صحيفة أحوال تركية تقول إن حكومة رجب طيب أردوغان اعتقدت لسنوات أن الوصول إلى تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان سيكون صعبًا وسيستغرق وقتًا طويلًا، بعدما قضى البلدان 15 عامًا من التفاوض دون جدوى، فحاولت ترسيخ سفنها في بعض المناطق الرمادية المختلف عليها بين البلدين.
الآن، وفي خطوة مفاجئة، سافر وزير الخارجية نيكوس ديندياس سرًا إلى القاهرة لإبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان. الاتفاق يعزز بشكل فعال حقوق البلدين في التنقيب عن الاحتياطات غير المستغلة واستكشافها في مئات الأميال في شرق المتوسط.
حكومة اليونان قالت بوضوح إن الاتفاق يستهدف مقاومة نفوذ تركيا المتنامي في المنطقة قبل أن تصدر أنقرة تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط، وربطت بين سرعة إتمام الاتفاق وبين مذكرة تفاهم تركيا مع حكومة فايز السراج في طرابلس الليبية، والتي زعمت أنقرة لنفسها من خلاله حق التنقيب عن الغاز والنفط في نفس المنطقة، بما في ذلك داخل مياه اليونان على سواحل الجزر اليونانية مثل جزيرة كريت.
وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس اعتبر أن ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان من شأنه أن “يلقي بالاتفاق التركي الليبي في سلة القمامة”، مؤكدًا أن الاتفاق معاكس تمامًا لـ “التفاهم الباطل وغير القانوني بين أنقرة وطرابلس”؛ إذ يؤكد ويحمي حقوق جزر اليونان ويشهد على عزم اليونان ومصر التصدي لنفوذ تركيا في المنطقة.
الصحيفة التركية وصفت الاتفاق بأنه أغلق جميع الأبواب المفتوحة المتاحة أمام تركيا بعدما سد بشكل فعال عددًا من الثغرات التي سعت أنقرة إلى الاستثمار في تعزيز علاقاتها مع حكومة السراج في ليبيا، وبعثر بشكل أساسي العديد من الأوراق التي سعت تركيا إلى الاستيلاء عليها بالقوة في شرق المتوسط.
إردوغان والسراج.. قشة اليائس | خالد البري
تزعم تركيا أن مصر واليونان لا تمتلكان حدودا بحرية مشتركة بالأساس. وأن التقسيم كان يفترض أن يجمع القاهرة مع أنقرة بدلًا من أثينا، وبالتالي، والكلام للديلي صباح، فإن مصر فرطت في حقوقها نكاية في تركيا.
لكن أزمة تركيا الحقيقية تكمن في خلافات الجانب الآخر من البحر المتوسط.
الحسبة التركية لتنازل مصر عن مساحتها تنطلق من عدم اعترافها باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي أكدت على أن من حق الجزر، على غرار البر، المطالبة بجرف قاري ومنطقة اقتصادية خالصة تمتد إلى 200 ميل بحري.
الخلاف متعلق تحديدًا بجزيرة كاستلوريزو، والتي تبتعد عن ساحل تركيا بكيلومترين تقريبًا.
مساحة كاستلوريزو 11.98 كيلومتر مربع ، وعدد سكانها بالكاد 500 شخص. منحتها معاهدة لوزان لإيطاليا، التي تنازلت عنها لليونان في معاهدة باريس 1947.
حسب المنطقة الاقتصادية الخالصة في اليونان، فإن الخط البحري الممتد عبر جزيرة كريت رودس كاستيلوريزو هو الأساس لترسيم مياهها الإقليمية. ما يعني أن الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة التركية يقتصران تلقائيًا على نقطة مفتوحة في البحر الأبيض المتوسط في خليج أنطاليا.
وانيس كورانتيس، السفير اليوناني السابق في أنقرة، يقول إن قرب كاستيلوريزو الجغرافي من تركيا ليس له أي تأثير على المكانة الممنوحة لها بموجب المعاهدات الدولية. يضيف: “إذا اتبعنا طريقة التفكير التركية، فربما تدعي فنزويلا أو جمهورية الدومينيكان أن المارتينيك وجوادلوب أقرب إليهما من فرنسا – التي ينتميان إليها – على بعد عدة آلاف من الأميال، وبالتالي ينبغي أن تتمتع بحقوق محدودة المناطق البحرية”.
تحركات تركيا والإخوان في البحر المتوسط.. كيف تؤثر اقتصاديًا على المواطن المصري؟ س/ج في دقائق
منطقة شرق المتوسط تتمتع بأهمية للاتحاد الأوروبي؛ حيث ستوفر أكثر من 10% من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي؛ ولذلك يمول الاتحاد مشروعات للغاز في المنطقة، كما تدعمها الولايات المتحدة بقوة سعيًا لموازنة صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا.
هنا، يعتبر الاتحاد الأوروبي الوصول إلى مصادر الهيدروكربون وإمدادها دون عوائق نقطة حيوية لا تقبل معها استمرار “الضجيج المتبادل”، والتي تغذيها موجة مستمرة من التصريحات العدائية من أنقرة على جميع المستويات، وفقًا لوانيس كورانتيس، السفير اليوناني السابق في أنقرة.
وأملًا في الوصول إلى حل سلمي، تدفع بروكسل وواشنطن اليونان وتركيا للعودة إلى طاولة المفاوضات على أمل محاولة تسوية الخلافات القديمة.
كونستانتينوس فيليس، مدير معهد العلاقات الدولية في أثينا، يقول إن اليونان لم يكن لديها أية فرصة تذكر لتحقيق نجاح كبير في تلك المحادثات دون الاتفاق الذي أبرمته مع مصر.
يضيف أنه لولا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان لكانت أثينا في وضع صعب للغاية. الآن، يمكن أن تأتي إلى طاولة المفاوضات وتتسلح بالاتفاقية وبالقانون الدولي، ليصبح الحل أمام تركيا هو اللجوء إلى المحكمة الدولية في لاهاي، والتي ستقضي بحق اليونان وفقًا لاتفاقية البحار.
تشخيص غربي أخيرا | إردوغان يعيد إحياء الإمبراطورية العثمانية.. ما الوسيلة؟ وما الثمن؟| س/ج في دقائق
يمكن لمصر استعادة سلطتها البحرية المسروقة في البحر الأبيض المتوسط (الديلي صباح)