هل تذكر أول مرة شاهدت فيها ديناصور؟ لقد كان الأمر لا يُصدق. كأنك تشاهد معجزة؟!
بهذه الكلمات تتحدث واحدة من شخصيات فيلم Jurassic World: Fallen Kingdom في مقطع سيعود بالملايين لذكريات التجربة الأولى، لمشاهدة ديناصورات ستيفن سبيلبرج صيف 1993 في فيلم جراسيك بارك. صاروخ شباك التذاكر الذي اكتسح كل الأرقام القياسية وقتها، وظل محتفظا بلقب “الفيلم الأعلى ايرادات في التاريخ” عدة سنوات.
اقرأ أيضًا: أهم دستة أفلام في النصف الثاني من 2018
عام 1993 كان استخدام الكمبيوتر لتخليق شخصيات ومخلوقات سينمائية، فن لا يزال في مهده، ومشاهدة ديناصورات بمصداقية على الشاشة، كانت نقطة مصدر بهجة ودهشة وإشباع في حد ذاتها. الآن بعد مرور ربع قرن على هذا الحدث السينمائي، وانتقال ألاعيب الإبهار والجرافيك في هوليوود، إلى مراحل وتحديات أعلى وأصعب في مئات الأفلام وعشرات السلاسل، لم يعد لتواجد ديناصورات مُتقنة على الشاشة، نفس رهبة ودهشة الفيلم الأول.
هذا تحديدا السبب الرئيسي في أن كل الأفلام اللاحقة من السلسلة، وعلى رأسها الجزء الثاني الذي أخرجه سبيلبرج بنفسه عام 1997 لم تترك نفس الأثر في قلوب وعقول الجماهير. بالطبع الوضع لا يختلف كثيرا مع فيلم 2018. العمل الخامس من حيث الترتيب في السلسلة ككل، والثاني في سلسلة جوراسيك وورلد باعتباره تكملة لفيلم 2015 الذي حمل نفس الاسم بالأخص.
إعلان Jurassic World: Fallen Kingdom
استفاد فيلم 2015 الذي أخرجه وشارك في كتابته كولين تريفورو، من توقف طويل للسلسلة منذ عام 2001 ومن نوستالجيا الملايين للعودة لحديقة الديناصورات. بفضل هذا الحنين وحده قبل أى شىء، نجح الفيلم رغم تواضع مستواه، في تحقيق ما يقرب من 1.7 مليار دولار في شباك التذاكر عالميا، وهو رقم أشك بشدة في قدرة الفيلم الجديد على اللحاق به.
اقرأ أيضًا: 7 دروس من شباك التذاكر في صيف 2018
اكتفى تريفورو هذه المرة بالمشاركة كسيناريست ومنتج منفذ، وانتقلت مهمة الاخراج الى الإسباني خوان أنطونيو بايونا، وهو مخرج صاحب تاريخ سينمائي أهم وأفضل، واسم تفاءلت كثيرا بخبر اختياره. لكن للأسف بصمة تريفورو المتواضعة كسيناريست، لم تترك فرصة للكثير من التحسن، وورث الفيلم الجديد أغلب عيوب السابق ان لم يكن كلها.
إذا بدأنا بالشخصيات فكلها تقريبا تتصرف بشكل غير منطقي، للتوجه لمسار الأكشن والمطاردات، ولا تزال العلاقة بين البطلين (كريس برات – برايس دالاس هوارد) مفتقدة للكيمياء والحرارة المطلوبة لهذا النوع من الثنائيات. مشكلة يتحملها تريفورو بفاتورة مزدوجة، مرة باعتباره السيناريست، ومرة باعتباره صاحب قرار اختيارهما في الفيلم السابق.
الوضع أسوأ مع أشرار الفيلم، بسبب سطحية السيناريو الذي اختزل أغلبهم في صورة شخصيات مملة، تتصرف بكل الكليشهات المعروفة والمحفوظة عن الجشع والطمع. والملل من وجودهم يزداد تصاعديا هنا، بفضل تكرار ظهورهم وتكرار تصرفاتهم كما هى في عشرات المشاهد، دون اضافة حقيقية.
محاولات تطعيم الطاقم بوجوه شابة جديدة لم تثمر عن مكاسب تُذكر أيضا، ومن الواضح أن الهوس بقواعد الصوابية السياسية، وبأفكار النسوية والتعددية العرقية، ترك بصمته في اختيارات تريفورو للشخصيات والممثلين. لدينا هنا الفيمنست المتحمسة للحديث طوال الوقت عن السطوة الذكورية، والشاب المختلط عرقيا مصدر النكات، في مقاطع يصمم فيها السيناريو على أن تتصرف وتتحدث الشخصيتان، طبقا لصفاتهما هذة فقط، وبطريقة تتجاهل تماما أي معطيات أخرى درامية للموقف والحدث.
اقرأ أيضًا: لدغة مارفل أضعف في Ant-Man and the Wasp
لم يستفد الفيلم الكثير أيضا من تواجد جيف جولدبلوم، نجم أول فيلمين في السلسلة، واكتفى بمنحه ظهور شرفي باهت، دون تأثير حقيقي مهم في مسار الأحداث.
في المقابل تبدو الديناصورات هنا أفضل حالا من البشر، وتفوز ربما بأقوى لحظات الفيلم عاطفيا، بفضل مشهد شاعري نتابع فيه نهاية بعضها بتأثر. وبالطبع تشهد تحسن من حيث التفاصيل البصرية، بفضل تراكم خبرات الخدع السينمائية بخصوصها، وبفضل حيل السيناريو في صياغة مشاهد يمكن تنفيذها بنماذج الأنيماترونكس الميكانيكية، بدلا من الجرافيك.
الأنيماترونكس طريقة توفر شكل أكثر مصداقية للديناصورات على الشاشة، بفضل وجودها ككيان حقيقي أمام الكاميرات. في المقابل هى طريقة تحتاج إلى ثبات نسبي، ويصعب معها تنفيذ مشاهد تجري فيها الديناصورات مثلا. في هذه المشاهد وغيرها، يصبح الجرافيك وألاعيب الكمبيوتر هما الحل الأكثر فاعلية.
لمسات بايونا كمخرج في هذا العمل شملت لمحة ما من أفلامه الثلاثة السابقة:
لدينا بعض لمسات الرعب القوطي، حيث أجواء القلاع والقصور القديمة والظلام والظلال، في بصمة تذكرنا بفيلمه. The Orphanage
لم يخل الفيلم كذلك من مشاهد الكوارث المصنوعة بحس شاعري، بشكل يذكرنا بفيلمه The Impossible .
الطفلة التي ظهرت ضمن الأحداث بينما تعاني من صدمة وفاة والدتها، ذكرتنا أيضًا بحبكة فيلمه A Monster Calls.
هذه اللمسات وغيرها لم توفر للفيلم -رغم ذلك- التجديد المنتظر، بل ربما تعكس قدرًا من إفلاس صناع الفيلم، وفي كل مرة يقرر فيها بايونا – تريفورو تقديم مشهد يداعب فينا الحنين للأصل، تخرج النتيجة سلبية؛ فالمقارنة تذكر دومًا بقدر هائل من المرح والتشويق يفتقده الفيلم الجديد.
أكبر وأهم اجتهادات تريفورو على صعيد التجديد نسبيا، هي محاولته عكس الآية بحيث تصبح الديناصورات هي الضحية، والبشر هم الأشرار. في هذه الجزئية يذكرنا الفيلم الى حد كبير بثلاثية كوكب القرود الأخيرة، لكن هذه المحاولة الطموحة لا تترك نفس التأثير الدرامي للقرد سيزر ورفاقه، لأن الديناصورات تظل كائن يصعب التعاطف معه لنفس الدرجة من ناحية، ولأن سيناريو تريفورو يلامس الفكرة فقط، دون أن يجرؤ أن يقطع بها الشوط للنهاية من ناحية أخرى.
جوراسيك وورلد: فولين كينجدم نموذج جيد لأزمة ثابتة تحدث في هوليوود، عندما تقرر حلب سلسلة ما في فيلم جديد كل عامين أو ثلاثة، دون أن تجد حدوتة أو مسار أحداث شيق يستدعي ذلك، فينتهي الحال بفيلم أخر يتكلف 100 أو 200 مليون دولار، ويحتوي على الكثير والكثير من الجهد، لكن بدون شىء مميز يصمد في الذاكرة.
اقرأ أيضا: كل شيء ولا شيء في “أفنجرز انفينيتي وور”
بقي أن أذكر أن الفيلم القادم والأخير في ثلاثية جيراسيك وورلد، المقرر عرضه في صيف 2021 سيشهد عودة تريفورو كسيناريست ومخرج ومنتج منفذ. أتمنى بالطبع أن يكون الفيلم أجود بكثير من سابقيه، لكن مع تواجد تريفورو يصعب اعتبار ذلك أكثر من مجرد أمنية.
ديناصورات سبيلبرج في حاجة الى طفرة سينمائية حقيقية، وفريق عمل أكثر موهبة.
الديناصورات تعود بصحبة مشاهد أكشن ومطاردات جيدة، لكن وسط قصة غير مسلية للدرجة، وأجواء لا تتضمن الكثير من التجديد مقارنة بما سبق.