نظرية غير مثبتة لكن من المستحيل دحضها تقول إن فيروس كورونا يضرب الدول بدرجات متفاوتة، وإنه ربما لم يصل بعض البلدان حتى الآن.
يستدل الباحثون على ذلك بأن روسيا وتركيا مثلًا كانتا آمنتين، ثم ضربهما كورونا بعنف بشكل مفاجئ.
وفق هذه النظرية، لا يزال الوقت هو المعادل الأكبر: في حالة الأنفلونزا الإسبانية التي اندلعت في الولايات المتحدة في 1918، بدا أنها تلاشت بحلول الصيف، لكنها عادت أكثر فتكًا في الخريف، ثم اندلعت موجة ثالثة في العام التالي، قبل أن تصل في نهاية المطاف إلى أماكن بعيدة مثل جزر ألاسكا وجنوب المحيط الهادئ، لتصيب في المجموع ثلث سكان العالم.
آشيش جها، مدير معهد هارفارد لأبحاث الصحة العالمية، يقول إننا في مرحلة مبكرة من انتشار الفيروس. يشبهها بمباراة بيسبول، ستشهد جولات تالية. وبحلول الشوط التاسع، سيتحول وضع البلدان التي لم تتأثر.
يقول الأطباء الذين يدرسون الأمراض المعدية حول العالم إنهم لا يملكون بيانات كافية حتى الآن للحصول على صورة كاملة حول انتشار الوباء، وإن الثغرات المعلوماتية في العديد من البلدان تجعل استعجال استخلاص النتائج خطرًا، لا سيما مع ضعف مستوى الاختبارات في بعض المناطق.
روبرت بولينجر، أستاذ الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، يقول إن الشباب أكثر عرضة للإصابة بحالات خفيفة أو عديمة الأعراض، ويكونون حال الإصابة أقل قابلية لنقل العدوى إلى آخرين.
أفريقيا، التي يبلغ تعدادها 1.3 مليار نسمة، هي أقل قارة في العالم من حيث الإصابات. وفق نظرية بولينجز؛ فالسبب أن أكثر من 60% من سكانها دون سن الـ 25 عامًا.
كذلك في تايلاند وفي مدينة النجف بالعراقية، وجد مسؤولو الصحة المحليون أن السكان في الفئة العمرية بين 20- 29 عامًا سجلوا أعلى معدلات الإصابة، لكنها كانت ضعيفة الأعراض على الأغلب.
على النقيض، متوسط السن بين الأحياء في إيطاليا، أحد أكثر البلدان تضررًا، يتجاوز 45 عامًا، ليصل متوسط عمر وفيات كورويا هناك 80 عامًا.
جوسيب كار، خبير السكان والصحة العالمية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، يفسر ذلك بأن أجهزة الشباب المناعية تكون أقوى في الغالب، لتساعد حال الإصابة على منع تطور الحالات إلى وضع أكثر خطورة.
للتدليل على ذلك هناك سنغافورة والسعودية على سبيل المثال، حيث تركزت معظم الإصابات بين العمال المهاجرين الأجانب، والذين يعيشون غالبًا في غرف معيشة ضيقة تضم أعدادًا كبيرة من العمال. رغم ارتفاع معدل الإصابة، لم يحتج العمال غالبًا لدخول المستشفى؛ والتفسير وفق النظرية أن غالبيتهم من الشباب ذوي اللياقة البدنية العالية.
لكن اليابان، التي تضم أكبر عدد من المعمرين في العالم، ظهرت كاستثناء من النظرية الديموغرافية. سجلت أقل من 520 حالة وفاة، رغم ارتفاع عدد الإصابات مع التوسع في إجراء الاختبارات.
يقول علماء الأوبئة إن بعض العوامل الثقافية، العادات والتقاليد، المتجذر أصلًا في ثقافات مجتمعات معينة، منح بعض الدول المزيد من الحماية:
1- التحية والكمامة:
في تايلاند والهند واليابان وكوريا الجنوبية، حيث أعداد الإصابات منخفضة نسبيًا، السلوك الطبيعي في تبادل التحية يحترم وجود مسافة بين الأشخاص حتى قبل اعتماد توصيات بهذا الصدد عالميًا مع ظهور كورونا.
وقبل وقت طويل من وصول الفيروس، كان اليابانيون والكوريون حريصين على ارتداء أقنعة الوجه فور الشعور بأي توعك صحي.
مع ذلك، هناك استثناءات ملحوظة. في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، مثل العراق ودول الخليج، غالبًا ما يحتضن الرجال بعضهم أو يتصافحون بحرارة عند المقابلة، لكن معظمهم لم يتعرضوا للإصابة.
2- رعاية المسنين:
ليس شائعًا في الدول النامية إيداع المسنين في دول رعاية. التقاليد توجب على الأبناء رعاية والديهم المسنين في المنزل غالبًا. دور الرعاية كانت بؤرًا لتفشي كورونا في الغرب.
أثبت ما يمكن تسميته بـ "العزلة الوطنية" أنه مفيد أيضًا؛ البلدان المعزولة نسبيًا جنت فوائد صحية من عزلتها.
الدول النائية في جنوب المحيط الهادئ وأجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم يأت إليها الزوار الذين يحملون فيروس كورونا. يتوقع خبراء الصحة في أفريقيا أن حركة السياحة المحدودة ربما كانت السبب الرئيسي للانخفاض النسبي في معدل الإصابة بالقارة.
كذلك، كانت الدول التي لا يمكن الوصول إليها لأسباب سياسية، مثل فنزويلا، أو بسبب النزاع، مثل سوريا وليبيا، أو التي عانت من احتجاجات واسعة في الأشهر التي سبقت انتشار الوباء مثل لبنان والعراق، محمية إلى حد ما لنفس السبب، وفق تلك النظرية.
يعتقد المراقبون كذلك أن نقص وسائل النقل العام في البلدان النامية ربما يكون قد قلل أيضًا من انتشار الفيروس هناك.
يبدو أن جغرافيا تفشي الوباء - الذي انتشر بسرعة خلال فصل الشتاء في بلدان المنطقة المعتدلة مثل إيطاليا والولايات المتحدة، ولم تكن موجودة تقريبًا في البلدان الأكثر دفئًا مثل تشاد أو غينيا - تشير إلى أن الفيروس لا ينتشر بنفس السرعة تحت درجات الحرارة الأعلى.
لكن الباحثين يعتبرون أن الاعتقاد بأن الطقس الحار وحده قادر على الفيروس هو تفكير يغلبه التمني أكثر من الواقع.. يقولون إن مناطق مثل الأمازون الإستوائية في البرازيل شهدت أسوأ حالات التفشي في العالم النامي.
مارك ليبسيتش، مدير مركز ديناميكا الأمراض المعدية في جامعة هارفارد، يقول إن التخمين الأفضل يذهب إلى أن الصيف "يساعد" لكن ليس محتملًا أن يؤدي "بذاته" إلى تباطؤ كبير في انتشار الوباء.
بالمثل، يعتبر راؤول ربادان، عالِم الأحياء الحاسوبية بجامعة كولومبيا، أن الفيروس يبدو معديًا للغاية بدرجة كافية لتخفيف أي تأثير محتمل للحرارة والرطوبة.
وأثبتت الدراسات أن الفيروس يصبح أقل عدوى بالانتقال عبر الأسطح في الأماكن المشمسة، لكن نسبة انتقال العدوى من المصاب مباشرة لم تتغير. على العكس، تشجع الأجواء المشمسة الناس على البقاء خارج المنزل لوقت طويل، بينما يميلون للبقاء في أماكن مغلقة لوقت أطول في المناطق الباردة.
الدول التي أغلقت أبوابها مبكرًا، مثل فيتنام واليونان، تمكنت من تجنب العدوى الخارجة عن السيطرة بشكل أفضل.
في أفريقيا، تفاعلت الدول التي لديها خبرة مريرة مع الفيروسات مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والإيبولا مع الوباء بسرعة، خصوصًا مع توافر الموظفين المدربين على التعامل مع العدوى الفيروسية.
موظفو المطار من سيراليون إلى أوغندا بادروا سريعًا إلى قياس درجات حرارة المسافرين، وتسجيل تفاصيل الاتصال، وارتداء أقنعة الوقاية قبل وقت طويل من اتخاذ نظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا مثل هذه الاحتياطات.
السنغال ورواندا أغلقتا حدودهما وأعلنتا حظر التجول بينما كان عدد حالات الإصابة بكورونا محدود، كما بدأت وزارات الصحة في تتبع اتصال المصابين في وقت مبكر.
كاثرين كيوبوتونجي، المديرة التنفيذية لمركز أبحاث السكان والصحة في أفريقيا، قالت إن كل هذا حدث في منطقة أصبحت فيها وزارات الصحة تعتمد على الأموال والأفراد والإمدادات من الجهات المانحة الأجنبية، والتي اضطر الكثير منها إلى توجيه انتباهها إلى تفشي الوباء في بلدانهم.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن عمليات الإغلاق، مع حظر الفعاليات الدينية والأحداث الرياضية، أثبتت فاعلية واضحة في معظم البلدان.
في الشرق الأوسط، أغلقت الدول المساجد والأضرحة والكنائس على نطاق واسع في وقت مبكر نسبيًا. ربما ساعد في تحجيم الانتشار.
الاستثناء الملحوظ كانت إيران، التي تأخرت في إغلاق بعض أضخم أضرحتها حتى 18 مارس، بعد شهر كامل من تسجيل أول حالة في مدينة قم. فانتشر الوباء بسرعة من هناك، حيث قتل الآلاف داخل الدولة، وانتقل عبر الحدود مع عودة الزوار الشيعة إلى دولهم الأم.
على عكس الفرضية، نجحت بعض الدول التي تأخرت فيها السلطات في اتخاذ قرارات التعامل مع الوباء، أو طبقت إجراءات الإغلاق بشكل متقطع. كمبوديا ولاوس مثلًا شهدتا موجات قصيرة من العدوى عندما كانت اتخذتا تدابير تباعد اجتماعي محدودة، لكنهما لم تسجلا أية حالات جديدة في حوالي ثلاثة أسابيع.
حتى لبنان، التي تأخرت في تقييد حركة حج مواطنيها الشيعة إلى إيران والمسيحيين إلى إيطاليا، اللتين كانتا بؤرتين للوباء، لم تشهدا عدد إصابات يوزاري تبعات تأخر الإجراء. روي نسناس، استشاري الأمراض المعدية في مشفى الجعيتاوي الجامعي في بيروت، يقول: "لم يحدث ما كنا نتوقعه، لكننا لا نعرف لماذا".
وأخيرًا، يتفق معظم الخبراء على أنه قد لا يكون هناك سبب واحد لضرب بعض الدول وترك أخرى. من المحتمل أن تكون الإجابة مزيجًا من العوامل المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى عامل آخر ذكره الباحثون: حسن الحظ.
يمكن أن يكون للدول ذات الثقافة والمناخ نفسه نتائج مختلفة إلى حد كبير إذا حضر شخص مصاب مناسبة اجتماعية مزدحمة، وحولها إلى ما يسميه الباحثون عدوى فائقة الانتشار.