير مسبوقة؛ كونها المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة رسميًا جزءًا من سلطات دولة أخرى كتنظيم إرهابي.
بعد الإعلان، قال هوك إن إدارة ترامب استهدفت إيران بـ 25 جولة من العقوبات حلال العامين الماضيين، بما في ذلك ما يقرب من ألف من الأفراد والكيانات.
العقوبات الأمريكية على طهران أضرت الاقتصاد الإيراني وقلصت من ميزانية النظام، لكنها لم تصل لدرجة الضغط نحو وقف إيران لدورها العسكري في سوريا أو تقليص دورها شبه العسكري في المنطقة.
مسؤول أمريكي بارز قال يوم الأحد إن تقديرات إدارة ترامب تذهب إلى أن ظروف سوق النفط الحالية باتت أكثر ملاءمة لوقف نظام الإعفاء المؤقت.
المسؤول – الذي لم تكشف واشنطن بوست هويته – قال إن الولايات المتحدة دخلت مفاوضات مع السعودية والإمارات للمساعدة في تعويض تأثير إخراج إنتاج النفط الإيراني من السوق.
وتعتمد إدارة ترامب بشكل كبير على العلاقات الشخصية مع السعودية لإقناع المملكة بضخ المزيد من النفط لموازنة مساعي إزالة الصادرات الإيرانية من السوق، بما يمنع ارتفاع الأسعار.
وفقًا للمعلومات المستقاة من نشرة سندات أرامكو السعودية الأخيرة، فإن الحكومة السعودية قادرة على توجيه عملاق النفط لزيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميًا في غضون 3 أشهر، مع الاحتفاظ بهذا المستوى لمدة عام واحد.
وبإمكان الحكومة السعودية رفع الإنتاج لما يتجاوز 12 مليون برميل إذا رغبت في ذلك.
تأمل الولايات المتحدة في زيادة الدولتين لإنتاج النفط، وتملك الدولتان القدرة على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتعويض الصادرات المفقودة من إيران، لكن هذا القرار لا يخلو من تعقيدات.
قرار كهذا – وفق فوربس – سيضر بأوراق السعودية التفاوضية داخل أوبك، على الأقل في الوقت الحالي، قبل اجتماع المنظمة في يونيو/ حزيران المقبل.
وتحاول السعودية الوصول لضمانات بالتزام جميع دول أوبك الـ 14، بالإضافة إلى الدول العشر غير الأعضاء في أوبك بأي اتفاق يبرمونه.
وإذا دخلت السعودية الاجتماع محملة بتعهد للولايات المتحدة برفع الإنتاج إلى مستوى معين، ستفقد القدرة على الضغط لإجبار البلدان الأخرى على التحكم في الإنتاج.
وعززت السعودية الإنتاج العام الماضي قبل أن تفرض الولايات المتحدة العقوبات على إيران، لكن الرياض صدمت بالقرار الأمريكي في نوفمبر/ تشرين الثاني بإعفاء العديد من العملاء الرئيسيين لإيران، ما أدى لانخفاضات هائلة في الأسعار.
ومنذ ذلك الحين، قادت السعودية أوبك لخفض الإنتاج بشكل حاد، فيما أشارت الإمارات إلى أنها لن ترتكب نفس الخطأ هذه المرة، قائلة إنها سترفع الإنتاج فقط إذا ظهر نقص في المعروض.