نافذة جديدة للتصعيد في الشرق الأوسط فتحتها اعتداءات تعتقد الولايات المتحدة أن مصدرها إيران أو أحد وكلائها الإقليميين على ناقلات ومنشآت نفطية في الخليج العربي، بعد إحكام واشنطن حصارها الاقتصادي على طهران بالوصول لنقطة “صادرات صفر”.
بالتزامن، كانت الدائرة تضيق على أحد أهم وكلاء إيران الإقليميين في المنطقة.. ميليشيا حزب الله.
الضرر الذي ألحقته واشنطن بميليشيا حزب الله لم يكن أثرًا جانبيًا للعقوبات الأمريكية على إيران، بل رافقته خطوات أخرى لتضييق الخناق تمامًا على التنظيم.. واشنطن بوست رصدت التأثيرات باعترافات مسؤولين وموظفين في الحزب في تصريحات خاصة، ونحن نلخصها لكم عبر:
يتراجع الاقتصاد الإيراني منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق إيران النووي 2015، وفرض عقوبات جديدة على طهران.
جون هانا، مستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، يقول إن الضرر وصل لنقطة بعيدة بالنسبة للاقتصاد الإيراني، الذي بات هدفًا لحرب اقتصادية أمريكية ضحمة، بالدرجة التي تستهدف “إركاع” إيران تدريجيًا.
تتوقع فوكس بيزنس أن تتعمق حالة الركود التي يشهدها اقتصاد إيران إلى حد بعيد جدًا قريبًا، بينما يكشف تتبع صندوق النقد الدول أن الاقتصاد الإيراني تقلص بمعدل 6% منذ بداية 2019، بعد تقلصه بنحو 4% العام السابق.
ومع انكماش الاقتصاد، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، مع ارتفاع التضخم إلى أكثر من 32%، بينما يبلغ معدل البطالة حاليًا 12% تقريبًا.
ويقول محللون إن العقوبات التي فرضها ترامب أواخر العام الماضي بعد انسحابه من صفقة 2015 كانت أكثر قسوة بكثير من تلك التي ساعدت في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات تحت إدارة باراك أوباما.
يضيف المحللون أن العقوبات تركت تأثيرًا عميقًا على الاقتصاد الإيراني، ما ضغط الإنفاق الحكومي، وتسبب في بؤس واسع النطاق لحياة العديد من الفقراء الإيرانيين
ويزعم مسؤولو إدارة ترامب أن العقوبات قلصت 10 مليارات دولار من الإيرادات الإيرانية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني.
ازدهرت ميليشيا حزب الله لعقود بفضل مساعدات مادية سخية قادمة من إيران.
التمويل الإيراني ساعد التنظيم في الإنفاق على مقاتليه ببذخ، وتمويل الخدمات الاجتماعية لناخبيه، ومراكمة ترسانة سلاح هائلة منحته وضعه الحالي كقوة إقليمية لها حساب، مع قواته المنتشرة في سوريا والعراق.
لكن، منذ أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيودًا شاملة على التجارة مع إيران، تقلصت قدرة طهران على تمويل الحلفاء، وبينهم حزب الله، الذي شهد انخفاضًا حادًا في إيراداته، ليضطر إلى إجراء تخفيضات صارمة على إنفاقه، وفقًا لمسؤولين في الحزب.
موظف في إحدى الوحدات الإدارية لحزب الله يقول إن الحزب اضطر لتسريح أعداد من مقاتليه، أو إحالتهم للاحتياط حيث يحصلون على رواتب منخفضة أو بدون أجر على الإطلاق، بخلاف سحب كثيرين منهم من سوريا، حيث لعبوا دورًا فعالًا في القتال لتأمين بقاء الرئيس بشار الأسد.
التقليصات طالت قناة المنار التابعة للحزب، والتي اضطرت لإلغاء عدد من برامجها ومن ثم الاستغناء عن موظفيها، وفقًا لأحد المطلعين الآخرين في حزب الله.
وصلت التقليصات إلى برامج الإنفاق الوفيرة، التي طالما عززت وضع التنظيم بين الجالية الشيعية الفقيرة في لبنان، بما في ذلك توفير الأدوية المجانية وحتى البقالة للمقاتلين والموظفين وعائلاتهم.
مسؤولو التنظيم ومقاتلوه المتفرغون ما زالوا يتلقون رواتبهم، بعد إلغاء مزايا لتغطية نفقات الوجبات والغاز والنقل، وفقًا لمصدر آخر.
كذلك لم تتضرر رواتب عائلات قتلى حزب الله، كونها مدفوعات “مقدسة وضرورية إذا أراد التنظيم أن يحافظ على فعاليته كقوة مقاتلة، وجذب مجندين موالين وأشداء”، بحسب مصدر آخر.
ويصر مسؤول آخر على أن التخفيضات لم يكن لها أي تأثير على استعدادات الحزب العسكرية أو موقفه في الشرق الأوسط.
“ما زلنا نحصل على أسلحة من إيران. ما زلنا مستعدين لمواجهة إسرائيل. يبقى دورنا في العراق وسوريا. لا يوجد شخص في حزب الله غادر لأنه لم يحصل على راتبه، والخدمات الاجتماعية لم تتوقف”، يضيف المسؤول الذي تنبأ بأن العقوبات “لن تستمر إلى الأبد”.
مسؤول كبير في حزب الله، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إن انخفاض التمويل الإيراني اضطر الحزب لخفض نفقاته.
“لا شك أن هذه العقوبات كان لها تأثير سلبي. لكن في النهاية، هي إحدى مكونات الحرب، وسنواجهها في هذا السياق”، يضيف المسؤول.
ولم يوضح مسؤولو الحزب مقدار التمويل الإيراني قبل الخصم أو بعده، لكن المبعوث الأمريكي الخاص براين هوك قال للصحفيين في أبريل/ نيسان إن إيران كانت تمول حزب الله بما يصل إلى 700 مليون دولار سنويًا، وهو ما يمثل 70% من إيرادات التنظيم.
مسؤول حزبي قال إن التنظيم لديه مصادر أخرى للدخل ويخطط بقوة للبحث عن المزيد، على أمل “تحويل هذا التهديد إلى فرصة” لتطوير مصادر دخل جديدة.
وأطلق التنظيم حملة كبيرة لتعويض نقص التمويل الإيراني عبر جمع التبرعات أسماها حسن نصر الله “جهاد المال”.
حزب الله نفسه كان هدفًا لمجموعة منفصلة من العقوبات استهدفت الشركات والأفراد والبنوك التي تتعامل معه.
يقول مسؤولو حزب الله إن العقوبات على إيران كان لها أكبر الأثر على تمويل المجموعة، لكن محللين يؤكدون أن التنظيم يعاني، بشكل غير مباشر على الأقل، من العقوبات المنفصلة التي تستهدف أنشطة التنظيم.
حنين غدار، الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تقول إن العقوبات ردعت رجال الأعمال الأثرياء في لبنان والخارج عن مواصلة التبرعات التي أمدوا بها الحزب لسنوات.
كما تمنع العقوبات الشركات والهيئات الحكومية من التعامل مع الشبكة الواسعة لشركات ومقاولي التنظيم التي نشأت جنبًا إلى جنب مع جهازيه السياسي والعسكري، وفقًا لسامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية.