بعد عملية المداهمة، حاصر قائد عمليات كتائب العراق عبد الكريم الزيرجاوي الملقّب بـ “أبو فدك” مقر إقامة رئيس الحكومة بقوة مكونة من 150 مسلحًا في 30 شاحنة صغيرة، بينها واحدة على الأقل تحمل مدفعًا مزدوجًا مضادًا للطائرات من عيار 23 ملم والعديد من الشاحنات الصغيرة الأخرى المدرعة المحملة بمدافع رشاشة، لمطالبته بإطلاق سراح المحتجزين ووضعهم في عهدة الكتائب. كل ذلك ليس خارجًا عن المألوف. لكن الجديد أن قرارًا “توفيقيًا” اتخذ بوضع السجناء تحت رعاية مديرية أمن “الحشد الشعبي”، باعتبارهم أعضاء فيها، وبالتالي يخضعون للانضباط العسكري في “قوّات الحشد”.
القرار التوفيقي لم يغير الواقع ببساطة لأن مسؤول مديرية أمن الحشد الشعبي هو حسين فلاح اللامي “أبو زينب”، القيادي في حزب الله العراق. لكن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أضاف خطوة أخرى بدعوة جميع أجهزة الأمن العراقية المعنية بالانخراط في تحقيق مشترك مع القوات المسلّحة في القضية.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يقول إن الأمر قد يشهد تحولًا؛ إذا أجبر الضغط السياسي كتائب حزب الله على احترام آلية اللجنة القضائية، فسيتولى القضاء العسكري العراقي الرسمي البت في القضية بدلًا من الانضباط الداخلي لـ “قوات الحشد الشعبي” التي يسيطر عليها وكلاء إيران.
كتائب حزب الله العراق تعرضت بالفعل لانتكاسات متتالية في شهور معدودة: الأضرار التي لحقت بسمعتها بسبب اتهامات قتل المتظاهرين، ثم اغتيال قائدها أبو مهدي المهندس رفقة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، فالضربات الجوية الأمريكية على مواقعها في العراق وسوريا، ثم الاحتجاجات الدينية ضد ترقية “أبو فدك” ليحلّ محل المهندس، وأخيرًا تثبيت مصطفى الكاظمي نفسه في منصب رئاسة الحكومة رغم رفض الكتائب صراحة.
لكن الليلة الأخيرة ستترك تداعيات أعمق، خصوصًا إذا اعتبرها حزب الله العراق “إذلالًا آخر” يجعلها مضطرة لمزيد من التصعيد؛ كونها أقل انتظامًا وانظباطًا مما كانت عليه في الماضي، لكنها في الوقت نفسه تملك ميليشيات كبيرة داخل المنطقة الخضراء، وفي محيط مقر رئاسة الحكومة وحتى داخل القصر الجمهوري؛ ما يعني أن تبعات الخطوة الحكومية ستكون اختبارًا صعبًا لحكومة مصطفى الكاظمي.. إما أن تنجح في فرض النظام، أو نجاح حزب الله في حماية مقاتليه من العدالة، وبالتالي إحراج الكاظمي.
تميل بريطانيا كما يميل حلفاء آخرون للولايات المتحدة وبقوة نحو إدراج كتائب حزب الله العراق على لائحة الإرهاب. المعهد ينصح المسؤولين الأمريكيين بمواصلة حث هؤلاء الحلفاء على المضي في هذا الاتجاه؛ لأن مثل هذه الخطوة ستملأ فجوة صارخة في قوائم الإدراجات.
تكافح حكومة مصطفى الكاظمي للعثور على مواقع آمنة يمكنها العمل فيها دون خوف من الميليشيات. يحتاج العراق إلى تشجيع ودعم قويين لتطوير قوة أمنية حقيقية بشكل سريع لتأمين المنطقة الخضراء والمركز الحكومي، قوة مستعدة وقادرة على منع الميليشيات بالقوة من جلب الأسلحة الثقيلة إلى المرافق الحكومية.
أعرب رئيس الوزراء مصطفة الكاظمي عن ضرورة حماية القضاة العراقيين. وبناءً على ذلك، يجب على الجهات الفاعلة الدولية أن تتفحص ميزانياتها وبرامجها المتعلقة بسيادة القانون بحثًا عن خيارات مساعدة ملموسة وسريعة، يمكنها دعم القضاة العراقيين المعنيين بمكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد.
استلزم الأسلوب الذي ضمنت فيه كتائب حزب الله العراق نقل مسلحيها، تحديدهم صراحةً كأعضاء في الخدمة العسكرية في “قوات الحشد الشعبي”. ويبطل هذا الادعاء الذي يصدر عن “الكتائب” بصورة متكرّرة بأن الهجمات الصاروخية وغيرها من هجمات “المقاومة” تقوم بها عناصر من “الكتائب” لا تتقاضى رواتب من “قوات الحشد الشعبي”. وعلى هذا النحو، يفتح ذلك المجال أمام الحكومة العراقية لخفض رواتب عناصر “كتائب حزب الله” داخل “قوات الحشد الشعبي”، ومعاقبة، وتدقيق، وربما تفكيك “وحدات الحشد الشعبي” التابعة لـ “الكتائب”، أي الألوية 45 و 46 و 47.
الاعتقالات ستكشف مجموعة كبيرة من الأدلة. وعلى افتراض أن هذه البراهين الكتابية لن تُعاد إلى “كتائب حزب الله” كما حصل مع المشتبه بهم، يجب على الولايات المتحدة مشاركة معرفتها ذات الصلة بـ “الكتائب” للمساعدة في فهم قطع اللغز الجديدة. فعلى سبيل المثال، سيحمل المشتبه بهم والمواد المصادَرة توقيعات بيومتريّة من الممكن أن تتطابق مع الهجمات الصاروخية الأخرى، من بينها الضربات الفتاكة ضد أفراد أمريكيين في 27 ديسمبر و 11 مارس الماضيين.