الخلاف بين مرجعية قم الإيرانية و النجف العراقية وتأثيره على ميليشيات العراق | عبدالله عيسى الشريف

الخلاف بين مرجعية قم الإيرانية و النجف العراقية وتأثيره على ميليشيات العراق | عبدالله عيسى الشريف

31 Dec 2019
إيران الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في 1907، احتدم الصراع بين الثورة الدستورية الإيرانية والشاه محمد علي القاجاري. وامتد الانقسام إلى مجتهدي المؤسسة الدينية الشيعية، ليظهر تياران رئيسيان: أنصار المستبدة وأنصار المشروطة.

ذلك الخلاف التاريخي بين المرجعيات الدينية الشيعية، على مستوى التأسيسات الفلسفية والفقهية، ألقى بظلاله على فقه الدولة وعلى النظرية السياسية لدى تلك النُخب.

أنصار المستبدة

طرف الخلاف الأول كان الشيخ فضل الله نوري، الذي أبدى رفضًا لدولة المؤسسات حتى في عصر الغيبة، مُستَعيضًا عنها بتأسيس دولة دينية تنوب عن المعصوم لحين ظهوره.

مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران روح الله الخميني كان من أنصار “المستبدة”، وقدم صياغته الخاصة لنظرية ولاية الفقيه؛ أي حاكمية الفقيه المجتهد الجامع لشرائط الفتوى والمرجعية الدينية بالمجتهد في الأحكام الشرعية في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الإسلامية وإقامة حكم اللّه على الأرض.

من المجرم الحقيقي في إيران والشرق الأوسط؟| خالد البري| رواية صحفية في دقائق

النظرية مركزية في الفكر السياسي للتيار؛ باعتبارها من ضرورات المذهب الشيعي، وتشكل حاليًا الأساس الفقهي لمرجعية قم، والجمهورية الإسلامية في إيران.

النظرية الخمينية مدت ولاية الفقيه – باعتباره نائب الإمام الغائب – لتشمل كافة الشيعة بل والمسلمين في العالم كله، ليحكم السياسة الإيرانية وفقها مبدآن: مقاومة المستكبرين ونصرة المستضعفين، والحكومة العالمية.

أنصار المشروطة

الميرزا محمد حسين النائيني (1860 – 1936)، مُنظر “المشروطة” أصدر كتابًا أسماه: “تنبيه الأمة وتنزيه الملة في وجوب المشروطة”، يُعتبر وثيقة راديكالية نادرة صاغت الخطاب الشيعي الاثني عشري وفق نظرية “ولاية الأمة على نفسها” في عصر الغيبة (غيبة الإمام المهدي المنتظر وهو الإمام الثاني عشر للشيعة الجعفرية)، شملت الدعوة لدولة مدنية ذات حريات وسيادة شعبية حقيقية، في أوطان لها حدود مرسومة بفقه الواقع.

المدرسة انتقلت إلى تلميذه أبو القاسم الخوئي، المرجع الديني الأعلى السابق في العراق، وأستاذ المرجع الحالي آية الله علي السيستاني.. ووفق أدبياتها سارت مواقف مرجعية النجف من العمل السياسي.

لا تؤمن المرجعية العليا في النجف لا بولاية الفقيه، ولا بالعمل السياسي في ظل غياب المعصوم، فتكتفي بالإدلاء برأيها في الأحداث المحورية بالنسبة للداخل العراقي بما تحمله من رصيد ديني، وما تتمتع به من سلطة روحية على الساسة والسياسة، دون ولاية على الشأن العام بالمفهوم الولائي الإيراني.

صراع آيات الله.. هل يحدد السيستاني خليفة خامنئي؟ وهل تعود النجف لقيادة قم؟ | س/ج في دقائق

الحشد الشعبي.. سرقة دعوة السيستاني

التغييرات الجوهرية والآخذة في التطور في بنية النسيج الشيعي والعقل الجمعي والذاكرة التاريخية دفعت الإيرانيين دومًا للسيطرة على النجف منذ نجاح ثورة الخميني 1979، للتحكم في المذهب داخليًا؛ فسعت لخلق بيئة دينية موالية لقم وتحت إمرتها، وموازية للنجف، بغية إضعافها والسيطرة عليها بمرور الوقت، عبر عملية تخطيط إستراتيجي ممتدة، خاصة بعد رحيل المرجعية العليا الحالية – الممثلة في آية الله السيستاني- التي تدرك إلى حد بعيد تلك التعقيدات وخرائط الصراع التي تمر بها الجماعة الشيعية ومدى الضغوط الإيرانية عليها.

التنافس والصراع ظهر جليًا في تشكيل الحشد الشعبي. في يونيو 2014، وبينما الجيش العراقي في الموصل يعاني نقص المدد والتعزيزات، وقبيل ساعات من سقوط ثاني أكبر مدن العراق بأيدي التنظيم، تأتي الاستجابة في خطبة الجمعة من داخل الصحن الحسيني في كربلاء. يقف عبد المهدي الكربلائي، ممثل السيستاني، أمام المصلين ناقلًا فتوى الجهاد الكفائي، موجهًا من يمكنه حمل السلاح للتطوع في القوات الأمنية.

فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش كانت واضحة؛ مؤقتة لا دائمة، تنتهي بانتفاء خطر التنظيم. لكن القرار لم يطبق كما كان يرغب السيستاني!

الفصائل الموالية للولي الفقيه علي خامنئي، والتي تتلقى الدعم والتدريب من الحرس الثوري، سيطرت على الموقف بشكل مستقل بعيدًا عن توجيهات مرجعية النجف. استقبلت من لبوا دعوة السيستاني ضمن ميليشيات كانت منتشرة بالفعل، لكنها كانت تبحث عن تأطير قانوني، وقُبلة تعطي لوجودها شرعية، فكانت دعوة مرجعية النجف.

الميليشيات منحت لنفسها مبررًا لحشد المزيد من السكان، حتى صغار السن والأطفال، فتخطت 40 فصيلًا تضم نحو (250) ألف مقاتل ينتظمون في هيئة أطلقت عليها الحكومة “الحشد الشعبي” لتكون مؤسسة أمنية الى جانب قوات الجيش والشرطة، غيرت مجرى الأحداث ليس في العراق وحده، إنما في المنطقة بأسرها.

إيران أرسلت قيادييها ومقاتليها، وعلى رأسهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني، لتدريب الميليشيات، بمساعدة قادة عراقيين مقربين منها، أبرزهم هادي العامري، زعيم منظمة بدر، وقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وأبو مهدي المهندس، زعيم كتائب حزب الله.

ولاء لقم لا النجف

السيستاني يرفض وجود قوة عسكرية خارج إطار الدولة، ويرفض مشاركة المقاتلين في السياسة والانتخابات. كل ذلك كان في إدراك قادة الفصائل والميليشيات. أدركوا مبكرًا أن القضاء على داعش في الموصل قبل تقنين أوضاع ميليشيات الحشد سينهي كل مبررات وجودها مستقبلًا، وسيؤدي لانتفاء مبررات استمرار الإنفاق الحكومي عليها، فكان أن مررت الكتل الشيعية الموالية لطهران في البرلمان قانون “الحشد الشعبي” نوفمبر 2016.

تضمن القانون ثلاث مواد قانونية فقط لا توضح بشكل تفصيلي طبيعة المهام الامنية لهذه القوات. يؤكد فقط أن الحشد الشعبي قوة أمنية رسمية، لكنه لا يفسر هل هي قوات عسكرية مشابهة لقوات الجيش تختص بالقتال في الجبهات، أم شرطية تحفظ الأمن داخل المدن!

الغموض سيد الموقف بالنسبة للحشد الشعبي، سواء في مسيرة التكوين والنشأة أو في مسار تطورات الأحداث فيما بعد، لكن الواضح الأكيد أن طهران تلقفت فتوي السيستاني لتقنين وضع ميليشياتها وفصائلها المسلحة، فكان الحشد بمثابة حرس ثوري بيد طهران على أراضي العراق.

دمج الميليشيات الشيعية.. هل تمول بغداد الحرس الثوري العراقي الموالي لإيران؟ | س/ج في دقائق


ملف تسريبات إيران في دقائق


الحرب الدائرة على أرضنا ولا نراها | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك